المواطنة بين النص والتفعيل

 بقلم كمال زاخر موسى

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
 

لو قدر لى أن اختار عنواناً بديلاً للمؤتمر الثالث للعلمانيين والذى عقد قبل نحو اسبوع لاخترت "المواطنة بين النص والتفعيل" فقد جاءت جلساته ـ أطروحات ومداخلات ـ لتؤكد هذا العنوان ، ولم تكن الكلمات والمشاركات نمطية أو تقليدية ، بل جاءت تحمل حيوية طالما دعونا إليهما ، وبينهما لم نعدم اصواتاً تطرح رؤى متطرفة متربصة بالأخر من هنا وهناك ، جاءت متحفزة تحمل بعضاً من جرائد وقصاصات تؤكد توجههم ، لكنهم فوجئوا بكم المصارحة والموضوعية التى خيمت على أجواء المؤتمر ، وفى اعتقادى أن نجوماً أربعة قد نجح المؤتمر فى تقديمهم بشكل أوضح للرأى العام وللميديا الإعلامية ،

فلكل منهم مساهماته الفكرية الإعلامية قبلاً ، كان كل منهم يملك القدرة على طرح الجديد والمفيد والمركز وجاءت كلماتهم إضافة حقيقية لقضية المواطنة كمدخل وحيد ـ وربما أوحد ـ للخروج من نفق الطائفية المظلم ، وهم بحسب ترتيب مداخلاتهم : فضيلة الشيخ الدكتور سالم عبد الجليل ، الذى قدم رؤية إسلامية مستنيرة لمفهوم المواطنة جمعت بين التأصيل النصى والتراثى والفقهى وبين قراءة الواقع بعيون مفتوحة ، فكان وبحق نجم الجلسة الإفتتاحية وربما المؤتمر بجملته ، لم يستنطق نصوصاً بما ليس فيها ولم يسعى لتسكين احداث تاريخية فى مواقع ليست لها ولم يتزلف مشاعر الأقباط أو يدغدغ عواطف المسلمين بل كان جراحاً ماهراً وضع يده على الداء وراح يستأصله بمهارة ، قال بحتمية تأصيل الخطاب الدينى الذى هو بالأساس مع الإنسان لكونه انساناً وعاتب الإعلام خاصة المرئى منه فى إصرار بعضه على طرح الرموز الفاسدة باعتبارها نماذج تحتذى فى اشارة لخطورة ذلك على الشباب والنشء ، ونبه للخطر المحدق بنا إذا تبارينا فى اثبات الحقوق الطائفية ، المهم ان خطابه جاء بلغة يفهمها المتلقى وكأنها لغته اليومية ، وتحلق حوله كل المشاركين لأنهم رأوا فيه أملهم فى شيوع خطاب جديد فى مؤسسة عريقة، ولم امنع نفسى فى تعقيبى على كلمته أن أقول أننا قد رأينا فى كلمته نصف الكوب الملآن فى أزمة الخطاب الدينى .
 
وتلاه وفى ذات الجلسة الإفتتاحية القس رفعت فكرى ، والذى يملك أن يوجز فينجز ولم تته منه الكلمات ولم تأخذنا بعيداً عن مرمى نيران المواطنة فأصاب الطائفية فى مقتل ، لم يبك على اللبن المسكوب ولم يبن جداراً بكائياً ، بل حدد الداء فى حسم     " غياب ثقافة ومناخ سيادة القانون " وسيادة ثقافة العرف الذى يعود بنا إلى ما قبل الدولة الحديثة ويلقى بنا فى غياهب القبيلة فى تناقض حاد مع معطيات عصر المعلوماتية وثورة الإتصالات ، وحدد بدقة كيفية الخروج من مأزق الطائفية فى خطوات اربع : ضرورة المشاركة لكل مواطن فى الشأن العام ، والمساواة الحقيقية بعيداً عن اية انتماءات أخرى غير الانتماء للوطن ، وتأكيد حق المواطن فى اقتصاد وموارد وطنه ثم تذليل المعوقات التى تحول دون مشاركته السياسية من خلال الأحزاب أو اليات المجتمع المدنى وأشار إلى أن المعوقات الرئيسية فى طريق تفعيل المواطنة هى عدم احترام حقوق اٌنسان وشيوع ثقافة المصادرة فكراً وكتاباً فى عالم الإتصالات الكونية التى تتيح فى ثانية الإطلاع على كل الكتب والأفكار عبر شبكة المعلومات الدولية ، وحق لى أن القبه بالقس الثورى ، ومن الملاحظات اللافتة أن كلاهما فضيلة الشيخ وسيادة القس يقفان بالكاد على اعتاب الأربعينيات عمراً ليبعثا فى المناخ الفكرى والدعوى الثقافى أملاً بأن مصر أم ولود .

