al masri alyom 

طائفيون .. ومتآمرون

بقلم  نبيل شرف الدين    ٢٤/٦/٢٠٠٨

في كل حادث له ظلال طائفية، يهتف مسؤولو الحكومة آناء الليل وأطراف النهار، بأن مصر مستهدفة من الخارج، وحين تقع مصائب كمذبحة الزيتون وأحداث دير «أبوفانا»، وأخيراً حرق ممتلكات المسيحيين في الفيوم وغيرها، يبادر سدنة النظام وغلمانه إلي اختزال الأمر في نفي تهمة الطائفية، متصورين بذلك أنهم غسلوا أياديهم منه، وهكذا يتحول إلي مجرد حادث جنائي عادي، وسيؤكدون بالطبع أنه موضع الاهتمام، لكن هناك بالطبع ما هو أهم، كتأمين مواكب المسؤولين وملاحقة الصحفيين والمعارضين ودعم الأنجال في امتحانات الثانوية.

وبدلاً من التوقف مع هذه الأحداث الطائفية المتواترة باطراد خلال الأعوام الأخيرة، يطلق كتبة البلاط نظريات المؤامرة، ويلحن «تليفزيون الريادة» المواويل التي تتغني بوحدة النسيج الوطني، ويستضيف الاستراتيجيين من أبواق الاستبداد و«نصاري الحكومة»، ليؤكدوا أن الأقباط أسعد أقلية في العالم، إذ يمتلكون ثلث ثروة مصر، ووصلوا لأرفع المناصب، كما تظهر أعراض الوطنية المتأخرة علي بعض الفاسدين والانتهازيين فيحذرون من تشويه صورة مصر، دون التساؤل عمن يشوه الأصل.

أما المثير في الأمر فهو ذلك الاتفاق النادر في تلك المواقف بين الحكومات المصرية المتعاقبة، والمعارضة علي اختلاف مشاربها، والجماعات المسموحة والمحظورة، علي الترويج لنظريات المؤامرة، والمؤسف أنهم يفلحون دائماً في إقناع البسطاء بصحة تلك المؤامرات، ولعل السبب هو أن للجميع «مصلحة ما» في شيوع مثل هذه النظريات السخيفة.

فالجماهير ينبغي أن تظل مغيبة الوعي، وأن تدمن فكرة المؤامرة، وتتكئ عليها، لأنها تؤدي في حياتهم عدة وظائف، فهي مثلاً تعفيهم من مواجهة مشكلاتهم ومحاولة حلها، ماداموا ضحايا لتلك المؤامرات الخرافية.

وفضلاً عن ذلك، فإن تبني نظريات المؤامرة من شأنه أن يعوّض الشعوب التي تنتهك آدميتها يومياً بفعل العوز والاستبداد، فتمنحها إحساساً زائفاً بالأهمية، فهم وحدهم وليس سواهم من أمم العالم، من تستهدفهم تلك المؤامرات التي يبدو أن الغرب والشرق وإسرائيل لا همّ لهم سواها.

ثم إن هذا الاعتقاد القاطع بوجود سلسلة من المؤامرات الكونية التي يحيكها العالم ضدنا من شأنه دغدغة مشاعر الجماهير، وتحقيق سعادة لا تباريها متعة أخري، فكل شيء لدينا علي ما يرام، والخطأ كله يكمن في الغرب الشرير المتآمر.

وبالطبع أضمن لكل من يدندن بهذا اللحن في أي مؤتمر أو حوار تليفزيوني أو حتي مناقشة علي مقهي، أن يقابل بعاصفة من التصفيق وهتاف جماهير كرة القدم، بينما من يحاول أن يوقظ في القوم روح المسؤولية، ويأخذ بيدهم بعيداً عن خدر «المؤامرة الموهومة»، سيثير لديهم شعوراً بالذنب والغضب الذي تتفاوت طريقة التعبير عنه من السباب إلي الاغتيال.

ويبدو أن هذا السلوك يريح نخبنا وشعوبنا، منذ ذلك اللغو الذي أثاره الاستراتيجيون عن هوية المتورطين في تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر، حين راحوا يتبنون نظريات خرافية حول الحدث، وهو الأمر الذي تابعه العالم كله، وبات ينظر لنا باستخفاف لا يخلو من السخرية الممزوجة بالشفقة، حيال شيوع «نظريات المؤامرة» التي تجتاح العقل العربي وتروج لأفكار تشبه الهذيان، فهجمات سبتمبر وتفجيرات نيروبي ودار السلام وبالي وتركيا وإسبانيا وجربا والدار البيضاء والسعودية وصولاً إلي سيناء، وما سيحدث في المستقبل، هي كلها من مخططات جهازي «CIA والموساد»، اللّذين يبدو أنهما تفرغا لقتل الأمريكيين والإسرائيليين والأوروبيين، لا لشيء إلا لاتهام العرب، لتشويه سمعتهم «المصون» بين أمم الأرض.

وأخيراً أدرك جيداً، أنني أنادي بوادٍ غير ذي أمل، فمروجو نظريات المؤامرة حالة ذهنية مزمنة، يصعب التعامل معها بالمنطق، كونهم يعتقدون أنهم وحدهم الأذكياء، وأن بوسعهم حصرياً اكتشاف الألغاز العصّية علي مدارك غيرهم، سواء كانوا من الأمم الأخري أو حتي أجهزة الاستخبارات الدولية.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com