تعداد الأقباط والتمثيل النيابى فى مصر

بين النسبة العددية والمغالطة الحسابية

بقلم منير بشاى

          فى حديث لقداسة البابا شنودة الثالث إلى قناة أو تى فى  نشرت تفاصيله فى۲۷  أكتوبر ۲٠٠۸ فجر قداسته من جديد قضية تعداد الأقباط قائلا إنهم لايقلوا عن 12 مليونا. وأضاف: نحن نقدر أن نعرف شعبنا ولكن لا يهمنا العدد المعلن. ولم تكن هذه المرة الأولى التى يثير فيها قداسته هذا الموضوع الحساس فقد تكلم كثيرا عنه وعن علاقته بالتمثيل البرلمانى العادل والمتكافىء.

طالعتنا جريدة الحياة بتاريخ ٣٠ أكتوبر ٢٠٠٢ بتصريح لقداسة البابا شنودة الثالث فى نادى الليونز. كان قداسة البابا قد دعى ليتكلم فى موضوع "الشخصية المتكاملة" وبعد الكلام جاءه سؤال يطلب رأيه فى موضوع الإنتخابات.

يقول قداسة البابا: "كنت أمام أحد أمرين،.إما أن أتكلم وهذا ما حدث، وإما أن أعتذر عن الإجابة فى هذا الموضوع فيقال عندئذ بأن البابا لا يملك حرية الكلام..وهذا أمر لا أقبله، وليس من صالح مصر. وعليه...تكلمت بهدوء عن نقطة واحدة فقط فى إنتخابات مجلس الشعب وقلت إن هناك ٤٤٤ عضوا منتخبا فى البرلمان لم ينجح منهم سوى ثلاثة أقباط ثم فصل واحد لكونه يجمع بين الجنسية المصرية وجنسية أخرى".

هذا ما قاله قداسة البابا..لم يكذب ولم يبالغ ولم يأتى بجديد لا يعرفه أحد. ولكن..قامت الدنيا ولم تقعد، وإنبرى مصطفى بكرى شاهرا سيفه الذى هو أمضى من القلم. وكتب مقاله النارى بعنوان: "لا يا قداسة البابا"، وفيه يقول موجها الكلام لقداستة البابا ."كانت التصريحات قاسية وتمثل نقطة تحول فى خطابكم الذى تعودنا عليه دوما..وأكاشفكم الحقيقة يا قداسة البابا فقد أصابنى هذا الحديث بصدمة كما أصاب كثيرين غيرى، ذلك أننى شخصيا أجد فى هذا الكلام لغة مختلفة عن مواقف سابقة أعلنتم فيها آراءكم بشكل واضح لا لبس فيه، ورفضم أية محاولة للتمييز أو التعامل مع الأقباط على أنهم أقلية داخل المجتمع المصرى".

ولا أدرى بأى صفة يتحدى هذا "البكرى" قداسة البابا ويقول له: "لا يا قداسة البابا"، ومن أعطاه هذه السلطة؟ وهل هو يقول "لا" بمعنى أن الحقيقة غير ذلك؟ أم يقول "لا" بمعنى أنه كان لا يجب أن تكشف هذه الأسرار؟.

ربما لم يصل إلى علم السيد البكرى أن هناك إختراع جديد فىعالم الإتصلات إسمه "الإنترنيت" والذى بواسطته لا يمكن التكتيم ولا التعتيم والكلمة التى تخرج من فمك تجوب الكرة الأرضية خلال ثوان ثم بعد ذلك تحفظ فى سجل لا يمحى لكل من يريد أن يستدعيه بلمسة من الأصبع، فليس هناك أسرار.

لا يا سيادة "البكرى" من الآن فصاعد ليس فى إمكانك أو إمكان أحد أن "يكفى على الخبر ماجور" فما يقال فى المخدع ينادى به على السطوح كما ذكر السيد المسيح.

