هل ارتدت نقابة الصحفيين إلي العصور الوسطي؟

القس رفعت فكري

مازالت ردود الأفعال تتوالي علي أحداث 11 أبريل بنقابة الصحفيين التي منع فيها بالقوة مؤتمر «جماعة مصريون ضد التمييز الديني». القس رفعت فكري راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف - شبرا، وعضو الجماعة كان شاهداً علي ما حدث، وهو يرصد هنا الأمراض الفكرية التي أصابت عقل نقابة الصحفيين نظراً للمكانة الكبري التي تحظي بها نقابة الصحفيين وباعتبارها واحدة من أبرز قلاع الحريات، وساحة كبري من ساحات الفكر والرأي،

فكرت حركة "مصريون ضد التمييز الديني" في عقد مؤتمرها الأول بها. وذلك بعد أخذ موافقة نقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد. ولم يكن يخطر ببال أحد ماحدث يوم انعقاد المؤتمر حيث تصدي أحد أعضاء مجلس النقابة و6 من زملائه لمنظمي المؤتمر ومنعوهم بالقوة وبالعصي من الدخول. وقد رحب قيادات حزب التجمع مشكورين بعقد المؤتمر في مقر الحزب وقد حدث. ويبدو أن نقابة الصحفيين أُصيبت بعدة أمراض في الفكر والعقل أقف عند كل منها وقفة سريعة مناشداً أطباء العقول سرعة التدخل قبل أن يحدث مالا تحمد عقباه:-


أولا:- عدم الاتساق مع الذات  أو الانفصام في الشخصية (الشيزوفرينيا) بات من الواضح أن هناك عددا غير قليل من الصحفيين غير متسقين مع ذواتهم -بالطبع نحن لا نعمم فالتعميم يتنافي مع المنهج العلمي في التفكير- فكيف يطالب الصحفيون بحرية الرأي وعدم حبس الصحفيين وفي ذات الوقت يقف بعضهم ويتصدي لحرية الرأي والتعبير بهذا الشكل المخزي الذي حدث ظهر الجمعة الماضي؟!!


ثانيا:- القوة مقابل الرأي.. من المفترض أن الشعار الذي يجب أن يرفعه كل حامل قلم (الرأي بالرأي والفكر بالفكر والحجة بالحجة والمنطق بالمنطق) أما استخدام العصي والشوم من قبل بعض الصحفيين لمنع عقد مؤتمر فكري فهذا معناه أن القوة أصبحت مقابل المنطق وأن العنف أصبح بديلاً للحجة وأن الخنجر استُبدل بالقلم، والرصاصة بالكلمة، والقنبلة بالجملة!!، ومن المؤسف أن من فعل هذا هم  أصحاب القلم وليس المتطرفون الإرهابيون!!!.


ثالثاً:- عقلية المؤامرة.... عندما يفكر العوام من الناس بذهنية المؤامرة فهذا أمر قد يكون مقبولاً، أما عندما ينتهج الصحفيون صُناع الفكر هذا المنهج من التفكير فهذا معناه أن هناك مشكلة ذهنية علي مستوي النخبة. أليس من المؤسف أن يشيع  الصحفيون المعترضون علي انعقاد المؤتمر أن قناة إسرائيلية تريد تصوير جلسات المؤتمر الأمر الذي لم يحدث مطلقاً لا من قريب ولا من بعيد؟!! وهل وصلنا إلي هذه الدرجة من الهوس حتي إننا أصبحنا لا نحلم إلا بأمريكا وإسرائيل في كل صغيرة وكبيرة وكل شاردة وواردة؟!!.


