المعونة معناها معونة

بقلم منير بشاى - لوس أنجلوس

         

          قد تبدو محاولتى فى العنوان لتعريف معنى "المعونة" التى تتلقاها مصر من أمريكا عاجزة ضعيفة. وقد تدفع البعض لإتهامى أننى كمن فسر الماء بعد الجهد بالماء. ولكن فى الحقيقة أننى لم أجد وصفا أبلغ لكلمة معونة Aid أكثر من الكلمة ذاتها. هذا خاصة بعد أن كثر الكلام فى هذا الموضوع فى وسائل الإعلام المصرية، وقد أضيفت مفاهيم جديدة للكلمة، أدت أن تخرج عن معناها ومغزاها

ولا أدرى لماذا تتردد هذه النغمة كلما تتحدث أمريكا عن إحتمال قطع أو تخفيض المعونة. وهنا تجد الذين يشيرون بأصبع الإتهام إلى أقباط المهجر على أنهم وراء هذا التصرف الأمريكى الذى يصورونه أنه سيؤدى إلى تجويع الشعب المصرى. ومنذ فترة إنتشرت شائعة تقول أن أمريكا بصدد تخصيص نسبة كبيرة من الإعانة للأقباط والباقى للمسلمين. وطبعا أتهموا أقباط المهجر بأنهم وراء هذا القرار الأمريكى المزعوم. وبناء عليه تم الإستنتاج أن الأمر من شأنه أن يودى إلى قيام المسلمين بالإنتقام من المسيحيين فى مصر. وهو تحريض غير مباشر على العدوان ضد المسيحيين يضيف الزيت على نيران الجو المشحون بالغضب الموجود حاليا. ولا أدرى كيف يمكن للمعونة أن تتقسم بحيث يحظى الأقباط بقسم مميز منها، فالأقباط لا يمكن فصلهم عن بقية المجتمع المصرى. ناهيك أن الموضوع برمته كان نسج خيال مريض لا صلة له بالحقيقة. وهذا ما صرح لى شخصيا السيد/ وليد معلوف اللبنانى الأصل وأحد كبار المسئولين عن المعونة الأمريكية. وقد قال لى أنه على إستعداد أن يصدر مستندا رسميا من إدارة المعونة ينفى وجود مثل هذا القرار الذى لا يتمشى مع مبادىء العدالة والمساواة التى ترتكز عليها أمريكا.

          المعونة الأمريكية معناها مجرد معونة. هى ليست إستحقاقا وليست راتبا وبالتأكيد هى ليست أتاوة. هى مساعدة ((Aid أو منحة Grant)) وهى تتوقف على إرادة الذى يعطى وليس الذى يأخذ. والذى يأخذ يتوقع منه أنه يقابلها بالتقدير والشكر والإمتنان وليس بالتزمر والشكوى وعدم الرضى.

          والمعونة بحكم طبيعتها محدودة بمدى زمنى وليس لها صفة الديمومة. والذى يحدث أن الإدارة الأمريكية مع الكونجرس الأمريكى يقوموا سنويا بتقييم الدول التى تقدم لها المعونة ويتم تقرير ما إذا كان سيستمر تقديم معونة لها ومقدار هذه المعونة سواء بالزيادة أو النقص.

          والمعونة مع إنها تبدو أنها لأغراض إنسانية ولكن لا شك أنها ليست فقط لوجه الله وإبتغاء لمرضاته. والمعونة الأمريكية بالتأكيد قد وضعت لخدمة السياسة الأمريكية ولتنفيذ مصالحها. والمعروف أن الجزء الأكبر من المعونة الأمريكية ويقدر بنحو 2 مليار دولار قد بدأ مع توقيع مصر لمعاهدة كامب دافيد مع إسرائيل، كما أن أمريكا تدفع أيضا لإسرائيل إعانة لنفس هذا الغرض. وهدفها تشجيع أمريكا لمصر وإسرائيل على عملية السلام على أساس أن هذا السلام يخدم مصالحها ويعود عليها بالنفع الذى يساوى أو يزيد ما تدفعه من إعانات.

