badil

د. وليم ويصا: علينا أن نستميت جميعاً في مكافحة ثقافة الفكر الواحد

أكد الدكتور وليم ويصا الكاتب الصحفي ورئيس القسم العربي في محطة يورو نيوز سابقا الذي جاء من فرنسا خصيصا للمشاركة في فعاليات المؤتمر الوطني الأول لمناهضة التمييز الديني - الأهمية الكبيرة لهذا المؤتمر، حيث يعد المؤتمر الأول الذي يعقد في مصر لمناهضة التمييز الديني، ويضم مصريين «مسلمين ومسيحيين» اتفقوا علي الدفاع عن حرية العقيدة وحرية كل إنسان في أن يعتنق ما يشاء.

قال د.ويصا: الواضح إن التيار الديني المتطرف خطف قطاعات عديدة من الشارع المصري، وهو الأمر الذي يفرض علينا أن نستميت جميعاً في مكافحة ثقافة الفكر الواحد والرأي الواحد والإرهاب الفكري عموماً، وأن نكثر من مثل هذه المبادرات «مؤتمر مناهضة التمييز» لتعود الإشراقة لوجه أمتنا العزيزة مصر».

وتعليقاً علي ما حدث في نقابة الصحفيين لمنع انعقاد المؤتمر هناك أشار إلي أن ما حدث بمثابة «وصمة عار» تكشف عن الوجه الحقيقي للتيار الديني المتطرف الذي يرفض حرية الآخر في التعبير عن آرائه واعتناق ما يشاء، مع ملاحظة أن ذلك حدث في مكان من المفترض أن يكون معقلا للدفاع عن حرية التعبير في مصر اعترض د. ويصا علي كلمة المحامي «ممدوح نخلة» التي ساق فيها أمثلة عديدة من التراث علي انحطاط شأن «أهل الذمة» في المجتمعات الإسلامية، وحول موقفه هذا أوضح ويصا أن التراث بقدر ما ينطوي علي آراء لفقهاء تشير إلي ذلك فإنه يتضمن آراء لفقهاء آخرين تؤكد العكس.

ودعا ويصا أخيراً المحامين المصريين الأقباط الذين يتصدون لقضايا تتعلق بالملف القبطي ألا يستندوا علي أي شريعة دينية في الدفاع عن حقوق الأقباط، ويلجأوا في المقابل إلي القانون الوضعي والمدني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق التي وقعت عليها مصر في هذا الخصوص <
كمال غبريال مبرراً دعوته لعلمنة القانون:

الدين دعوة إلي الكمال بينما القوانين توضع لإقرار الحد الأدني للتوافق بين البشر
دخول الدين في القضاء يحذف نهج الحياد من أساسه
في كلمة خلال الجلسة الثانية من «المؤتمر الوطني الأول المناهضة التمييز» والتي ناقشت مسألة «التمييز القانوني» قال «كمال غبريال»- المثقف القبطي والناشط بجمعية حابي للحقوق البيئية- إن مشكلة التمييز يمكن النظر إما باعتبارها قضية منصلة ترتبط بمعسكرين أحدهما كبير والآخر صغير، أو باعتبارها عرضاً لمشكلة أكبر ضمن أعراض أخري من بينها اضطهاد المثقفين وضعف مستوي الإبداع العلمي.

وأشار غبريال إلي أن هناك نظريات مختلفة تحدد طبيعة نظام الحكم من بينها: نظرية التفويض الإلهي التي يدعي بمقتضاها شخص أن الله فوضه لحكم البشر، ونظرية الحكم وفقاً لشريعة معينة من الشرائع السماوية، وإن كانت هاتان النظريتان في الواقع أقرب لأن نكونا نظرية واحدة لأن أي شريعة لا تطبق نفسها بنفسها وتحتاج لشخص لأن يطبقها.

