كلنا حلوين.. وكلنا وحشين!!

بقلم منير بشاى – لوس أنجلوس

          التعبير الإنجليزى Political correctness (الصواب السياسى) من التعبيرات المألوفة فى الغرب. معظم الناس وخاصة الزعماء والقادة يحرصون على اعادة تشكيل الحقيقة حتى ترضى معظم الناس. وفى نفس الوقت يلتزمون بالعزوف عن إبداء الرأى فى المسائل التى قد تغضب الجماهير. وإذا تجرأوا وأبدوا الرأى فإنهم يميعونه ويوزعون اللوم على كل جانب أو يبرأون كل جانب بالتساوى. وهذا من شأنه أن يظهرهم بمظهر الشخص العادل أو على الأقل المحايد حتى وإن كان هذا الموقف المحايد يقف حائلا عن إنصاف المظلوم أو إدانة الظالم.

        ورغم أن هذا التعبير (الصواب السياسى) غير مألوف فى اللغة العربية ولكننى أعلم أنه كمفهوم منتشر فى المعاملات بين الناس فى العالم العربى بطريقة قد تفوق العالم الغربى.

          أحسست أن هذا ما حاول الفنان القدير عادل إمام عمله فى فيلمه الجديد حسن ومرقس. وبداية أريد أن أؤكد أننى من المعجبين بعادل إمام كفنان مبدع فى عالم الكوميديا وأحترمه كثيرا كإنسان وأعجب بأعماله العظيمة التى حارب فيها الإرهاب بشجاعة وحمل رسالة الحب والتسامح والتعايش بين الناس. وفى إعتقادى أن فيلمه حسن ومرقس هو خطوة على نفس الطريق.

          ولكن يبدو أن الجو العام فى مصر أصبح مشبعا بالكراهية حتى أن هذا الفيلم وجدناه يميل إلى (الصواب السياسى Political correctness ) عندما رايناه يصور الجانب المسيحى والجانب الإسلامى بأنهما كلاهما وحشين وكلاهما حلوين. والمشكلة أن غير هذا الموقف كان يمكن أن يجر علي عادل إمام موجة من الغضب قد لا يستطيع مواجهتها وقد تجهض رسالته العامة ورسالة هذا الفيلم خاصة فتشعل نيران الكراهية بدلا من أن تطفئها. وعلى ذلك فنحن نتفهم هدفه ونغفر له وإن كنا لا نتفق معه فى المفهوم.

          وليس معنى هذا أننا كنا نتمنى أن يصورنا نحن المسيحيين على أننا الحلوين وأن المسلمين هم الوحشين فأنا أول من يعترف أن المسيحيين أبعد ما يكونوا عن الكمال وأن المسلمين كبشر ليسوا بالضروراة أسوأ منهم. فكلنا من أب واحد وأم واحدة والخير والشر يشمل بنى البشر بالتساوى.

          ولكن ما آخذه على عادل إمام أنه حاول أن يعالج المشكلة الطائفية متبعا الطريق السهل والمأمون وهو لا يزيد عن وضع رباط على جرح متقيح دون فتح الجرح وتنظيفه ومعالجته ثم تضميده. هو علاج تجميلى مظهرى وقتى ولكن الواقع مريض ولابد أن يعاود الظهور مرة أخرى رغم المحاولات التى يعملها مثل هذا الفيلم.

          المشكلة يا سادة بكل وضوح وصراحة وبعيدا عن مفهوم (الصواب السياسى) هى دينية بحتة. صحيح أن هناك نصوصا فى القران تقول أن المسيحيين واليهود والمسلمين هم أهل كتاب (سورة يونس 10 : 94) وصحيح أن الإسلام يعطى للمسيحين منزلة خاصة (المائدة 5 : 82) ولكن هناك أيضا نصوص تكفر المسيحيين (المائدة 5 : 73) وهناك نصوص تطالب المسلم أن يقتل الكفار (سورة التوبة 9 : 5) وبالمناسبة هذه الآية نسخت (ألغت) 124 آية سابقة من آيات السلم.

          ورغم أن هناك من يأول هذه النصوص ويفسرها على أنها ظهرت فى ظروف خاصة ويجب أن تفهم فى إطار الظروف التى ظهرت فيها. ولكن هناك تيار أصولى قوى يتغلغل فى المجتمع المصرى كالسرطان يكفر المسيحيين واليهود بل أيضا من لا يتفق معهم من المسلمين وتدفعهم هذه النصوص لقتالهم وقتلهم.

          والمشكلة أنه يندر أن تجد من يحاول أن يتصدى لهذا التيار المشدد ويوقفه عند حده. حتى الدولة نفسها تعمل لهم ألف حساب وتخشى من إنصاف الأقباط لئلا يغضبوا وتتركهم كالنار التى ترعى فى الهشيم.

          الخلاصة أننا أساسا مسلمين ومسيحيين جميعا حلوين ويمكن أن نعيش معا دون مشاكل لو تركنا الدين للديان ، وعبدنا الله كل حسب إقتناعه، وعشنا فى الوطن على أساس المواطنة.

          لو حدث هذا سنصبح موش بس حلوين دا إحنا نكون عسل.

 

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com