المشكلة الحقيقية والحل الصعب... 

بقلم منير بشاى – لوس أنجلوس

التيار السياسى الحاكم فى مصر، ومعه التيار الإسلامى المتشدد، كان ومازال يعتقد أن الأقباط لا توجد لهم قضية، وبالتالى ليس هناك إحتياجا للعلاج. وكان دائما يردد المقولات أن الأقباط هم أسعد أقلية وأنهم مواطنون أصلاء إلى آخر هذه الكلمات الجوفاء.

ولكن فى الآونة الأخيرة إستجد على المسرح الإعلامى فى مصر تيار جديد يمثله الإعلاميون الجدد الذين يتظاهرون عادة بالإعتدال والتسامح. وفى تناولهم للقضية القبطية، وحتى يكسبوا ثقة الجانب القبطى، عادة يبدأون حديثهم بعبارة تقول أنه لا شك أن للأقباط مطالب عادلة، ولكن... ثم تأتى بعد كلمة ولكن كل الشروط التى يتحتم على الأقباط أن يتمموها حتى يكون هناك مجالا لسماع شكواهم. وهو منطق عجيب أن يضع الظالم على المظلوم عبء إستيفاء شروط تعسفية حتى تسمع شكواه ويتم رفع الظلم عنه. من هذه الشروط عدم فضح القضية فى الخارج والاقتصار على مناقشتها داخل مصر.

ناهيك أن التيار المعتدل هذا لا يقل إصرارا على ظلم الأقباط عن التيار التقليدى. فالتيار التقليدى صريح فى أنه يغلق الباب أمام أى محاولة للإصلاح. أما التيار الجديد فإنه يعطيك بارقة أمل مستحيلة التحقيق ويطالبك بالصبر والاكتفاء بالكلام والمزيد من الكلام الذى لا نهاية له. وقد خدع بعض الأقباط من هذا الإتجاه وذهبوا إلى مصر يعرضوا قضية الأقباط، وتكلموا وما زالوا يتكلمون وسيظلوا يتكلمون حتى يتعبوا من الكلام ويدركوا أن الأمر لم يكن إلا خدعة لكسب الوقت لا طائل تحتها وأن المشكلة ليس فى عرض القضية ونقاشها فالقضية قد قتلت بحثا وليست فى حاجة إلى مزيد من الحوار...

فما هى المشكلة الحقيقية؟

المشكلة الحقيقية هى فى المناخ العام الذى يسود مصر فى هذه الأيام. هى فى سيطرة تيار دينى متشدد متمسك بمبادىء شريعة، حسب تفكيرهم الضيق، تحرم على المسيحيين الممارسة المتكافئة مع المسلمين لطقوس عقيدتهم أوالمساواة بينهم وبين المسلمين فى الحقوق والواجبات. ولا أظن أن الدولة يضايقها بناء كنيسة كما لا أظن أن الدولة يضايقها وضع إنسان مسيحى كفء فى وظيفة حساسة. ولكنها تتعامل مع نوعية من الناس تعتقد أن المسيحيين هم أهل ذمة لا يجوز أن يبنوا كنائس جديدة فى دار الإسلام ويجب أن تترك كنائسهم الحالية حتى تتهدم وتزول من الوجود وأنه لا يجوز لذمى أن تكون له الولاية (الرئاسة) على المسلم. وتعلم الدولة أن بعض هؤلاء الناس على إستعداد أن يقاتلوا ويقتلوا فى سبيل تنفيذ هذه المبادىء.

وهذا ما جعل الدولة تعهد بالملف القبطى كله إلى الجهاز الأمنى حتى يتحسس الأمن التأثير الأمنى فى المجتمع بالنسبة إلى أى قرار يمكن ان يفهم منه أنه فيه إنصاف للمسيحيين وبالتالى قد يؤدى إلى غضب التيار الإسلامى المتشدد. وقد رأينا الأمن يحاول أخذ موافقة المسلمين على بناء الكنائس فى المناطق التى يعيشون فيها وعندما يثوروا ويعتدوا على المسيحيين يحاولوا إسترضائهم بمجالس صلح عرفية. وعادة تعزف الدولة عن محاولة فرض الشرعية علبهم وتحاول ترضيتهم بكل الطرق.

وما هو الحل؟

واضح أن الحل ليس سهلا. وصعوبة الحل ليس فى صعوبة إتخاذ| قرار فالقرارات فى مصر ما أسهلها. ففى مصر الأمر لا يحتاج إلى إقناع المعارضة أو لىّ ذراع البرلمان أو أى من الصعوبات التى تلازم الممارسة الديموقراطية. فى معظم الحالات الأمر يحل بجرة قلم من الرئيس تحمل توقيعه على قرار جمهورى. بل وأحيانا لا يتطلب الأمر سوى كلمة من الرئيس تحمل توجيهاته مثل ما حدث عندما تم إعتبار عيد الميلاد عطلة رسمية. فلماذا لا يصدر الرئيس قرارات بالعلاج؟ هل هو يخشى التيار الإسلامى المتشدد؟ السبب فى إعتقادى لعدم محاولة علاج القضية أن الوضع الحالى يمثل بالنسبة للحكومة وضعا متوازنا ليس من الحكمة المساس به. لأنه فى إعتقادهم إذا تم المساس به فهذا يمكن أن يؤدى إلى هزات فى المجتمع المصرى ستسبب المتاعب للحكومة هم فى غنى عنها. والمعروف أن الحكومة الحالية تحرص على الإبتعاد عن الهزات فى المجتمع.

هذا ليس معناه أن الحكومة غير قادرة على مواجهة هذا التيار المتشدد وفرض إرادتها عليه. فهى تواجهه فعلاّ عندما يكون هناك سببا قويا يدعوها إلى القيام بهذه الخطوة الجريئة والخطيرة. وقد رأينا السلطات عملت هذا عندما رأت أن هذا التيار يهدد السلطة ويتجرأ على النظام اذا اعتدى مثلا على أحد كبار المسئولين، أو عندما يهدد إقتصاد البلاد بأن يعتدى على السياح الأجانب.           ولكن المشكلة ان الدولة حتى الآن لا تعتقد أن قضية الأقباط من الأهمية بحيث تدفعها إلى مواجهة التيار الأسلامى المتشدد وتحمّل الأخطار التى قد تنتج عن هذه المواجهة. بل إنها لا ترى ضرورة محاولة تغيير هذا المناخ المتشدد البغيض لأنها تراهن بأن الحل هو التظاهر أنها أكثر إسلاما منهم عملا بالمثل القائل: (إن لم تستطع أن تغلبهم، فإنضم لهم). If you can’t beat them, join them  

وستستمر الدولة فى سياستها هذه ضد الأقباط إلى أن يستطيع الأقباط إقناع الدولة أن إهمال قضيتهم لا يضر بمصالح الأقباط فقط بل يضر بمصالح مصر كلها، بما في ذلك مصلحة الحكومة نفسها. ولتحقيق هذا فأن الأقباط يمتلكون عدة وسائل فى جعبتهم. وعلى أقباط المهجر يقع الدور الأكبر فى هذا العمل


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com