جريدة البديل

مصر التي غابت

تدويل القضية

كريمة كمال

الملاحظ أن فكرة تدويل أي قضية باتت تحدث حالة من الابتزاز في الداخل.. لذا فإننا نجد أن القضاة مثلا في قمة أزمتهم مع النظام ترددوا في مسألة تدويل قضيتهم عندما حدثت محاولة من جانب «هيومان رايتس ووتش» في هذا الاتجاه.. ربما لأنهم كانوا يدركون أن الأصوات ستخرج  تنبح عليهم في اتجاه استعداء الخارج علي مصر.. وإذا كان هذا قد حدث مع القضاة فإنه يحدث دائما من جانب النظام المصري مع منظمات حقوق الإنسان في الداخل عندما تساهم في أي تقرير في الخارج يدين التجاوزات الخاصة بحقوق الإنسان في الداخل.

 ونذكر هنا موقف مصر من تقرير البرلمان الأوروبي ثم موقفها من تقرير منظمة العمل الدولية.. إنه الموقف الثابت الذي يصور أن التدخل الخارجي مرفوض.. وهو موقف يحاول استغلال مشاعر الداخل التي تختزن في ذاكرتها علاقة ماضية مع الاستعمار وعلاقة حالية مع ما يجري في العراق وفلسطين ويخلط ما بين التدخل كاحتلال والتدويل كصيغة لمواجهة تجاوزات الداخل، وهي صيغة عرفها العالم منذ إنشاء الأمم المتحدة مرورا بتطور مفهوم المجتمع الدولي وانتهاء بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية..

 لكن النظام المصري يجيد ابتزاز الداخل إذا ما لجأ إلي التدويل وقمة هذا الابتزاز تحدث فيما يخص قضية حقوق الأقباط في مصر.. من هنا ظهر اصطلاح «أقباط المهجر» لإدانة أي محاولة يقوم بها هؤلاء لتدويل قضية الأقباط.. ورغم أنني كنت دائما من أنصار أن الملف القبطي معني به أولا أقباط الداخل قبل أقباط الخارج من باب ألا يركن الأقباط في الداخل إلي السلبية تاركين التصرف لأقباط الخارج.. لكن يبقي أن دور أقباط الخارج هو المساهمة بتدويل القضية لحلها. لكن هذا التدويل يظل يخضع للابتزاز من الحكومة والنظام المصري وكل من يتحدث باسمهما من باب أن الأقباط يستعدون الخارج علي مصر رغم أن قضايا حقوق الإنسان والحريات في العالم كله تجد لها تعزيزا من تدويلها.. لكن ها هي المظاهرات القبطية تخرج في هولندا وفرنسا واليونان والكنيسة تهرع لتؤكد أنها ليس لها أي علاقة بهذه المظاهرات وكأنها تنفي تهما..

ثم يتقدم سيناتور إلي الكونجرس بمشروع قرار لإدانة مصر بسبب انتهاك حقوق الإنسان والأقليات في مصر فيسارع المجلس الملي العام ليؤكد أن الكنيسة المصرية وأقباط مصر يرفضون أن يتحدث شخص في الخارج باسمهم، مشيرين إلي مشاركة منظمات قبطية في الخارج وممثلين عن الأقليات الدينية وحقوق الإنسان بمصر في صياغة مشروع القرار، مؤكدين رفضهم أن يتاجر بقضيتهم أحد!! المشكلة أن الدولة قد جعلت من التدويل استعداء والضغط الخارجي متاجرة، بينما هدف التدويل هو حل القضية بدلا من تركها تتفاقم ما بين نظام يجمل ويزيف ما يحدث وأقلية تخضع للابتزاز.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com