وإلي جانب ماسبق تحدث غبريال عن نظرية العقد الاجتماعي التي ظهرت ابتداء من القرنين 16و 17 الميلاديين، وتقوم علي أساس المصلحة المشتركة للبشر، وتخلي البشر عن جزء من حريتهم نظير العيش مع آخرين في مجتمع واحد، وهذا الجزء الذي يتم التخلي عنه من الحرية يتحول إلي قانون.
وأضاف قائلاً: «هناك شرعيتان للقانون إحداهما شكلية» ترتبط بالإجراءات التي يصدر بمقتضاها القانون والأخري «موضوعية» تتأسس علي «المصلحة». ولو زاد تدخل القانون في الحرية الشخصية علي الحد الأدني يمكن أن نقول إن به «فائض قمع»، وذلك من قبيل أن يصدر قانون يعلمني ديني في المدرسة، وفي الوقت نفسه فإنه لو كان القانون لا يفرض قيوداً كما يجب يكون به «فائض حرية»، وذلك كأن يتجاهل نقاطاً من شأنها تحقيق المصلحة العامة.

وأكد غبريال: علي أن الدين دعوة إلي الكمال والرقي بينما القوانين لا توضع علي هذا المستوي وإنما توضع لإقرار الحد الأدني اللازم للتوافق والمصلحة بين البشر.
وعلي هذ الأساس فإن الدعوة لعلمنة القانون تصبح دعوة لوضعه في الإطار الصحيح.
ويشير كمال غبريال في الورقة التي قدمها إلي أن «عدالة القضاء الصارمة» التي يمثلها شخص معصوب العينين، يحمل في يده ميزان، هي ما نتصورها ونرجوها، نحن الجمهور الذي يمارس حياته في المجتمعات والدول الحديثه، مطمئناً إلي حاضره ومستقبله، لكن لكي يكون لهذا الاطمئنان مسبباته ومبرراته المستمدة من أرض الواقع، وليس فقط استنادا إلي صورة نمطية طوباوية، قد تتوفر مقوماتها في مكان وزمان ما، لتأتي تصاريف الأيام في حين آخر بما يبدل الأحوال، انتقاصاً من العناصر اللازم توافرها لتحقيق ما نتصوره أو نتطلع إليه.

«العدالة الصارمة» ليست مجرد صفة أخلاقية لابد أن يتحلي بها القائمون علي القضاء، رغم أهمية هذا العنصر الأخلاقي في انتظام وكفاءة أي منظومة قضائية، وإلا صارت هيكلاً مفرغ المضمون، كما لا تتحقق بمجرد إضافة عنصر استقلال القضاء، إلي مركزية طهارة القضاة ونزاهتهم، فصرامة العدالة تتحقق بدقة الالتزام بمجموعة قوانين محددة ومعلنة للكافة، ولا خلاف عليها من حيث النص أو المفهوم، وأي تعديل أو إضافة لها محكوم بقواعد قانونية ودستورية بوابتها المجلس التشريعي، والعنصر الأخير اللازم لتوفر صفة العدالة في القوانين والأحكام المترتبة عليها، أن تكون القوانين مناسبة لواقع الحال، بمعني الصلاحية والكفاية لتنظيم حياة وأنشطة المجتمع الذي يعتمدها ويعتمد عليها، وبهذا يكون لدينا أربعة أعمدة تقوم عليها «العدالة الصارمة»: حياد ونزاهة القاضي - استقلالية القضاء- تحدد نصوص ومفاهيم القوانين- مناسبة القوانين لواقع الحال.

نزعم أن التغيرات التي حدثت في مصر في الثلاثة عقود المنصرمة سياسياً وثقافياً نتيجة تديين المجتمع، ليصبح الدين هو النافذة الوحيدة للنظر إلي سائر أمور وأنشطة الحياة، قد أخلت خللاً جسيماً بظروف أو بشروط تحقق ما نتصوره «عدالة صارمة» ما نري نتائجه ومظاهره الآن في أحكام متعارضة متضاربة، وزيادة يرصدها المراقب العادي في معدل إلغاء أحكام درجات التقاضي الأدني بواسطة الدرجات الأعلي للتقاضي، بما يبدو تضارباً بين وجهات نظر الهيئة القضائية في تقييم الأمور، بما يسقط عن العدالة مفهومها، الذي بمقتضاه توقع العقوبة علي الفرد العادل لتجاوزه ما يفترض فيه العلم به، وما لا يقبل منه ادعاء جهله، فكيف يمكن معاقبة فرد عادي علي تجاوزه لحدود، يختلف فيها فقهاء القانون اختلافاً جذرياً؟!

