أقباط المهجر.. بين سندان الخارج ومطرقة الداخل

يسري عزباوي

عقد أكثر من عشر منظمات قبطية في أوروبا ـ مؤتمرًا يوم السبت 8 نوفمبر 2008 في العاصمة الفرنسية بحضور ممثلي 9 دول أوروبية لبحث مشاكل المسيحيين في مصر واتخاذ موقف موحد تجاهها، وشملت أجندة المؤتمر إعلان تكوين اتحاد لمنظمات أقباط المهجر في أوروبا، كمرحلة أولي لإدماج جميع منظماتهم في العالم داخل اتحاد واحد. ومن ناحيتهم، أكد القائمون علي المؤتمر بأنه ليس رسالة موجهة إلي الإدارة الأمريكية الجديدة بعد فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية، فقد كان الموعد محددًا سلفًا، وأنهم لا يربطون مصالح الأقباط بأي قرارات أو إدارات أمريكية.

مطالب المؤتمرات

والجدير بالقول إن القائمين علي مثل هذه المؤتمرات يؤكدون دومًا أن مطلبهم الرئيسي هو "حقوق الإنسان" للشعب بعنصريه المسلم والمسيحي. وقد حدد القائمون علي المؤتمر أهدافه في حل المشاكل القبطية، التي تتمثل في سن تشريع موحد لبناء دور العبادة، وعدم التمييز في الوظائف العامة والعليا، ونشر الثقافة القبطية أسوة بالإسلامية، وتنقية المناهج التعليمية من المواد التي تحث علي الطائفية، وإيجاد مساحة للأقباط في وسائل الإعلام الحكومية، وتمثيل مناسب للأقباط في المجالس التشريعية والنيابية، وما سبق، هو حق للأقباط لا جدال فيه، ولكن الخطورة من هذا المؤتمر، هي مناقشته أحكاماً قضائية صدرت مؤخرًا، وهذا يمثل تشكيكاً في نزاهة القضاء المصري المعروف عنه النزاهة وعدم الانحياز علي الرغم من التذرع بأن ذلك لا يعد تدخلا في شئون القضاء لأن أحكام القانون الدولي والمعاهدة الدولية للحقوق المدنية تتيح اللجوء للمحاكم الدولية في حالة التضرر من أحكام أو إطالة مدة نظر القضايا، كما في حالة العائدين إلي المسيحية التي تنظر قضيتهم أمام القضاء المصري منذ خمس سنوات.

الموقف الرسمي

المتابع المدقق للموقف الرسمي من هذه المؤتمرات يلاحظ أن الحكومة المصرية -في الأغلب الأعم- لا تعلق في العادة مثل هذا المؤتمر ولا علي لمظاهرات التي يقوم بها أقباط المهجر بحجة عدم تضخيمها، وتتعامل بشكل أساسي ورئيسي مع الكنيسة المصرية ورئاستها المتمثلة في البابا شنودة الذي لا يرحب بإثارة المسألة القبطية من الخارج، والذي يؤكد أنه لا يقبل التدخل الخارجي في شئون مصر. وقد تجلي الموقف الرسمي منذ أكثر من ثمانية وعشرين عامًا عندما أعطي الرئيس السادات إشارة البدء في الهجوم علي أقباط المهجر، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن فإن قائمة الاتهامات أخذت تتسع وتتمدد بدءًا من التخوين حتى العمالة. وقد كان من الخطر اللعب السياسي بورقة أقباط المهجر في بداية التعبير عن الانفجار السياسي بين الرئيس السادات والبابا شنودة، وإن ما كان يمكن السيطرة عليه في السبعينيات يصبح الآن من العسير احتواؤه خصوصًا مع تباين واختلاف الأهواء والاتجاهات بين أقباط المهجر. ورغم رحيل الرئيس السادات ومجيء الرئيس مبارك الذي استهل عهده بإرسال برقيات تهنئة إلي أقباط المهجر في مناسبات الأعياد الدينية، إلا أن ذلك لم يغير الصورة النمطية عن أقباط المهجر في الداخل أو تغيير الصورة عن النظام السياسي القائم لدي أقباط المهجر.

