محبة الأعداء

بقلم منير بشاى – لوس أنجلوس

 

          "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم"متى 5 : 43 – 45

كان الموضوع عن المحبة. وتكلم رجل الله وأفاض. ذكر أن الإنسان المؤمن عندما يسمو روحيا وتصبح له علاقة حب بالله...تنمو هذه العلاقة وتتحول إلى علاقة محبة رومانسية مع الله، وتمضى الساعات والإنسان يناجى ربه دون أن يحس بالوقت. ثم تطّرق الحديث بعد ذلك إلى أن الإنسان المؤمن يجب أن تكون له نفس علاقة المحبة هذه مع الأخرين.

          كانت الرسالة حلوة ممتعة. وأعتقد أن معظم السامعين أخذوا هذاالكلام على أنه مستوى عال من الروحانية نتلذذ بسماعه ونحاول تطبيقه إذا إستطعنا. ولكن يبدو أن إحدى الشابات أخذت الموضوع بأكثر جدية. وفى نهاية الحديث وقفت لتسأل الواعظ قالت إنها تفهم ما هو مطلوب منها بخصوص محبة الأخرين، ولكنها تجد صعوبة فى أن تحب أخاها فهو يضربها ويشتمها ويسىء إليها. فكيف تجد فى نفسها المقدرة على أن تحبه؟ بعدها بكت وكانت مستمرة فى البكاء حتى بعد نهاية الإجتماع.

       دفعنى هذا إلى التفكير أنه ربما تكون المشكلة أننا كخدام أحيانا – عن غير قصد منا – نرسم للناس صورة للقيم المسيحية بطريقة قد تكون أكثر مثالية، وأصعب فى إمكانية التطبيق عن ما قصده الوحى الإلهى منا. 

          هل قصد الله أن أحب الناس الأشرار والمجرمين بنفس المحبة الرومانسية التى بها أحب الله؟ أو حتى بنفس الحب الذى أظهره لشخص حبيب على قلبى؟ وهل أستطيع أن أظهر مشاعر المحبة هذه تجاه إنسان قاتل مثل بن لادن؟

          أنواع متعددة من الحب

          أعتقد أن جانبا كبيرا من الحيرة ناتج عن عدم الإلمام بالأبعاد المختلفة لكلمة "محبة" كما جاءت فى الكتاب المقدس وبالتالى وسائل التعبير المتعددة التى تناسب كل معنى.

          هناك أربعة كلمات فى اللغة اليونانية للكلمة المترجمة فى العربية "حب أو محبة"

1-   إيروز Eros (الحب الجنسى)

وهو الحب بين الفتى والفتاة وبين الزوج والزوجة، وهو ما نقرأه فى الروايات ونشاهده فى الأفلام.

2-   سترجو Stergo (الحب الأبوى)

وهو حب الأب والأم لأولادهم والعكس.

3-   فيلو Philo (الحب الاخوى)

وهو الحب العام لأى شخص يستحق الحب.

4-   أجابى Agape (الحب الإلهى)

وهو الحب لمن لا يستحقون الحب.

أساليب متعددة للتعبير عن الحب

الثلاثة الأنواع الأولى من الحب سهلة التطبيق وتتم تلقائيا دون مجهود.

● الفتى والفتاة فى فترةالحب والخطوبة يحبون بعضهم ولا يرغبون فىمفارقة الواحد للآخر. ويقضون الساعات فى الكلام دون إحساس بالوقت.

● والأم والأب يحبون أبنائهم ويعتبرونهم فلذة أكبادهم. فإذا حزنوا يحزنوا لحزنهم وإذا فرحوا يفرحوا لفرحهم. وإذا مرضوا يقضون بجانب فراشهم الأيام والليالى.

● والإنسان عادة يحب من يستحق الحب. يحب من له الخلق الحميد والشكل الجميل والطباع الدمثة. من نجد راحة فى الكلام معهم ونثق فى معاملتهم ونتلذذ من معاشرتهم.

