al masri alyom

 الأقلية القبطية حين تحمي الأغلبية

 بقلم  نبيل شرف الدين

«يا وابور يا أبوصفارة.. يخرب بيت النصاري»

لم يصدمني أن أستمع لعشرات الأطفال في إحدي قري الصعيد وهم يغنون بهذه الكلمات القبيحة، يوم الاحتفال بعيد القيامة، فهذه نتيجة طبيعية لأجواء «فرز طائفي»، لم يعد مجدياً تجاهلها وإنكارها، بل علينا الاعتراف بها، والتفكير جدياً في معالجتها بحكمة وحسم، لأن منطق التبرير والتعتيم لن يحل الأزمة، بل سيمنحها الفرصة لتتعاظم وتصل إلي نقطة اللاعودة.

ولعل الأكثر أهمية في ملف الطائفية الملغوم ليس الإقرار بحقوق شركائنا المسيحيين في العيش بسلام، وفي ظل مناخ غير معادٍ فحسب، بل يكمن أيضاً في أهمية الوجود القبطي للمجتمع المصري، لعدة أسباب أوجزها في التالي:

ـ التنوع الذي يحمي الأغلبية من الشطط، والانسياق وراء مزايدات التعصب الديني، فالوجود المسيحي يحول دون «طلبنة» الدولة، فلولا ذلك لخرج علينا من يدعو لغلق الفنادق، ودور اللهو البريء وفرض قيود عليها، تمتد لاحقاً إلي صناعة السياحة برمتها، ولعل نظرة علي بعض موظفي الفنادق وهم يتنافسون في إظهار «الزبيبة»، بينما الخدمة رديئة والأسعار مبالغ فيها، وهو حال آلاف المؤسسات في البلاد.

ـ تعزيز قيمة التسامح، التي لا يتصور وجودها في غير مناخ التنوع، فلا معني للتسامح مع المتشابهين بل مع المختلفين، لهذا فإن الوجود القبطي يعد مسألة جوهرية لأمن المجتمع وسلامه وتسامح أبنائه، كما يعزز قيمة الوطن باعتباره أساساً للعيش المشترك.

ـ ثمة مسألة أخري هي الهوية الوطنية فالأقباط «خميرة مصر»، والحرس الحديدي الذي لم يزل قابضاً علي هوية مصر التي تصنعها عدة طبقات متعاقبة، لا يمكن اختزالها في أحدث طبقة طافية علي السطح، وتجاهل بقية الطبقات الحضارية الأخري، منذ الحضارة الفرعونية مروراً بالقبطية حتي الإسلامية.

وهنا أجدني مضطراً للتأكيد علي أن الأقباط يمثلون «الإصدارة الأخيرة» من روح مصر، غير المشوشة بفعل الغزو الصحراوي الذي صدّر إلينا قيم البداوة بعد أن خلع عليها غطاء دينياً، تحولت معه العادات إلي عبادات، والشواهد علي الاختراق السلفي لا حصر لها.

إذن كيف نتصدي لحل تلك المشكلة عملياً؟، وبتقديري فإن المسألة ليست أمنية بالمرة، بل هي سياسية ـ اجتماعية ـ ثقافية بالأساس، وتبدأ بالتعليم والإعلام، فلا ينبغي التسامح أو التغافل عن المعلمين الذين يميزون ضد التلاميذ المسيحيين بعبارات وسلوكيات تنتشر في المدارس الحكومية، كما ينبغي أن تتقلص المساحة الصحفية والإعلامية الممنوحة لمشايخ التعصب، خاصة في الصحف القومية.

وعلينا أن ندرك أن التطرف ـ كالكفر ـ ملة واحدة، واستقطاب الناس لمنظومة قناعات متطرفة لا يبدأ عادة بالأمور الكبيرة، بل بأمور تبدو للوهلة الأولي تافهة، وأحياناً تدخل تحت بند اللغو، كتلك القصص السخيفة التي دأبت «رابطة صناع الكراهية» من مشايخ الفضائيات علي إثارتها أخيراً، كان آخرها ذلك اللغط السمج عن إباحة الاحتفال بشم النسيم، ومشاركة النصاري فرحتهم بأعيادهم.

وأخيراً أتصور أن تتصدي مجموعة بحثية رصينة Think tank لوضع منظومة لمعايير «التمييز الإيجابي»، لحماية وتشجيع الأقباط والنساء علي العمل العام وكل أنشطة المجتمع، فالمرأة والآخر من أهم مقاييس تحضر المجتمعات في عصرنا، لأننا جزء من هذا العالم، وعلينا الاتساق مع منظومته التي تقتضي احترام ثلاثية «حقوق الإنسان والأقليات والمرأة»، والكف عن تبرير التجاوزات بنظريات المؤامرة، والتمترس خلف العبارات الإنشائية الفارغة من طراز «حماية خصوصيتنا»، وما يطلق عليه كتبة البلاط «التدخل في شؤوننا الداخلية»، لأن هذه الأيقونات الكونية لم تعد شؤونا داخلية، بل معايير إنسانية لمدي احترامنا لأنفسنا، واحترام العالم لنا.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com