كلامك يا سيدى ملئ بالمغالطات عندما تقول أن هناك منظمات إستغلت هذا الكلام، فليس هناك وجود لهذه المنظمات التى تقول أنها أخذت كلام قداسة البابا وقدمته إلى الإدارة الأمريكية.أو تظن يا سيدى أن الإدارة الأمريكية فى إنتظار لهذه المعلومة من الجمعيات القبطية والصهيونية؟ وأنه بناء على هذه الأخبار الجديدة سوف تتصرف أمريكا بطريقة تضر بمصالح مصر؟ ومع ما فى هذا من مغالطة وتلفيق –وحتى لو إفترضنا صدقه- فمن يحتمل تبعة هذا كله؟ من يظلم الأقباط، أم من يفضح هذا الظلم؟

وتقول سيادتك أنه يحز فى نفسك التوقيت الذى صدرت فيه هذه التصريحات وتخشى أن موضوع ضرب العراق المحتمل حدوثه مع صدور تصريحات قداسة البابا قد يدفع أمريكا إلى توجيه ضربة إلى مصر لحماية الأقلية القبطية!! أهذه درايتك يا سيادة رئيس التحرير بالسياسة العالمية وكيفية تعامل الدول مع المشاكل الإقليمية؟

ثم يعود البكرى موجها إتهامه لقداسة البابا أنه كان بتصريحه يطالب بالنسبة العددية يقول: "وقد لاحظت ولاحظ الكثيرون أن هناك مرارة فى حديثكم بسبب عدم وجود تمثيل حقيقى داخل البرلمان يعكس الوزن الصحيح للأقباط، وفهمت كما فهم الكثيرون أن قداستكم تطالب بنسبة عددية محددة فى كافة المجالس الشعبية والنقابية".

لقد رجعت إلى ما قاله قداسة البابا فلم أجد كلمة واحدة من كلام قداسته تشير أو تلمح بهذا. والمعروف عن قداسته أنه بإستمرار يرفض نظرية التمثيل العددى للأقباط على أساس أن الأقباط ليسوا أقلية إثنية بل هم جزء لا يتجزأ من الكيان المصرى الكامل.

وفى حديث مع "سناء السعيد" تعرض قداسة البابا إلى موضوع التمثيل العددى، قال قداسته: "لا أحب أن أتطرق إلى عدد الأقباط حتى لا يظن الناس أننا نطالب بحقوق سياسية تتمشى مع النسبة العددية للأقباط ولكننا مع ذلك نزور شعبنا ونقوم بزيارات رعوية لكل أفراد شعبنا بقصد العناية به روحيا وبالتالى نعرف تماما كم تبلغ نسبة مواطنينا. غير أننا لا نجاهر بها وبالتالى لا نطالب بحقوق تتلائم مع هذه النسبة فى المقابل".

والمتأمل فى كلام قداسة البابا يدرك مدى الحساسية التى تفرضها الدولة على المعاملات الخاصة بعدد الأقباط، ويعرف أن هناك نتائج لهذا تخشاها الدولة وتتحاشاها، هذه النتائج هى أن الأقباط إذا عرفوا تعدادهم الصحيح سوف يطالبون بحقوق تتلائم مع التعداد، هذه بديهية ناصعة كالشمس.

ومع أن الدولة تعمل جهدها لكى تخفى تعداد الأقباط، لكن هناك طرق يمكن تخمين هذا الرقم.

كان آخر مرة أعلن فيها تعداد الأقباط فى الإحصاء الذى قامت به قوات الإحتلال الإنجليزى منذ أكثر من نصف قرن وتبين أن تعداد الأقباط حينئذ كان حوالى٣ مليون نسمة من عدد المصريين البالغين حوالى٢٠ مليون فى ذلك الوقت أى بنسبة حوالى١٥ ٪.

أما فيما بعد ذلك فالتعداد أصبح سرا لا يعرفه أحد سوى المسئولين. ولكن الرئيس مبارك قد زلف لسانه مرة وقال إن الأقباط يمثلون١٠ ٪ من السكان.، وهو تقدير مجحف لا يقبله منصف. وهناك من يقدر هذه النسبة بحوالى٢٠ ٪ ولكن ربما تكون نسبة١٥ ٪ أقرب إلى المعقولية وهذا يؤيده تقدير مراكز الإحصاء الأمريكية والتى أفضى بها الرئيس الأمريكى السابق كارتر إلى قداسة البابا أثناء زيارته له فى البيت الأبيض.

