قيامة المسيح دعوة للتحرير

 

بقلم: القس/ رفعت فكري سعيد

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا مصر

يحتفل المصريون في هذه الأيام بعدة مناسبات سعيدة ومبهجة, منها الاحتفال بعيد القيامة المجيد, وعيد تحرير سيناء, وشم النسيم, والمتأمل في حياة السيد المسيح وتعاليمه وموته وقيامته يدرك أنه كان شخصاً فريداً متميزاً, ففي ولادته من العذراء مريم بطريقة معجزية بدون رجل كان فريداً, وفي تعاليمه السامية التي تضمنت محبة الجميع دون استثناء بما فيهم الأعداء والصلاة لأجل المسيئين والصفح عن المضطهدين كان راقياً ومتميزاً, وفي معجزاته المبهرات وآياته البينات من شفاء للمرضى وإقامة للموتى وإبراء للأكمه والأبرص كان فريداً وقديراً, لقد كان المسيح يجول في كل مكان صانعاً خيراً, فكم من دموع كفكف, وكم من جراح ضمد, وكم من قيود حطم, وكم من متعب أراح, لقد أحب الإنسانية إلى المنتهى, فقدم حياته بالكامل من أجلنا, تنازل ليرفعنا, جاع ليشبعنا, افتقر ليغنينا, بكى ليمسح دموعنا, فهل يمكن أن يكون الثرى هو نصيب هذه الحياة السامية؟!!

وهل يمكن أن يكون القبر هو النهاية لمثل هذه الحياة الراقية الرائعة؟!! وهل من المنطقي أن نبحث عن الحي بين الأموات؟!! وهل من المعقول أن ينتصر ملك الأهوال على ملك الملوك ورب الأرباب؟!! لم يكن من المنطقي أن ينتصر الموت على رب الحياة الذي قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة, وهيهات لقبضة الموت أن تمسك بمن قال عن نفسه أنا هو الحياة؟!! وهيهات لظلمة القبر أن تحجب من قال عن نفسه أنا هو نور العالم؟!! وهيهات للحجر الضخم أن يقف شامخاً أمام صخر الدهور, لقد قام المسيح وبقيامته انتصر الحق على الباطل, والخير على الشر, والحب على الكراهية, والسلام على الخصام.

وقيامة السيد المسيح هي دعوة للتحرير, فهو الذي قال (إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً).إنه جاء ليحرر الإنسان من خطاياه ومن تعصبه وجهله وعنصريته وكراهيته ورفضه لأخيه في الإنسانية, جاء المسيح ليعلن إنه لافرق في المسيح بين يهودي وأممي, لا فرق بين ذكر وأنثى, لا فرق بين عبد وحر, لا تفرقة بين إنسان وآخر على أساس اللون أو الدين أو الجنس أو العقيدة, وإذا كانت قيامة المسيح لتحريرنا وخلاصنا من الشرور والخطايا والآثام, لذا فليس من المنطقي أن يحتفل الكثيرون بقيامته وهم لايزالون موتى في قبور الخطايا والآثام!!

إن قيامته دعوة لنا لأن نتحرر من قبور الكسل والتراخي لنقوم ونعمل معاً بجد واجتهاد من أجل بناء بلدنا الحبيب مصر, فإذا كانت مصر استطاعت بحكمتها ودبلوماسيتها أن تحرر أرضها من الاحتلال والاغتصاب, فهي في مسيس الحاجة اليوم لأن تقوم بتحرير آخر لايقل أهمية عن تحرير الأرض , ألا وهو تحرير العقل, وإن كانت هناك عدة أمراض يحتاج العقل المصري لأن يتحرر منها إلا أنني هنا سأكتفي بذكر مرضين هما أُس الداء وسبب البلاء ألا وهما: التعصب والخرافة, وأعتقد أن العلاج من هذين المرضين سيترتب عليه علاج أمراض عديدة, فمما لا شك فيه أن هناك فريقاً من المصريين سيطر على عقولهم التعصب والظلامية, ومن ثم رفضوا كل آخر مغاير لهم سواء في الدين أو العقيدة أو المذهب أو الجنس, ومن المؤسف أن هذا الفريق الداعي للظلامية توغل في المؤسسات والنقابات المختلفة بما فيها نقابة الصحفيين وقد ظهر هذا جلياً عندما منع بعض الصحفيين الظلاميين عقد مؤتمر حقوقي يناهض التمييز الديني داخل مقر النقابة, ألا يؤكد هذا أننا في مسيس الحاجة إلى قيامة؟!!

ألسنا في حاجة ماسة وملحة إلى تحرير العقول والأذهان من الفكر الظلامي الرجعي المتخلف, فكر البداوة, فكر القرون الوسطى ومحاكم التفتيش!!. ولا يختلف اثنان على سيطرة الفكر الخرافي على عدد غير قليل من المصريين, ومن ثم نجد انتشاراً ملحوظاً للدجل والشعوذة, وانتشرت بكثرة فضائيات تفسير الأحلام, وفضائيات تغييب العقل, لقد غاب المنهج العلمي في التفكير عند الكثيرين باستثناء أقلية قليلة, ألسنا في حاجة إلى قيامة؟!! ألسنا في حاجة لأن نتحرر من عقلية الدجل وذهنية الخرافة؟!! إن العلاج من هذين المرضين التعصب والخرافة يحتاج إلي أن يتكاتف مثقفو مصر ومفكروها وعلماؤها ليقوموا بعملية التحرير التي قد تستقرق سنوات طوال, وهنا لا مجال للتباطؤ أو التسويف, فالوقت منذ الآن مقصر, ولا يجوز أبداً أن يقف العلماء والمثقفون موقف المتفرج أو المحايد, فالعقل المصري اليوم أصبح في أمس ما يكون إلى قيامة وتحرير من أي وقت مضى, ولعله من المناسب هنا أن أذكر كلمات دانتي ( إن أشد الأماكن حرارة في جهنم محجوز للذين يقفون على الحياد في أوقات الأزمات ).

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com