 ويأتى الفارس الثالث الدكتور سامر سليمان استاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميريكية ، والذى أكد على أن مشاركته تأتى لكونه مصرياً وليس من منطلق تقديم رؤية قبطية وتناول مفهوم العمل النقابى ، المهنى والعام ، وكيف أنه عمل يعبر عن مصالح فئة ذات مصالح مشتركة ، وأن هناك نماذج عديدة للتنظيم النقابى تقوم بالأساس على حرية تكوين النقابات ، وأن النموذج الحالى هو نموذج مستوحى من النظم الفاشية لجأت اليه ثورة 52 لتحكم القبضة على القطاع العريض من المهنيين والعمال ، ويؤكد ذلك أن رئاسة النقابة تكون بالضرورة لأحد أبناء المهنة ، فإذا بنا فى نقابة المعلمين عقب قيام الثورة نرى أن نقيب المعلمين لا علاقة له بالعملية التعليمية من قريب أو بعيد بل كان أحد ضباط الثورة " السيد كمال الدين حسين " وقال بأن الأحزاب العريقة فى الغرب ولدت من رحم التنظيمات العمالية النقابية " حزب العمال ببريطانيا وحزب التضامن ببولندا " وقال بأن حرية تنظيم النقابات على اسس مهنية يمكن أن يدعم ترسيخ ثقافة المواطنة باعتبارها واحدة من المراكز التكونية لثقافة المشاركة .

 أما المفاجأة الموضوعية فكانت فى مشاركة وكلمة الأستاذة عزة سليمان الناشطة الحقوقية ، والتى وجهت لوماً وعتاباً إلى اللجنة التحضيرية للمؤتمر بأنها جاءت ذكورية لم تلتفت إلى حتمية مشاركة المرأة فيها ، فى أول مناقضة لموضوع المؤتمر نفسه ، فهل يعقل الحديث عن المواطنة بينما المرأة مستبعدة من المشاركة فى الإعداد ؟ ، وكانت ورقتها تتناول دور المؤسسات الحقوقية فى دعم وتعويق المواطنة ، فحذرت من أن هذه المؤسسات التى تعمل فى حقل " حقوق الإنسان " مازالت تفتقر للمؤسساتية ومازالت ترتبط بشخوص مؤسسيها ، وفى سياق المصارحة قالت بأن هذا يسرى حتى على المؤسسة التى تديرها ، وطالبت بالخروج فى مفهوم المواطنة من الدائرة الدينية إلى كافة الحقول الأخرى ؛ المهمشين ، المرأة وكل الانماط السلبية فى الشارع المصرى ، وكشفت عن مأساة الإزدواجية التى تعانى منها غالبية هذه المؤسسات وحاجتها لأن تكرس مفاهيم حقوق الإنسان وتعزز فكر المواطنة داخلها ، وتعد صفوفاً تالية داخلها من الشباب يؤمنون بالمواطنة كحل لكل اشكاليات المجتمع بعيداً عن القوالب والإنتماءات الضيقة ، ورفضت ان تكون المواطنة مجرد نصوص قانونية ، بل هى حياة تعاش تؤكد العدالة والإنصاف والمساواة ، ولفتت الانتباه الى محاولات تشويه مفهوم المواطنة بإشاعة أنه مفهوم غربى لا يتلائم مع ثقافتنا لتحول بينه وبين الشارع ، وطالبت برفع القيود القانونية المكبلة لحركة الجمعيات الأهلية خاصة القانون 84 لسنة 2002 ، باعتبار ان الجمعيات هى المحرك الأكثر فاعلية للمشاركة الشعبية ، وكانت عزة هى صاحبة النصيب الأوفر فى الإشتباك مع القاعة فى حوارات ساخنة أكدت فيها أن الحقوق لا توهب ، وأن على الأقباط المشاركة الفعلية فى العمل العام الحزبى والنقابى والأهلى بعد أن استفزها أحد الحضور بقوله أنه يسأل الأغلبية ـ يقصد المسلمين ـ ما الذى سوف تعطونه لنا ؟! .

 ولعله من اللافت أن نجوم هذه المقالة من الشباب الملتزم بقضايا وطنه والذى يملك رؤية موضوعية ايجابية محددة لم تخربها موجات الطائفية العاتية ، ويمثلون أملاً جاداً وجديداً فى الوصول الى ترسيخ ثقافة الحوار كطريق سوى لتأكيد وتفعيل المواطنة فى مواجهة محاولات سحبنا الى مربع الطائفية والإظلام ، ويبقى أن نطرح أبرز الأوراق فى قضايا ساخنة وملتهبة فى لقاءات قادمة .
>


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com