ماذا لو لم يكُنّ "ناقصات عقل ودين"؟!

اقلاديوس ابراهيم – لندن

 

 جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدر يأنه قال: خرج رسول الله  في أضحى أو في فطر إلى المصلىفمر على النساء فقال:"يا معشر النساء...ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن".

  قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟

قال:"أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ "

قلن: بلى.

قال:"فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟"

قلن: بلى.

قال:"فذلك من نقصان دينها".

وبداية نقول اننا لسنا هنا في معرض البحث في تفسير الحديث ومضمونه والمقصود منه، بل ما شد انتباهنا ولفت نظرنا الفيلم الوثائقي الذي قامت ببثه القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني على مدى نحو ساعة مساء يوم الاثنين 1 سبتمبر حول ما يجري في واحد من  أكبر وأقدم المساجد البريطانية، بل يعتبر مركزاً للاسلام المعتدل في بريطانيا، وهو مسجد المركز الاسلامي في ريجنت بارك وسط العاصمة لندن. فماذا حدث؟ وما علاقة ما جاء بالحديث عما حدث؟ هذا ما سنجيب عنه.

ما حدث هو ما تضمنه الفيلم الوثائقي الذي تم عرضه في ساعة الذروة (الثامنة مساءً) على شاشة القناة الرابعة من التلفزيون البريطاني حيث اظهر بوضوح ما تقوم به الداعيات المسلمات المتشددات داخل المسجد الكبير من نشر للحقد والكراهية، بل والحض على عدم التعامل مع غير المسلمات من اليهود والنصارى باعتبارهن وضيعات، واعتبار بريطانيا ارض الشيطان، والحض على رجم النساء الزانيات اللائي يسلكن مسلك الرجل المثلي، وقتل من يخرجن منهن عن الدين الاسلامي.

هذه المشاهد وغيرها شاهدها الملايين من متابعي القناة الرابعة، وسمعوها بآذانهم. أليس من عجب في ان يفرز عقل هؤلاء ممن وُصِفن بأنهن ناقصات عقل، ومن متشددات متطرفات يطبقن مفاهيم الدين الاسلامي كما يفهمونه، ويقال عنهن ناقصات دين؟؟!!. 

أما  عن كيفية تجميع مادة هذا الفيلم بالصوت والصورة، فقد تم ذلك خلسة وبشكل سري عن طريق تخفي احدى مراسلات القناة الرابعة في زي منقبة وحضورها الدروس الاسلامية التي تقام على مدى ثماني ساعات ايام السبت والاحد من كل اسبوع في قاعة خاصة بالنساء في المسجد الاسلامي الكبير في منطقة ريجنت بارك بلندن. وقامت المراسلة التلفزيونية بتصوير كل ما يحدث داخل هذه القاعة بالصوت والصورة من خلال كاميرا اخفتها في طيات زيها الاسلامي الذي اخفت شخصيتها تحته.

ولم تكن هذه هي المرة الاولى التي تقوم فيها القناة الرابعة في التلفزيون البريطاني بتصوير فيلم وثائقي بطريقة سرية، وعرضه على الشاشة في وقت الذروة ليشاهده الملايين من متابعي القناة. فقد سبق لتلك القناة ان بثت مساء الأحد 14 يناير 2007، فيلما وثائقيا قامت بتصويره خلسة في عدد من مساجد بريطانيا، كان من أبرزها مسجد برمنجهام. وظهر في الفيلم خطيب في المسجد هو "أبو اسامة" (يقال انه اميركي اعتنق الإسلام)، وهو يقول للمصلين "أن المسيحيين واليهود، أميركا، فرنسا، بريطانيا والمانيا، هم  أعداء الإسلام".

كما بشر "ابو اسامة" هذا في خطبته المصلين بقيام الدولة الاسلامية عندما قال "إن الإسلام يُظِهر كل يوم  قوة وتفوقاً على خصومه، وإن على المسلمين تكوين دولة داخل الدولة، حتى نتمكن من السيطرة وتكون لنا الغلبة". واستمر حضرة الفقيه الخطيب "ابو اسامة" في التنفيث عن حقده الدفين تجاه اصحاب الديانات الاخرى من اليهود والنصارى، وبث سمومه فيمن احاطوا به من المصلين بقوله "ان  المسلم الذي يحاول الخروج عن الاسلام يُقتل، واذا ارتأى الامام ان يُصلب فيجب ان يُصلب، ويُترك على الخشبة ثلاثة ايام ينزف حتى يموت".

