يا جُحا مِش هَنَام معاك

 بقلم: شفيق بطرس
في الأحد الأخير من مايو من كل عام يحتفل العم سام وأبنائه في أمريكا الشمالية وكل دول العالم المتواجدون فيها بعيد الشهداء، ويذهب أصحاب وأهل وجيران الشهداء للمقابر ويضعون باقات الورود الجميلة فوقها لتعبر عن عرفانهم ومحبتهم، وأنهم كأحياء لم ولن ينسوا التضحية الكبيرة التي ضحاها الشهيد حتى قدم روحه وسفك دمائه في سبيل رفعة علم بلاده ونصرة الحق أيما كان هذا الشهيد من جنسيات مختلفة أو من بلاد بعيدة وهاجر إلى أمريكا أبواه أو جدوده وهو قد وُلد على أراضيها وتمتع بخيراتها وتظلل بسمائها وانضم لجيشها،

 فهو يجب عليه الولاء كل الولاء لجيش وعلم بلاده الجديدة أمريكا، وهذا لا فصال فيه ولا مناقشة. ومعروف أن مقابر أمريكا بوجه عام ومقابر الشهداء بوجه خاص من أجمل الحدائق ومن أجمل المناطق المُحاطة بالأشجار المتناسقة، والزهور الفائقة الجمال، والبحيرات الطبيعية والصناعية والنافورات المحاطة بالتماثيل المُعبرة عن معاني الوفاء والتضحية وحب الوطن، ولعلم من لم يعرف أن دخول الجيش الأمريكي بنظام التطوع وليس النظام الإجبارى، فلم يجبر أي شخص أي متطوع أن يدخل الجيش أو يخدم في أي مؤسسة عسكرية ولذا أعجب كل العجب بمن يلوم المسلم الأمريكي ويتهمه بأنه شارك في المذابح وسمح لنفسه أن يقتل إخوانه في الإسلام كما يعتقد، بل يلومه حين يستشهد ويُدفن وسط الكفرة والمشركين، هذا ما فهمته بالمصادفة وأنا أتابع أخبار احتفالات عيد الشهداء في بلدي أمريكا. ولا يمنع أن أقول إنني مصري حتى النخاع، وحبي لمصر يسري في عروقي وشراييني ولكني أمريكي ووفي كل الوفاء إلى بلادي الأمريكية وأراضيها وحدودها وعلمها لأنها بلدي وبلد أولادي وأحفادي ولأجيال طويلة قادمة، وهذا أبسط ما أقدمه من عرفان بالجميل لكل ما قدمته لنا أمريكا من حرية ورخاء وسعادة وإحساس بالآدمية والتقدير كإنسان في أي مكان له كل الحقوق وعليه ما عليه من واجبات.

بالمصادفة قرأت هذه الكلمات لأحد الكُتاب العرب الأمريكان من دكاترة العالم المتخلف وما زال يعيش في عباية وجلباب وشبشب جدوده، وما زالت عقليته متجمدة متحجرة ولكن لكل إنسان الحرية فيما يعتقد وفيما يختار من يكون له ولاؤه وحبه ولم يجبر أحد المسلم الأمريكي بالحضور لأمريكا والتأمرك مثلنا، ومليون مرة نصرح ونقول نحن وكذلك المعتدلون من المثقفين والواعين المسلمين الأمريكان، يا جماعة ما حدش ضربكم على أياديكم مش عجباكم بلاد الكفر والزندقة عايشيين فيها ليه؟ اتفضلوا ارحلوا إلى بلاد الإيمان والحرية والبركة والتي تطبقون فيها شرعكم أو شرع الله كما تقولون، يقول الباشا الدكتور الأمريكي المسلم أنه نهر حفيده الذي هو أمريكي المولد والجنسية لأنه أراد أن يحتفل بعيد الشهداء كباقي الأمريكان، وكانت هذه هي بعض ردوده بل بعض الحقن السامة التي حقن بها حفيده ليوجهه على أيديولوجياته ومعتقداته، ويؤنبه على كل ما فكر فيه من ولاء لبلاده الجديدة، وهذه هي بعض كلمات سيادته:

 قالوا إن مصلحة الجماعة الإسلامية في أمريكا فوق كل المصالح، فلا بأس أن يشارك المسلم الأمريكي في هذه المذابح، بل قد يقترب الأمر التكليفي من الندب إلى الوجوب، ولا حرج البتة في الأمر ولا حاجة لك أن تتوب، فالفعل مباحٌ بل أمرٌ واجب، إذا خشيت أن يختل ولاؤك لبلد الكفر المحارب. وإن أنت أيها الجندي المسلم قُتلت في سبيل السلام والحريات، فتلك درجة الشهادة التي نلتها أعلى الدرجات، فاذهب وقاتل مع أصحاب الأخدود، قاتل إخوانك المسلمين فإنهم العدو اللدود.
وباركت أمريكا بالطبع هذه الإفتاء، وكافأت المسلمين في أمريكا بعيد الشهداء، فاذهب يا حفيدي وضع أكاليل الزهور، اذهب وضعها ولا تسل عمن في القبور؛ هم شهداء وإن كان اسمهم جون ومايكل ومونيكا، كيف لا وقد قُتلوا في سبيل أمريكا؟!

أما أنا فذاهبٌ لأبحث عن قبور المسلمين، الذين قُتلوا وهم لله وحده موالون، فإني قد مزقت الألوان الحمراء والبيضاء والزرقاء، ولقد كفرت بمن مات في سبيلها هؤلاء، وأعلنتها لله وحده عقيدة الولاء والبراء، نعم لقد كفرت بها ولن أقبل عن الإسلام بدل، ومهما قال الناس ورددوا: اعلُ هُبل، فإني قائلٌ أبداً: الله أعز وأجل.

طبعاً وبكل تأكيد نحن لسنا ضد الإسلام ولا المسلمين ولكننا ضد التعصب الأعمى وضد كل من يخون بلاده ويكرهها ويكون ولاءه للآخرين وليس لمن قدم له الحرية والخير والرفاهية التي لا يستطيع حتى أن يتجرأ بأن يحلم بها أقرانه وأبناء بلده في العالم العربي، والدليل بأن الأمريكان المعتدلون من مسلمين أمريكا يعيشون في كل سعادة ولا يشعر أي منهم بالغربة أو الامتعاض من مجتمعه الجديد. ولنا من الأصدقاء بالمئات بل الآلاف من هؤلاء المتفتحين، وأقول طالما قبلنا وطناً جديداً نعيش فيه ونتكاثر ونتوالد ويكون لنا أولاداً وأحفاداً، فعلى أقل تقدير يجب أن يكون لهذا الوطن كل الحب والتقدير والولاء، وكما قالت ستي فريدة -رحمها الله- من ضمن أمثالها الجميلة المُعبرة أقولها لهؤلاء الناقمين والحاقدين على أمريكا والأمريكان: "قال جُحا مش هنام معاك، قالوا له تريحنا من قرفك وبَلاك" أو كما سمعتوها والمهم في المعنى.


شفيق بطرس


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com