ذكرياتي مع رجُل عظيم
          
  
المرحوم د. شوقي كراس ، الأب الروحى للحركة القبطية فى المهجر
(صعيدي وبهرته أضواء المدينة) قُلتها عندما وطأت قدماي أرض وشوارع العاصمة في أوائل السبعينات وحَكَمت عليَّ ظروف دراستي أن أنتقل للقاهرة لمواصلة تعليمي العالي بعد الثانوية العامة.  

تذكرت هذه المقولة وضحكت وأنا في أحضان نيويورك ضائعاً بين ملايين البشر في مانهاتن ومبهوراً بناطحات السحاب العملاقة وكأنها أبراج زجاجية في عالم سحري جميل.


كان صيف سنة 81 قد بدأ في عنفوانه بعد أسبوعين من وصولي لأمريكا أبحث عن موضع قدم لي كمهاجر قد طحنته أوجاع ومشاكل الوطن، كنت أحاول أن أعبر الطريق في أثناء فتح الإشارة الخضراء في البارك أفينو!! ووجدت أمامي امرأة مُسنة تتعكز على مشايةـ تتساند عليها وتدفعها أمامها وقد تلعثمت ووقعت على الأرض، وبشهامة الصعيدي المصري الطازة ساعدتها حتى قامت وأمسكتها المشاية التي تتعكز عليها، ورجعت للخلف  وأفقت بعدها لأجد نفسي محاطاً بملائكة الرحمة الأمريكيات، وواحدة منهن سألتني أنت شايفني كويس؟؟ قلت نعم، قالت الحمد لله، أنت هنا من ساعتين حصلك حادث سيارة خبطتك وقذفت بك مسافة كبيرة واتكتب لك عمر جديد.

عرف أصدقائي بـ "نيو جيرسي" الخبر وأبلغوا الدكتور شوقي كراس -الذي كنت قد رأيته تاني يوم وصولي إلى نيو جيرسي بموقع الهيئة القبطية- وتعرف عليَّ كرسام وكاتب وطلب مني أن أنضم بأعمالي للهيئة وأكون مسئولاً عن اليافطات والإعلانات وأعمل فريق عمل إعلامي بجانبي، لم أصدق نفسي أن أرى دكتور شوقي كراس يأتي لزيارتي في اليوم التالي بالمستشفى بمانهاتن وأنا أعرف كم هي ظروفه ووقته الضيق ومشغولياته وشعرت بشهامة الصعايدة كلهم في شخصه الوقور ولغته التي لم تتغير وكأنه نزل من سوهاج لتوه من ساعات معدودات وليس منذ سنين طويلة جداً.

منذ ذلك الحين عرفته قائداً وأباً وصديقاً ورجل إيمان ومحبة وحب فياض للكنيسة ورجال الإكليروس والشعب القبطي عامة، وجرت بنا الأيام وقد حكمت عليَّ الظروف أن أكون في الجبس لمدة ستة شهور كاملة وبالرغم من ذلك لم نتوقف لحظة عن العمل الدائم في التحضير للمسيرات بعد أن هاج الرئيس السادات وماج وأصدر أحكامه المجنونة ضد سيدنا البابا شنوده والآباء الأساقفة وبعض المثقفين المصريين.

كنت أسهر بالساعات الطويلة في رسم صور سيدنا وصناعة اليافطات لأن الكمبيوتر والطباعة الحديثة كانت في مهدها ولم نكن نعرفها بعد، كان الدكتور شوقي كراس يقود سيارته أكثر من ساعتين لبُعد منزله في شمال نيويورك عن مكان الهيئة القبطية بـ "نيو جيرسي" ليُحضر لنا الطعام بنفسه ويطمئن على سير العمل وكان يشفق عليَّ عندما يراني متسانداً على عكازي وأنا أرسم اللوحات والصور للمسيرات، كان يداعب الكبير والصغير ويسأل عن كل شاب يحضر من مصر لأمريكا وعن أحواله وعن تواجد فرص عمل له أم لا، وعن توفير مكان للإقامة مؤقت لحين أن يقف الشاب على رجليه كما كان يقول.

وفكر في مشروع عمل مجموعات متخصصة لخدمة الشباب القبطي القادم من مصر للمهجر وكيفية الاتصال بالمحاميين الأمريكان المختصين بالهجرة لتسوية حالات المهاجرين بطرق غير رسمية، كان هذا الرجل العظيم شعلة نشاط ولا يهدأ ولا يعرف طعماً للراحة إلا بعد تنفيذ ما يرغب فيه من خدمات كثيرة متنوعة للأقباط في داخل مصر وبالمهجر.

أقول في ذكراه العطرة في الذكرى الخامسة لوفاته إنه في فردوس النعيم يتمتع مع القديسين والشهداء والأبرار، نعم أن خلف كل رجل عظيم امرأة، ونذكر زوجته الفاضلة التي كانت تقف خلفه تؤازره وتشد من عزيمته وتقويه وتشجعه على الاستمرار في الكفاح.

أقول أيضاً أنه خلف كل هدف عظيم رجل عظيم في مثل شخصية المرحوم الدكتور شوقي كراس نعم لقد افتقدناك وافتقدتك القضية القبطية.
 شفيق بطرس

© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com