موسم الهجوم على أقباط المهجر

بقلم منير بشاى

 هي كالموضة التي تأتي وتغيب ثم تظهر من جديد، أقباط المهجر أصبحوا مضغة على كل لسان في الإعلام المصري في هذه الأيام، هو الموضوع الساخن الذي يشد انتباه الجماهير، حتى البرلمان المصري أراد أن يركب الموجة فعقد اجتماعاً للجنة الدفاع والأمن القومي في مجلس الشعب، وتستطيع أن تخمن موضوع النقاش، تخمينك على صواب، كان الاجتماع لنقد أقباط المهجر ونعتهم بأبشع الصفات.

  وكان السبب في هذا الهجوم الشرس أن: أقباط المهجر تفاعلوا مع أخبار الأحداث التي تأتيهم من مصر بخصوص الهجمات التي يتعرض لها إخوتهم، والتي لا يستطيع أحد أن ينكر أنها تتصاعد بطريقة مخيفة، ولإظهار مشاعرهم قاموا بعدة مظاهرات في بلاد مختلفة حول العالم، فقامت الدنيا في مصر ولم تقعد وبدلاً من دراسة شكواهم ومطالبهم لجئوا إلى الحل الأسهل وهو إذا لم تعجبك الرسالة فاقتل حاملها. وهكذا رأينا هذه الحملة العنيفة لاغتيال سمعة أقباط المهجر والتشكيك في مصداقيتهم.

هناك عدة اتهامات توجه لأقباط المهجر، أصبحت أكليشيهات تلصق بهم دون تفكير، وأخذت تتردد بكثرة في الآونة الأخيرة. وهذه بعضها:

الاستقواء بالخارج

المظاهرات السلمية هي تعبير متحضر لإظهار احتجاجك على ما تراه من ممارسات لا توافق عليها. وأقباط المهجر لم يختاروا فرنسا أو اليونان أو هولندا أو لوس أنجلوس أو واشنطن أو نيويورك لغرض في أنفسهم أو نتيجة مخطط أو مؤامرة. السبب أنهم يعيشون في تلك البلاد ومن الطبيعي أن يمارس المرء نشاطه في المكان الموجود فيه. أما نظرية الاستقواء فهي تمليها ثقافة "الفتونة" و"البلطجة" وكأن الأمر ما هو إلا خناقة يحاول أقباط المهجر أن يكسبوها بجمع الأقوياء إلى صفهم. المظاهرات -يا سادة- هدفها إظهار الأمور على العلن بدلاً من كتمها في الصدور. فإذا كان هذا يكسبنا تأييد الآخرين فما المانع؟ ألم يفعل هذا مسلمو البوسنة وعرب فلسطين؟ ألا تفعله مصر والبلاد العربية في كل يوم؟ ألم تستنجد الكويت بأمريكا لصد عدوان العراق؟

ابتزاز الحكومة المصرية

غريب استعمال اصطلاح مثل "الابتزاز" وهو يدل على التلفيق والتزوير في إصدار الاتهامات. الابتزاز معناه المطالبة بما لا حق لك فيه. وغالباً يستخدم في عمليات الابتزاز وسائل غير شرعية للضغط وللحصول على ما تريد. فأي من المطالب التي ينادي بها الأقباط تعتبر ابتزازاً؟؟!!

هل المساواة في فرص التوظف ابتزازاً؟ هل المطالبة بقانون موحد للعبادة ابتزازاً؟ هل المطالبة بحماية الكنائس والأديرة ابتزازاً؟ هل هناك مطالب للأقباط تتجاوز حقهم المشروع كمواطنين مصريين؟ أم أن المفروض أن يغبنوا وإذا طالبوا برفع الغبن يصبح هذا ابتزازاً؟

استعداء الأجنبي

لا أدري كيف يستطيع الأقباط أن يستعدوا الأجانب ضد مصر؟ هذا يفترض أن الأجنبي جاهل بأحوال مصر ويستقي معلوماته الخاطئة من أقباط المهجر.

أن هذا كمن يدفن رأسه في الرمال معتقدا أن الناس لا يرونه. إن كل شيء عريان ومكشوف في ظل العولمة والوسائل الحديثة في الاتصالات مثل الإنترنت والفاكس والتليفون والأقمار الصناعية التي تدور حول العالم وترى كل ركن فيه.

التعريض بسمعة مصر

الإساءة لسمعة مصر تحدث عندما تدعى أشياء لا أساس لها من الصحة أما إذا كنت نصف الأمور بصدق فهذا ليس إساءة بل عرض للحقيقة. ويبدو أن هذا المفهوم نابع من عادات شرقية بالية. التقاليد الشرقية تضخم من كل ما يتعلق بالسمعة والشرف وهو ما أصطلح على تسميته درء الفضيحة، والغريب أننا كشرقيين لا نعير الرذيلة نفس الأهمية طالما لم تفضح وما تزال في طي الكتمان. وهو أمر خطير في ثقافتنا الشرقية قد تدفع المرء إلى القتل لمسح الفضيحة.

يجب أن ندرك أنه في مجال السياسة العالمية لا يجب أن تتعامل بهذا المفهوم الذي عفا عليه الزمن. وهذا لسبب بسيط أنه لم يعد ممكنا التخبئة أو التغطية. وثانياً أن الطريق الأفضل والأشرف هو مواجهة المشاكل بدلاً من إنكارها، وعلاجها بدلاً من تركها تتفاقم وتزداد سوءاً.

الإساءة لأقباط الداخل

من وقت لآخر يطل علينا بعض الناس بمقولة أن تصرفات أقباط المهجر يمكن أن تسيء إلى أقباط الداخل. بمعنى أننا لو مارسنا حقوقنا وقمنا بالاحتجاج أو كتبنا أو تكلمنا فإن هذا قد يدفع المواطنين المسلمين للانتقام من المسيحيين في مصر.

وهو مبدأ خطير يفترض أن أقباط مصر قد أصبحوا رهينة تستخدم لإسكات صوت أقباط الخارج. لهؤلاء نقول أن يكفوا عن هذه النغمة لأننا لن نضحي بحريتنا مهما كانت الأسباب. وثانياً لأن كلامهم هذا هو تحريض غير مباشر للاعتداء على أقباط مصر.

ثم -وهذا أهم شيء- أننا إذ قبلنا هذا المبدأ وسكتنا عن الكلام حرصاً على سلامة أقباط الداخل فسنعترف بمبدأ أن أقباط الداخل هم رهينة يستعملونها للحصول على ما يريدون ابتزازه منّا ولن يكون هناك نهاية لِما يحاولون أن يبتزوه.

وبعد، في معرض الهجوم على ما يسمونه أقباط المهجر، يكاد أن يتخيل المرء أنه أمام عينة من البشر قائمة بذاتها مصنوعة من عجينة تختلف عن غيرها من بقية الأقباط، مع أن أقباط المهجر هم أنفسهم أقباط الداخل.

الفارق الوحيد أنهم أتيحت لهم الفرصة أن يخرجوا عن مناخ القمع الذي يسود مصر، وهم الآن يتصرفون بحرية يمنحها لهم مناخ المجتمعات الجديدة في الدول الديمقراطية التي يعيشون فيها الآن. ولو أعطيت هذه الحرية لمن هم بالداخل لوجدناهم جميعاً يتصرفون بنفس الطريقة.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com