● ولكن الصعوبة فى النوع الأخير: كيف أستطيع أن أحب من لا يستحقون الحب؟ كيف أحب الأشرار والمجرمين؟ كيف أحب من يكرهنى ويسعى لإيذائى؟ كيف أحب شخصا مثل بن لادن؟

الحب بين العاطفة والسلوك

          لاحظ أنه فى الثلاثة أنواع الأولى من الحب فإن عاطفة الحب تأتى تلقائية كشىء غريزى. والحب فى هذه الحالات يظهر من جميع الناس وهو ليس مقياسا للتقوى أو المستوى الروحى المرتفع.

          أما النوع الأخير من المحبة Agape فمثاله محبة الله للبشر الخطاة. والأساس فى هذا الحب ليس العاطفة ولكن السلوك. فكيف يستطيع الإنسان أن يبادل شرير مشاعر الحب والود؟ طبعا لا يستطيع بل وليس مطلوبا منا أن نحبهم عاطفيا.

          بل إن الله نفسه الذى هو مثال هذا الحب لم يجد فى الأشرار مايستحق أن يبادلهم مشاعر الحب. يقول كاتب المزمور "لأنك أنت لست إلها يسر بالشر. لا يساكنك الشرير...أبغضت كل فاعلى الإثم. تهلك المتكبرين بالكذب رجل الدماء والغش يكرهه الرب" مزمور 5 : 4 – 6

          ولكن عندما تذكر المحبة الإلهية Agape فإنها دائما ترتبط بعمل إرادى وسلوكى (وليس عاطفى) يعبر عن الحب "هكذا أحب الله العالم حتى بذل إبنه الوحيد........" يوحنا 3 : 16 "هذه هى المحبة ليس أننا نحن أحببنا الله بل أنه هو أحبنا وأرسل إبنه كفارة لخطايانا" 1 يوحنا 4 : 10

هذه المحبة الإلهية قد ظهرت عندما أرسل الله إبنه ليموت نيابة عنا ويفدينا من خطايانا ويعطينا حياة أبدية. لقد ظهرت بأعمال المحبة وليست بالعاطفة.

وأيضا عندما نظهر هذه المحبة نحو الآخرين لابد أن نظهرها أيضا بالعمل والسلوك "المحبة تتأنى وترفق. المحبة لاتحسد المحبة لاتتفاخر ولاتنتفخ ولاتقبح...وتحتمل كل شىء وتصدق كل شىء وترجو كل شىء وتصبر على كل شىء .. المحبة لا تسقط أبدا" 1 كورنثوس 13 : 4 -8

فإذا وجدت بن لادن يقع بين يدك فى يوم من الأيام ...فلا تنزعج إذا وجدت نفسك غير قادر على أن تبادله مشاعر الحب. كل ما يمكنك أن تعمله معه كمسيحى محب أن تقدم له الطعام وتضمد جراحاته وتكسو عريه... وبعد ذلك أن تقدمه للسلطات حتى تأخذ العدالة مجراها معه بالنسبة للجرائم التى إرتكبها. إن إلتماس العدالة والمحبة لا يناقض الواحد الآخر.

وأما بالنسبة للفتاة التى إعتاد أخوها أن يضربها ويشتمها ويسىء إليها فمن الطبيعى أن لا تقدر أن تبادله مشاعر الود. ولكن كفتاة مسيحية عليها أن تطلب نعمة من الله حتى لا ترد الإساءة بالإساءة. ولكن هذا لا ينفى أن تحاول وقف إعتداءاته بكل الوسائل المتاحة بما فى ذالك الدفاع المشروع عن النفس، أو محاولة توسيط الأقارباء، أو حتى إتخاذ الإجراءات القانونية ضده اذا لزم الامر

فبينما نسعى لأظهار محبتنا للآخرين لا ينبغى أن يصل بنا الأمر إلى الإعتقاد أن محبة الآخرين تتطلب منا أن نكره أنفسنا بان نصبح فريسة لأعمالهم الشريرة. فلا أعتقد أن الله يريدنا أن نكون ضحية لكل شرير آثم

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com