الرقابة على الصلوات

بقلم منير بشاى – لوس أنجلوس

          جهاز الرقابة فى مصر ضخم ويحشر انفه فى كل شىء تقريبا. هناك رقابة على الصحف والكتب والفنون والمسرح والسينما وكافة وسائل الابداع والإعلام. والرقابة على الإتصلات بين الناس جزء هام من وظيفة جهاز الرقابة. هذا وإن كانت قد إستجدت وسائل للاتصلات فى العصر الحديث جعلت مهمة جهاز الرقابة صعبة، بعد إنتشار التليفون المحمول والفاكس والإنترنت والستاليت. ولكن يبدو أن هناك مجال جديد تحاول أجهزة الرقابة فى مصر التدخل فيه وهو الإتصالات بين الإنسان وربه

ضحكت كثيرا عند قراءتى لمقال نشر فى جريدة القدس العربى بعنوان : مصر تحظر الدعاء على المسؤولين فى صلاة التراويح ، والخطباء يلجأون لطريقة " اللى بالى بالك".

ويقول المقال أن وزارة الأوقاف حذرت الأئمة والخطباء فى المساجد من الدعاء على كبار المسئولين وقيادات الحزب الوطنى الحاكم والوزارات أو القيادات الأمنية وهددتهم بالعواقب الوخيمة إذا لم يمتثلوا لتك التعليمات.

          ألطريف فى الموضوع أن الأئمة إستطاعوا التحايل على هذا الحظر بالدعاء على الظالمين دون تسميتهم ، على طريقة إللى بالى بالك. وهذا وضع المسئولين فى موقف حرج إذا حاولوا مساْءلتهم. لانه لم تذكر أسمائهم وبالتالى اذا اعترضوا يكونوا قد إعترفوا ضمنا بأنهم فعلا من الظالمين.

          وتذكرت قصة فكاهية تحمل نفس المغزى تقول أن رجلا كان يسير فى الشارع ويصيح بأعلى صوته قائلا: حكومة نصابين...حكومة حرمية!! فإذا بالشرطى يقبض عليه ويقوده إلى قسم البوليس. وفى القسم سأله الضابط: يا راجل إنت صحيح كنت بتقول على الحكومة المصرية أنها حكومة نصابين وحكومة حرامية؟ فيجيب الرجل:لا يا باشا أنا كنت بأقول كدة على حكومة إسرائيل. فيرد الضابط: يا كذاب هو فيه حكومة نصابين وحرامية غير الحكومة المصرية؟ خدوه حطوه فى الحجز...

          ولكن فى المسيحية علمنا السيد المسيح أن لا ندعو على الناس بل أن ندعو لهم حتى ولو كانوا ممن يضطهدونا ويسيئون إلينا.  فقد قال فى الموعظة على الجبل "سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك وأما أنا فاقول لكم أحبوا أعداؤكم. باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم." متى 5 : 43-44.

          فكمسيحين علينا أن نصلى من أجل المسئولين لكى يباركهم الله وينجح طريقهم ويعطيهم الحكمة والسداد ويحميهم من مؤامرات الأشرار ويوفقهم إلى ما هو لخير الوطن. وهذا الدعاء ليس مقصورا على الصالحين منهم فقط بل حتى الأشرار والظالمين.

          ولكن الآن أخشى أن دعاء مثل هذا قد يجر على المسيحيين المشاكل ، فيأتى من يتهمهم أنه بصلاتهم هذه يصفون المسئولين بأنهم يسيئون إلى المسيحين ويطردوهم. وحتى يبعدوا عنهم هذا الاتهام  قد يضطر المسيحيون إلى الإلتجاء إلى التحايل فتصبح صلاتهم: يارب بارك أللى بالى بالك.

          قد يبدو هذا نوع من الفكاهة ولكنه فى الحقيقة ليس بعيدا تماما عن عالم الواقع. أذكر فى بداية حكم الرئيس السادات أن الأقباط كانوا يمرون فى ظروف صعبة. وهذا دفع الكنيسة لأعلان تخصيص أيام للصوم والصلاة حتى يفرج الرب هذه الأزمة. وأذكر أن هذا الصيام والصلاة قد أغضب الرئيس السدات لإعتقاده أن الصيام والصلاة فى ذاته هو نوع من الإحتجاج يبعث رسالة للعالم أن الأقباط يعانون من الظلم والإضطهاد. وطبعا الإعتقاد السائد فى مصر أن الأقباط هم أسعد أقلية وحتى إذا كانت لهم شكوى فهذا لا يبرر فضحها أمام العالم، وتجريح سمعة مصر. ومنذ ذلك الوقت - وحتى لا يحدث صداما اخرا لهم مع الدولة – فإن الأقباط لم يعلنوا عن صوم وصلاة من أجل المشاكل التى يعانونها.

          وأنا أعلم أن الأقباط يجوزون فى مشاكل مستعصية وصعبة من وقت لآخر. وأعلم أنه لا يوجد علاج أقوى لهذه المشاكل من الصوم والصلاة. ولكن لتفادى أى إحتمال للصدام مع الدولة فالحل ربما فى تحاشى تسمية سبب الصيام والصلاة علنا، والله العارف الغيب يعرف ما نصوم ونصلى من أجله. أما إذا أصر البعض على ذكر السبب لهذا الصوم والصلاة فيمكن ذكر انه صوم وصلاة من أجل إللى بالى بالك...

هل سياتى الوقت الذى يستطيع فيه اقباط مصر ان يعبروا عن مشاكلهم بوضوح ودون خوف حتى فى صلواتهم الى الله؟

اللهم إذا سمحت أن نعانى الظلم فلا تسمح أن نحرم من حق الصراخ...

 

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com