          كل شىء فى أمريكا محكوم بالقانون. والمعونة أيضا محكومة بالقانون الأمريكى الذى يضع شرطا أساسيا للدول المستفيدة من الإعانة وهو ضرورة مراعاتها لمبادىء حقوق الإنسان. ولا توجد دولة تراعى حقوق الإنسان مائة بالمائة. ولكن يتم رسم صورة متكاملة عن الدولة ومدى تقدمها أو تأخرها فى هذا المجال. بعض المخالفات فى حقوق الإنسان تستدعى إعطاء إنذار، وبعضها قد يدفع لخفض المعونة. وإذا زادت الأمور عن حدها قد تؤدى إلى قطع المعونة. وطبعا كل هذا يتم تقييمه مع تقدير التأثير السلبى الذى يمكن أن تؤدى له العقوبات وإتباع الطرق التى يحتمل أن تؤدى إلى أفضل النتائج.

          والمعروف أن سجل مصر فى مجال حقوق الإنسان ليس خاليا من العيوب وهو يغطى صفحات من تقرير الحالة الدينية التى يصدر سنويا عن وزارة الخارجية الأمريكية. من هذه المخالفات التعذيب فى السجون وأقسام البوليس، وإعتقال المعارضين السياسين، وتزوير الإنتخابات، وتقييد الحريات الشخصية والتحيز العقائدى للمخالف حتى من بين المسلميين كالشيعة والقرآنيين والبهائيين، والتمييز الجنسى الموجود ضد المرأة. ثم أخيرا وليس آخرا المعاملة السيئة التى يلقاها غير المسلمين وهذا ما حدث لليهود المصريين وما حدث ويحدث يوميا للأقباط المسيحيين.

الذى يجب أن ندركه أن المعونة الأمريكية سوف تنتهى فى يوم من الأيام وبدلا من الإعتماد على أمريكا كان يجب على مصر أن تعمل لتحسين الإقتصاد المصرى فلا يكون هناك إحتياج لأحد. ولكن المؤسف حقا أن مصر أرض الخير والرخاء، وصاحبة أقدم الحضارات، يصل بها الفقر إلى هذا الحد. البلد التى كان يلجأ لها كل جائع وكل مطارد...البلد التى كانت كأمريكا يهاجر لها كل من يريد النجاح والثراء من البلاد العربية وحتى من بعض البلاد الأوروبية مثل اليونان وأيطاليا، والبلد التى سمى المال بإسمها (مصارى). هذه البلد يصبح ثلاثة أرباع سكانه يعيشون تحت خط الفقر. وتمد يدها (للى يسوى وميسواش) طلبا للمساعدة. ويتحتم عليها أن تلقى بنظرة صادقة إلى الذات لمعرفة الأسباب وتحديد طريق العلاج. هل السبب هو الإنفجار السكانى أم الفساد المالى أم سؤ التخطيط الإقتصادى أم سيطرة أيديولوجيات رجعية تثبط الهمم وتشل التفكير وتجرف المصريين بعيدا عن مواكبة العصر؟ هل هى هذه الأسباب جميعها أو بعضها أو غيرها؟

خلاصة القول أن المعونة الأمريكية لم تكن قد صممت لتصبح إستحقاقا دائما لمصر أو لغيرها. أمريكا تعطيها لمن تريد وتمنعها عن من لا تريد. وهى ليست ملزمة أن تعطى تفسيرا لذلك فهى أموالها وهى حرة فى التصرف فيه. ولا يجب أن نغضب عندما تراعى أمريكا مصالحها وتربطها بالمعونة فهذا حقها. كما يجب أن لا نغضب عندما تخالف مصر حقوق الإنسان وتهددها أمريكا بقطع المعونة ثم نتهم أمريكا بالتدخل فى الشئون الداخلية لمصر. يجب أن نعرف أن هذا هو القانون الأمريكى كما يجب أن نعرف أن حقوق الإنسان لم تعد شأنا داخليا فى ظل مبدأ عالمية حقوق الإنسان.

وأهم من هذا كله يجب أن نعرف أن المعونة هى سياسة أمريكية عليا ولا دخل لأقباط المهجر بإقرارها. ولكن إذا تم قطع المعونة أو تخفيضها فإن مصر يجب أن لا تلوم إلا نفسها. وإذا وجهوا أصبعا إلى أقباط المهجر فإن الأربعة أصابع تشير إلى مصر.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com