وفي إطار التسليم الكامل بحق أقباط المهجر في التعبير عن مشاعرهم ومخاوفهم بجميع الأساليب المتعارف عليها في المجتمعات الديمقراطية، يرد تحفظان:

 أولهما: أنه كثيرًا ما يقع هؤلاء أسري مبالغات شديدة تضخم بشدة المتاعب التي يفترض أن تحدث للأقباط في مصر، علي نحو يصل إلي الحديث عن "اضطهاد منظم" للأقباط في مصر، وهو أمر غير صحيح علي الإطلاق. وهذا ما أثبتته الزيارة التي قام بها وفد من مجلس كنائس نيويورك في زيارته للقاهرة عام 1998 لبحث القضايا القبطية والاضطهاد الديني في مصر، وعند عودة الوفد، وفي مؤتمر صحفي عقدوه أعلنوا:"أنه لا يوجد اضطهاد ديني في مصر وإن كان هناك بعض التمييز ضدهم، مثل القيود علي بناء الكنائس وذكر الديانة في البطاقة الشخصية وانخفاض عدد تمثيلهم في البرلمان ولكن الحكومة تعمل جاهدة لإزالة هذه التفرقة".

ثانيهما: أنه ليس من المستبعد أن تستغل قوي أجنبية معينة، لها رؤاها السياسية أو العقائدية الخاصة، المعادية لمصر. إن من الخطر محاولة حل أزمات الداخل من خلال الضغوط الخارجية أو ما يسميه البعض استدعاء التأثيرات الأجنبية أو ما يطلق عليه "الوساطات الصديقة". وهنا يبرز تناقض يطرح نفسه من خلال تصورين، الأول: يري أن التأثير الأجنبي حمل معه قيم المساواة بين الأفراد، بصرف النظر عن الدين. وأن التأثير الأجنبي يعني ببساطة استخدام القانون الدولي والوثائق الدولية والوساطات التأثيرية للضغط علي السلطة من أجل انتزاع حقوق الأفراد وخلق رأي عام عالمي يدعم حقوق الشعوب في مواجهة تعسف السلطات.

أما التصور الثاني، المناهض للتصور السابق فيري أن الانفلات الموجود بين أقباط المهجر لا يعبر عن وجود أزمة قبطية في الداخل، وأن هناك قوي خارجية تذكي هذا الشعور بالأزمة. وهو كلام مردود عليه بأن نظرية المؤامرة يصبح لا وجود لها إذا ما اختفت حوادث الداخل، التي يمكن فهمها هنا علي أنها تعبير عن "إرهاب اجتماعي" لا ديني وأن كان جزء من ضحاياه بعض المسيحيين.

والسؤال هنا، هل تتأثر مصر بمثل هذه المؤتمرات؟، لا شك في أن مصر لا تتأثر بشكل مباشر من مثل هذه المؤتمرات علي الرغم من تأثر سمعة مصر الدولية. وهو ما كشفت عنه وثيقة صادرة عن الكونجرس الأمريكي في عام 2007، يؤكد أن واشنطن ستستخدم جزءاً من مساعداتها لمصر، لتطوير ما أسمته "جالية الأقباط المسيحيين"، وهو ما لم يحدث. إن حركة الأقباط في مصر جزء لا يتجزأ من حركة شعب مصر ككل، والظروف التي تؤثر عليهم هي ذات الظروف التي تؤثر علي المجتمع كله، وأنه من الواجب توفير قنوات شرعية ومفتوحة ومستمرة للحوار، سواء كان مع الدولة نفسها، أو مع مؤسسات المجتمع المدني المصري جميعها.

وفي النهاية، فإن المفهوم الذي يجب أن يقف وراء ذلك هو حقيقة أن أقباط مصر في الخارج، هم جزء أساسي وفاعل من المصريين في الخارج، وإن هؤلاء يجب أن يشكلوا جماعة ضغط مصرية في تلك البلاد تعمل لصالح بلادهم، مصر، وتجابه القوي الأخري النشيطة في المجتمع الأمريكي، والتي قد تكون توجهاتها مضادة للمصالح المصرية، وهذا لن يتأتي إلا عن طريق الحوار والتحاور معهم وإعطاء كل ذي حق حقه من المسلمين والمسيحيين .


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com