رابعاً:- انتهاك حقوق الإنسان... من المفترض أن نقابة الصحفيين هي واحدة من قلاع حماية الحريات والدفاع عن حقوق الإنسان، وعندما يشعر إنسان ما بانتهاك حقه الإنساني سواء في حرية الاعتقاد أو التعبير أو غيرهما من الحقوق، من المفترض والواجب علي حملة الأقلام وفرسان الحرية أن يقفوا بجواره مطالبين بحقه، ولكن الأمر المؤسف أن المعترضين علي انعقاد المؤتمر قالوا إن هذا المؤتمر يروج للبهائية، وإن سيدة بهائية ستحضره!!، وفي حقيقة الأمر أن حركة "مصريون ضد التمييز الديني" لا تروج لأي دين من الأديان ولكنها ترفض أي تمييز يمارس ضد أي إنسان علي أساس الدين سواء كان هذا الإنسان مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً أو بهائياً أو غيرها من الأديان، فالله سبحانه وتعالي له وحده حق محاسبة البشر وليس من حق أي إنسان أيا كان أن يحاسب الناس علي معتقداتهم !! فهل عادت نقابة الصحفيين إلي فكر العصور الوسطي؟!!، وهل تحولت نقابة الصحفيين المصرية إلي محاكم للتفتيش؟!!


خامساً:- ازدواجية الكيل بمكيالين والعيار بمعيارين... زعم المعترضون علي انعقاد المؤتمر أن حركة "مصريون ضد التمييز الديني" ليس لها وضع قانوني، وهذا صحيح فحتي الآن والحركة تسعي لاستكمال أوراقها بعد أن تقدمت بطلب لتقنين وضعها ورُفض طلبها، ولكن السؤال الذي يفرض نفسه هل لأعضاء الجماعة المحظورة أي وضع قانوني حتي يعقدون مؤتمراتهم داخل النقابة، وهل لحركة كفاية أو غيرها وضع قانوني؟، وأيهما أولي بعقد المؤتمرات. الجماعة المحظورة التي تجاهد في سبيل الله من أجل تكريس التمييز الديني أم الجماعة التي تناهض التمييز الديني؟!!!


سادساً:- الانحدار إلي درك الردة والظلامية.. في برنامج 90 دقيقة علي قناة المحور مساء يوم السبت 12 أبريل 2008 صرح الأستاذ جمال عبد الرحيم عضو مجلس النقابة وأحد المعارضين لانعقاد مؤتمر مناهضة التمييز الديني بأن هناك 800 توقيع من صحفيين يطالبون بإقامة احتفالية سنوية بالنقابة يوم 11 أبريل- وهو اليوم الذي تصدي فيه بعض الصحفيين بالعصي والشوم لمنع المؤتمر - وذلك احتفالاً بمنع دخول البهائيين نقابة الصحفيين!!، وإذا صح هذا التصريح فهذا معناه أن نقابة الصحفيين قد سقطت في يد المتطرفين، وقد هوت إلي الدرك الأسفل، حيث حضيض الردة والظلامية والعودة إلي تخلف القرون الوسطي!!


وختاماً... هل اختُطفت نقابة الصحفيين؟!!، ومن الذي خطف النقابة؟!!، وأي تيار سيطر علي النقابة المحترمة؟!!، أليس اختطاف النقابة بهذا الشكل الهمجي بروفة مصغرة لاختطاف مصر؟!!، أين قوي التنوير والليبرالية؟!!، أين رجال مصر الشرفاء أصحاب الفكر والرأي الحر المستنير؟!!، إنني أثق أن هناك الكثيرين من الصحفيين الشرفاء أصحاب الأقلام التنويرية، وعلي هؤلاء تقع مسئولية جسيمة في تنوير العقول والأذهان، وإنني أدعو الشرفاء والليبراليين من الصحفيين إلي الوقوف بجوار قوي التنوير والليبرالية قبل أن نقف حداداً علي مصر!!، أدعو حملة الأقلام الحرة غير المأجورة إلي مساندة نقيب الصحفيين الأستاذ مكرم محمد أحمد للتصدي لهذه الفئة من الظلاميين الذين يجاهدون للعودة بنا إلي الخلف، وإذا لم يتخل المثقفون والليبراليون عن سلبيتهم ويتحلوا بالشجاعة الكافية لمواجهة قوي الرجعية والظلام فقولوا علي مصرنا السلام!!  

 

 


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com