فى ذكرى الحادى عشر من سبتمبر

بقلم منير بشاى – لوس أنجلوس

          فى الحادى عشر من سبتمبر سنة 2001 حاول الفأر أن يدخل عرين الأسد ويهدده فى عقر داره. كيف أمكن لهذا الأمر البعيد عن التصور أن يحدث؟ كيف إستطاع 19 رجلا لا يحملون من السلاح سوى السكاكين الصغيرة المخصصة لفتح صناديق الكارتون أن يحاولوا إسقاط أكبر وأقوى وأغنى بلد على وجه الأرض.

ربما كان السبب سؤ تقدير لما يمكن أن يصل إليه الإنسان من الشر. وقد يكون السبب وجود مستوى حقيقى من الديمقراطية والحريات والمجتمع المفتوح أعطى لمثل هؤلء ثغرة ينفذوا منها وينفذوا خطتهم الآثمة. وقد يكون السبب نوع من المثالية تفترض أنك اذا كنت تقدم الخير للناس فانهم سيحفظون لك الأمانة ويكنون لك العرفان بالجميل.

          فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 رأينا مجموعة من الشباب العربى المسلم الذين فتحت لهم أمريكا أبوابها وقبلتهم فى مدارس تعليم الطيران حتى يتعلموا مهارة تفيدهم وتنفع بلادهم. وإذ بهم يستخدمون هذه المهارة لضرب البلد التى أضافتهم,

         فى الحادى عشر من سبتمبر 2001 رأينا هؤلاء الشباب يستولون على طائرات ركاب ويستخدموها كصواريخ موجهة لضرب عدة مواقع إستراتيجية فيما سمى بغزوة مانهاتن. الطائرة الأولى والثانية إصطدمتا ببرجى مركز التجارة العالمى فى نيوورك والطائرة الثالثة إصطدمت بمبنى وزارة الدفاع (البنتاجون) أما الرابعة فسقطت على الأرض فى ولاية بنسلفانيا. ويبدو أن التخطيط كان هو القضاء على أمريكا من عدة محاور. المحور الأول تحطيم الإقتصاد الأمريكى ممثلا فى مركز التجارة العالمى والمحور الثانى تحطيم القوة العسكرية ممثلا فى البنتاجون والمحور الثالث تحطيم النفوذ السياسى الأمريكى عن طريق ضرب البيت الأبيض الذى كان مخططا أن تقوم بها الطائرة التى سقطت فى بنسلفانيا والذى يبدو أن الركاب لم يمكنوا الإرهابيين من إتمام مخطتهم بعد سماعهم لما حدث عن طريق التليفون المحمول فقامت معركة أدت إلى سقوط الطائرة.  واضح ان الفار كان يهدف الى اصابة الاسد فى مقتل.

          لاشك أن الخسائر البشرية والمادية فادحة وبالذات آلاف الأبرياء الذين قتلوا بهذه الطريقة الوحشية بل وأيضا الضحايا من رجال الأمن والانقاذ والأطفاء الذين لقوا حتفهم بينما كانوا يحاولون إنقاذ الناس.

          ولكن الذى حز فى نفسى هو كيف تجرأ الفأر على الأسد...كيف تصورت مجموعة من الأرهابيين تعيش فى جحور جبال أفغانستان ومؤيدة بنظام طالبان الذى يراسه المللا عمر (خليفة المسلمين) والذى أعاد البلاد إلى القرن السابع الميلادى. كيف تصورت أنها تستطيع هزيمة أعظم دولة فى القرن الواحد والعشرين؟ وإذا لم تستطيع هزيمتها فعلى الأقل ستحاول تركيعها؟

          وأحسست أن الأمر هو مسألة كرامة. وقادنى تفكيرى (الذى لا شك أنه من تأثير الثقافة العربية التى نشأت عليها) أن أمريكا لا بد أن تعطى هؤلاء ال...درسا لن ينسوه حتى يعرفوا من هم ومن هى أمريكا... وتصورت أن قنابل أمريكا الذرية والهيدروجينية سوف تنطلق ضد أفغانستان والقاعدة والطالبان وتغير من تضاريسها فتمحو جبالها وتحولها إلى أرض منبسطة. ولكننى إكتشفت أن الدول المتحضرة لا تتصرف بهذه الطريقة العاطفية الهوجاء. ففى أمريكا عقدت إجتماعات وعملت دراسات عن الطريقة المثلى للرد. وبعد عدة أسابيع علمنا أن أمريكا لا تهدف إلى الإنتقام الجماعى ولا ترغب فى تعريض الأبرياء للخطر ولكن كل ما تسعى إليه هو القبض على المسئولين عن الجريمة وتقديمهم للعدالة.

وفى خيالى تساءلت ماذا لو كان الأمر كله بطريقة عكسية؟ ماذا لو كانت أفغانستان برئاسة المللا عمر هى دولة مسلمة وهى أقوى وأغنى وأعظم دولة فى العالم...وماذا لو كانت أمريكا هى دولة مسيحية صغيرة وفقيرة ومتأخرة عبارة عن بعض عصابات رعاة البقرالمبعثرة هنا وهناك...وماذا لو تجرأت إحدى هذه العصابات وإعتدت على أفغانستان العظمى؟ تصورت أن المللا عمر كان سيرسل فى الحال صواريخه الذرية العابرة للقارات ويزيل أمريكا من الوجود ويضم المحيط الأطلنطى إلى المحيط الهادى فيصبحا محيطا واحدا يسمونه المحيط العمرى أو اللادنى.

          ولكن بعد مزيد من التفكير توصلت إلى أنه لو كان للمللا عمر والطالبان وإبن لدن والقاعدة قوة وثروة وتقدم أمريكا...ربما شيئا من هذا كله لن يحدث.لانه ربما لن يكون للمسيحية أو المسيحيين أو أى دين آخر وجود على وجه الأرض.

          الآن نعود إلى أرض الواقع. بعد المغامرة التى قام بها الفأر ضد الأسد، عاد الفأر ليختبىء فى جحره من جديد. أما الأسد فإنه قد نفض عنه مضايقة الفأر التافهة السخيفة، وأطلق زمجرة مدوية إهتزت لها اركان الأرض، ليثبت للجميع أنه مازال على قيد الحياة وانه مازال ملك الغابة – دون منازع.

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com