هل تلجأ السلطات إلى لعبتها التقليدية في أبو فانا؟

بقلم منير بشاى/ لوس أنجلوس

مهما كان رأينا في السلطات الأمنية (أو اللا أمنية) المصرية فإن الأمانة تقتضي منّا أن نعترف بعبقريتهم الخارقة للطبيعة. هذه المقدرة تمكنهم من حل جميع المشاكل دون أن يحركوا إصبعاً. وليس المهم في ذلك ردع المعتدي أو حماية المعتدىَ عليه أو علاج النزاع حتى لا يتكرر في المستقبل،  ولكن الهدف هو التخلص من المشاكل بشطبها من حيز الوجود ثم دفن الرؤوس في الرمال والإدعاء أن كل شيء تمام التمام وليس في الإمكان أبدع مما كان.

لتحقيق هذه الأهداف بطريقة شبه سحرية فإن السلطات المصرية تمتلك عدة وسائل في جعبتها (وياما في الجراب يا حاوي) منها عدم الاعتراف بأن هنا ك اعتداء حدث من جاني على مجني عليه (حاشا لله أن يحدث هذا في مصر) فبدلاً من ذلك يتم استعمال الكليشية: نزاع بين طرفين (أو خناقة) يتساوى الطرفان في تحمل مسئوليتها. ولا مانع أن تذكر التفاصيل أن الطرفان قد استعملا السلاح ضد بعضهم وأن الخسائر في الأرواح والإصابات مشتركة.

ثم بعد ذلك تأتى سيمفونية اللعب على أوتار النوايا الطيبة والوطنية والمواطنة وكيف أننا جميعاً نسيج واحد ونحب بعضنا (موت) وأن هناك عناصر غريبة تصطاد في الماء العكر وتهدد الوحدة الوطنية من ورائها أصابع صهيونية أو أمريكية إمبريالية (ولا مانع أن يقحم أقباط المهجر في هذا). ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الضغط لضرورة عمل صلح عرفي مع استخدام التهديد المقنع الذي يضع المجني عليه أمام الأمر الواقع فيجد أنه لا خيار له سوى أن يقبل الشروط التي تملي عليه حتى ينهى هذه الأزمة بينما ينتظر في رعب متى تأتي عليه الضربة القادمة.

بالإضافة إلى كل هذه الأساليب فإن هناك لعبة أخرى تستخدمها السلطات ببراعة إذا لم تأتي الأساليب السالفة بالنتائج المرجوة. هذه اللعبة ثبت نجاحها في كل مرة استخدمت فيها وهي أن السلطات توزع التهم على الطرفين ثم تقبض على أفراد من الجانبين الجاني والمجني عليه. هذا مع أن الطرف المجني عليه لم يرتكب ذنباً وبدلاً من إنصافه والوقوف بجانبه والاقتصاص له من الجناة يجد نفسه معرضاً هو للقصاص. قد يكون من هؤلاء المقبوض عليهم رجال يعولون أسرهم أو طلبة يمكن أن تضيع عليهم فرصة الدراسة أو الامتحانات وإذا حكم عليهم يمكن أن يضيع مستقبلهم بالكامل. وبقدرة قادر تتحول القضية من المطالبة بالاقتصاص من المعتدي إلى المطالبة بالإفراج عن المحتجزين. وبعد فترة من الألم والحزن والمرارة تخرج علينا السلطات بقلوبهم الرحيمة وقراراتهم العادلة ووطنيتهم الصادقة ليعلنوا القرار الذي يجب أن يهلل له الجميع أنه قد تقرر العفو عن الجميع (دون محاباة) وإطلاق سراح الطرفين (دون تمييز) وتنسي القضية الأصلية وتضيع الحقوق. ويخرج الجاني حراً طليقا دون رادع ليدبر خطة اعتدائه الجديد.

يحدث هذا في حادث اعتداء على دير حيث هجم مسلحون قيل أن عددهم يصل إلى نحو سبعين رجلاً ضد أفراد قلائل من الرهبان المسالمين الذين لا يحملون سلاحاً سوى الصلاة والصليب. فيقوم هذا الجيش المغوار بغزوته الشهيرة على دير أبو فانا وتصوب ضدهم وابلاً من النيران فيصيبون ما يصيبون ويدمرون ما يدمرون ويحرقون من الكنائس ما يحرقون ثم بعد الانتصار الراتع ينسحبون ومعهم الغنائم والسبايا الذين بعد ذلك تعرضوا للتعذيب والإهانة وتكسير العظام. ولم تنقذ ما تبقى في حياتهم سوى مساومة من السلطات مع هؤلاء المجرمين لإطلاق سراحهم وهم بين الحياة والموت. وحتى الآن لا نعرف ماذا وعدت السلطات المجرمين حتى تحصل منهم على الموافقة بإطلاق سراح الأسري.

ومع ذلك فإن هناك واحد من الأسرى ما يزال في قبضة هؤلاء الجناة وهو المقاول رفعت فوزي الذي بدلاً من إطلاق سراحه تم القبض علي أخيه إبراهيم فوزي ومحاولة إلصاق اتهام بالاثنين لقتل رجل مسلم اسمه خليل إبراهيم محمد. هذا رغم التأكد أن الرجلان لم يكن لهما أي دور ولا يحملان أي سلاح ولا يوجد طبعاً في الدير أي نوع من الأسلحة وكان الهجوم كله من جانب واحد. ولابد أن الرجل المسلم قد قتل (بنيران صديقه) إما عن طريق القتل الخطأ من زملائه أو لتصفية حسابات مع بعضهم البعض أو ربما مات بعيداً عن مسرح الحوادث.

وسوف نراقب الأحداث لنرى ما ستسفر عنه القضية: هل سيستخدم الجناة ومعهم رجال السلطة هذين البريئين كوسيلة للمساومة يتم بها إعفاء الجميع من المسئولية والتخلص من القضية الأصلية وكأن شيئاً لم يحدث؟ أم ربما يكون هناك ما هو أسوأ وهو إدانة الطرف المسيحي وبراءة المعتدين على دير أبو فانا؟

هل الرهبان الذين اعتزلوا هذه الحياة طلباً للسكينة والصلاة، هل تستطيع السلطات أن تضمن لهؤلاء أن يعيشوا في سلام وأمان دون إرهاب وترويع؟

إلى أين يذهب الرهبان المتبتلون من ملاحقة هؤلاء المجرمين لهم بعد أن تركوا الحياة بما فيها ولجأوا إلى الصحراء؟

هل المطلوب منهم أن يذهبوا إلى المريخ؟


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com