لا نهدف من هذه المداخلة التعرض لما يبدو «إشكالية العدالة في مصر» من جميع جوانبها، فقط نريد بتلك السطور أن ندفع المجتمع وأهل الاختصاص لفتح النقاش، عما ترتب علي تصاعد تأثير تيار التأسلم السياسي، ورواج مقولاته عن أن الإسلام دين ودولة، وعن الحكم بالشريعة الإسلامية، وما أدخله السادات في الدستور، ما جعل الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، فهنا اختلطت السياسة بالدين بالقضاء، حدث الخلط والاختلاط ليس فقط علي مستوي الفكر والثقافة السائدة، لكن أيضاً علي مستوي شخوص القائمين بالقضاء، والذين ننسب إليهم أو نتوقع منهم حياداً أشبه بالحياة داخل أبراج عاجية، ليحكموا بالقانون وحده، دون تدخل أي عناصر أخري، فحين يدخل الدين في القضاء، فإن طلب الحياد من القاضي لا يصبح فقط مستحيلاً، بل نكون قد حذفنا نهج الحياد من أساسه، فتدخل مفاهيم القاضي الدينية هنا سيكون شرعياً وقانونياً، وليس تجاوزاً لمقتضيات الواجب المهني، ويلاحظ هنا أنه رغم أن البعض يفسر المادة الثانية من الدستور، بنصها علي الشريعة الإسلامية كمصدر رئيسي للتشريع، علي أنها تخص المشرعين في مجلس الشعب، ليستنوا منها القوانين، ولا تخص القضاة الذين يحكمون بالقانون، وليس مباشرة من مصدر التشريع، إلا أن تفسيرات واجتهادات وممارسات آخرين تأخذ بجواز استناد القاضي في حكمه للشريعة مباشرة، هذا عن العمود الأول الذي تستند إليه «العدالة الصارمة»، وهو عمود حياد القاضي.

العمود الثاني وهو استقلال القضاء نتناوله في هذه السطور من وجهة واحدة، هي مايترتب علي الخلط بين الدين والقضاء، فالدين الذي هو إيمان أفراد وأمة له في مصر مؤسساته الرسمية، بمجالس البحوث ودار الإفتاء علاوة علي الاجتهادات المشروعة للأفراد المؤهلين لذلك، والذين تكتسب رؤاهم حجة شرعية، وتؤثر جذرياً في رؤي وقناعات الجماهير، لنصل لنتيجة حتمية، هي التخلي عن مفهوم استقلال القضاء.

نأتي إلي العمود الثالث «للعدالة الصارمة»، وهو وجود قوانين محددة ومعروفة، محددة للقاضي ليحكم بها، ومعروفة للجمهور لكي لا يتجاوزها، فيقع تحت طائلة القانون وعقوباته، فالاختلاط بين السياسة والدين والقضاء يخرج بنا عن دائرة النصوص المحددة، إلي فضاء لا نهاية له، من النصوص التاريخية التراثية، والمفاهيم المتنوعة المتعارضة، لمختلف المفسرين والشراح والفقهاء القدامي والمحدثين، وهذا العدد الذي يستعصي علي الحصر يكاد لا يتفق علي أي أمر، اللهم القليل من الفرائض والعبادات وهو الوضع المقبول والطبيعي، طالما كنا في دائرة الإيمان، الذي يحاسب الله عليه الفرد يوم الحساب، وفق نيته وحدود علمه، أما إذا كنا أمام قضاة يصدرون أحكاماً دنيوية، ويقررون عقوبات فورية رادعة، فإننا نكون أمام إشكالية أقرب لأن تكون كارثة!!


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com