ولم يكن "ابو اسامة" وحده الذي ظهر في الفيلم الوثائقي بل كان هناك دعاة اخرون متشددون ومتطرفون يحضون على كراهية اليهود والنصارى، وقتل كل من يرتد عن الاسلام. ولعل بث هذا الفيلم في توقيت يتوافق مع مطلع شهر رمضان، وهو شهر له قدسية خاصة لدى الاخوة المسلمون، يثير الكثير من التساؤلات ويترك المشاهد امام عدة تفسيرات وتكهنات من بينها:

1- ربما رغبت القناة الرابعة اثبات مصداقيتها عن طريق اعادة الكرّة مرة اخرى، حيث سبق ان وجهت الشرطة البريطانية اليها تهمة تضليل المشاهدين بتقديم مواد تحرض على الكراهية العرقية عقب بثها الفيلم  الوثائقي الاول في يناير 2007 الذي تم تصويره سراً وعرضه على المشاهدين، مما اثار غضب اكثر من 1.7 مليون مسلم بريطاني في ذلك الوقت. لكن تمت تبرئة القناة لعدم كفاية الادلة. وما بث هذا الفيلم الوثائقي الثاني إلا تأكيدا لما يحدث بالفعل داخل بعض المساجد البريطانية من نشر للكراهية والحض على القتل.

2- وربما رغبت القناة الرابعة توضيح ان التطرف والارهاب ليس قاصرا على الرجال فقط دون النساء، فها هن اللائي يظهرن في الفيلم الوثائقي داعيات متطرفات متشددات اسلاميات. وليس ذلك بجديد، ففي الاسبوع الماضي القت الشرطة العراقية القبض على سيدة انتحارية كانت تنوي تفجير نفسها عن طريق حزام ناسف كانت ترتديه حول وسطهاً. كما تقوم بعض الداعيات المتشددات في العربة الخاصة بالنساء في مترو انفاق القاهرة بنشر الحقد والكراهية وعدم قبول الآخر، وغير ذلك الكثير والكثير.

3- وربما جاء بث هذا الفيلم كرد فعل بريطاني على الارهابيين المتطرفين الذين خططوا لقتل رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون ومن قبله رئيس وزراء بريطانيا السابق توني بلير. حيث القت الشرطة في بريطانيا قبل اسبوعين القبض على خمسة من العناصر الاسلامية المتطرفة، ووجهت اليهم تهمة الشروع في قتل رئيس الوزراء البريطاني. مما يعني توجيه رسالة مضمونها اننا يقظون ونعرف ماذا تفعلون في الخفاء، وكل تحركاتكم تحت المجهر. وبالرغم من قيام الشرطة البريطانية بتقديم شكوى لهيئة الرقابة على التلفزيون ضد القناة الرابعة عقب بثها الفيلم الوثائقي الاول حول ما يجري في مساجد بريطانيا، وتبرئة القناة الرابعة من تهمة التسبب في التحريض على كراهية المسلمين في المجتمع البريطاني، فان هذا لا يعني عدم وجود علاقات سرية بين اجهزة الاعلام واجهزة الامن البريطانية، فالاعلام البريطاني مخترق من قبل اجهزة الامن البريطاني مثله مثل بقية اجهزة الاعلام في الدول الاخرى المتحضرة منها والمتخلفة. لا بل ان اجهزة الاعلام في منطقتنا العربية تكاد تكون موجهة من قبل اجهزة الامن.

4- ومما لا شك فيه ان بث هذا الفيلم في هذا التوقيت بالذات سيعرض العلاقات البريطانية - السعودية حتماً لصعوبات وربما للتدهور، ما لم تكن متدهورة اصلاً، وبشكل خفي، بسبب ما اثير حول "صفقة اليمامة" في اجهزة الاعلام البريطانية واتهام احد افراد الاسرة المالكة السعودية بالحصول على رشاوي من شركة تصنيع الاسلحة البريطانية BAE قدرت بمليارات الدولارات. كما أن المركز الاسلامي الذي تم التصوير خلسة داخله يخضع من ناحية الاشراف المالي للمملكة العربية السعودية، ويقوم احد الديبلوماسيين السعوديين المعتمدين لدى المملكة المتحدة بالاشراف عليه، وان الواعظين والواعظات، رجالاً وسيدات، يتلقون تعليمهم الديني في رحاب المساجد والمراكز الدينية الوهابية في المملكة العربية السعودية.

وبالرغم من انتقاد بعض الائمة للدور السعودي في العمل على نشر الاسلام الوهابي في بلدان العالم، مما يؤدي الى الاساءة للاسلام والحاق الضرر به. فلا يسعنا إلا التعجب والدهشة من وصف النساء بأنهن ناقصات عقل ودين. ولنا ان نتساءل ماذا كان سيحدث للبشرية لو لم يكن ناقصات عقل ودين؟  

 


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com