ولكن حتى إذا أخذنا نسبة ال١٠ ٪المجحفة طبقا لكلام الرئيس مبارك فإن نسبة كراسى البرلمان التى يجب أن يشغلها الأقباط تكون حوالى٤٥ كرسى وهى لا يمكن مقارنتها بعدد٢ فى الوضع الحالى. ولكن هذه النسبة المزرية لم تقلق أحدا ولم تثير فيهم نوازع العدالة والمساواة التى يجب أن يتمتع بها أخوتهم فى الوطن. وحتى مصطفى البكرى هذا لم يتكلم مرة أو يطالب بعلاج هذا الوضع الشائن. ولم نسمع صوته إلا عندما نبه قداسة البابا إلى هذه الحقيقة فى نادى الليونز. وهنا أنبرى هذا الفارس الهمام يطلق الوعيد والتهديد لعواقب إثارة هذه المواضيع "الحساسة" التى تتنافى فى رأيه مع الوطنية والإخلاص وتحض على الكراهية وتهدد الوحدة الوطنية. وكأن كل مشاكل المجتمع لاتحل إلا بظلم الأقباط.

ويقتبس البكرى من تصريحات قداسة البابا التى فيها يرفض التمثيل النسبى ويخرج من هذا إلى نتيجة سخيفة وهى أنه ما دمتم ترفضون التمثيل النسبى فلماذا لا يرضيكم التمثيل الحالى أى أن عدد إثنين فقط يمثلون١٥ ٪ من سكان مصر فى مجلس يصل عدده ٤٤٤ نائب. منطق أعوج يدل على جهل  وتعصب أعمى لا يليق بإنسان يشغل منصب رئيس تحرير جريدة.

عندما يقول الأقباط إنهم يرفضون التمثيل النسبى العددى فهم بهذا لا يفرطون فى  حقوقهم، إنهم يقصدون بذلك أنهم لا يصرون على عدد محدد. ولكن هذا العدد قد يزيد أو ينقص طبقا للظروف، ولكن بصفة عامة يجب أن يظل هذا العدد فى حدود المعقول. فإذا كان العدد المفروض أن يكون طبقا للتمثيل النسبى٤٥ فإن العدد الفعلى قد يزيد فيصل إلى ٠٥مثلا وقد ينقص فيصل إلى٤٠ أو٣٠ أو حتى ٠۲ ولكن أن يصل إلى٢ فقط فهذا يشير إلى أن هناك مشكلة يجب أن تدرس وأن تعالج. فرقم٤٥ لا يصر عليه الأقباط ولكن يجب إستعماله كمؤشر ليس أقل ولا أكثر.

وهنا تأتى المشكلة: كيف يمكن إنتخاب الأقباط فى مجلس الشعب وقد أصبح الجو مسمما ضدهم؟ مضىالوقت الذى كان يرشح القبطى فى دوائر معظمها مسلمين وكان القبطى يفوز بالإنتخابات ضد المنافس المسلم. أما الآن فبزيادة الجرعة الدينية أصبح من الصعب أن يفوز القبطى على المنافس المسلم فى أى مكان، حتى ولوكان فى شبرا المكدسة بالمسيحيين.

وهنا يأتى دور الدولة أن ترعى مصالح جميع المواطنين مهما كانت ديانتهم. على الدولة أن تبتكر توليفة معينة يمكن بها أن تشجع زيادة التواجد القبطى فى المجالس النيابة. من هذه الإقتراح الخاص بغلق دوائر معينة يكون الترشيح فيها للأقباط فقط. او الترشيح بنظام القوائم.

إن الدولة لن تعدم وسيلة لحل المشكلة، إذا كانت جادة فى إيجاد حل لها.

أقولها مرة أخرة...إذا كانت جادة فى إيجاد حل لها.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com