الديمقراطية: الفائز الأول فى الإنتخابات الأمريكية

بقلم منير بشاى

          منذ 45 سنة ألقى مناضل حقوق الإنسان الأمريكى الأسود "مارتن لوثر كنج" خطابه التاريخى "لدى حلم I have a dream " وبلأمس فى ٤ نوفمبر ٢٠٠٨ فى إنتخابات الرئاسة الأمريكى رأى السود الأمريكيون هذا الحلم يتحقق بإنتخاب أول رئيس لهم للولايات المتحدة. والرئبس المنتخب هو رجل أسود البشرة له جذور إسلامية وهو إبن رجل كينى مسلم وقد إنتخب رئيسا لبلد غالبيته من اللون الأبيض ويدينون بالمسيحية. ومن سخريات القدر أن "مارتن لوثر كنج" لم يعش ليرى حلمه يتحقق فقد مات مقتولا وهو يحارب من أجل تحقيق هذا الحلم. لا أظن أن هذا يمكن أن يحدث فى بلد غير أمربكا. وبغض النظر عن الفائز والمنهزم فإن الفائز الاول هو الديموقراطية.

 فى سنة ٢٠٠٥ أصدر الرئيس مبارك قرارا بفتح باب الترشيح للرئاسة فى مصرللمنافسسة بين عدة مرشحين بدلا من نظام الإستفتاء على مرشح واحدا كما كان متبعا . وعندها كتبت مقالا عنوانه (قبطى رئيسا للجمهورية فى مصر؟) وفيه طالبت الأقباط أن يرشحوا ولو شخصا واحدا فى الإنتخابات. وفى المقال ذكرت أيضا أنه حلم جميل أن نرى مصر تسمو فوق الخلافات الدينية والطائفية وتنتخب الصالح للمنصب وعسى أن قبطيا يكون نصيبه النجاح للوصول إلى المنصب فى يوم من الأيام. وختمت المقال بهذه العبارة: إنه حلم لذيذ – أرجوك لا تيقظنى!!

 

          ولكن سرعان ما أدركت أن الأحلام لا تتحقق فى مصر. والذى أكد لى ذلك ليس المسلمين ولكن – صدق أو لا تصدق – كان هم الأقباط. فالنقد للمقال جاء كله من أقباط ينعتوننى بأننى خيالى لا ألامس الواقع ولا أعرف ما يجرى فى مصر. مع أننى أعرف طبعا أن إحتمال إنتخاب قبطى فى مصر أقرب إلى المستحيل منه إلى الممكن. ولكن كان الهدف من المقال هو أولا: أن يثبت الأقباط حقهم فى الترشيح لأن الحقوق إذا لم تمارس تضيع. ثانيا: مع إفتراض أن فرصتهم فى النجاح عمليا غير موجودة، ولكن ترشيحهم للمنصب يجعلهم جزءا من عملية الحوار، الذى سيجرى لحل مشاكل هذا الوطن وسيعطيهم الفرصة أن يعرضوا وجهة نظر الأقباط ضمن البرامج المختلفة التى، سنؤثر على مستقبل جميع المواطنين ومن بينهم الأقباط. وثالثا: الأمل انه بمرور الزمن أنه سيتقبل الشارع المصرى منظر وجود قبطى فى الحملة الإنتخابية وحتى وإن لم ينجح فى الحاضر ولكن قد تتحسن فرصته فى المستقبل. وهذا ما حدث للسود فى أمريكا. فمن بضع عقود كانت الفكرة بعيدة عن مجرد التصور . ولكن بمزيد الأحلام مع العمل والمثابرة قد تحقق الحلم أخيرا.

          وأنا لا أنكر أنه مع الأحلام والعمل الدؤوب فإن الذى ساعد على تحقيق الحلم هو النظام الأمريكى العظيم، الذى يبنى على الديمقراطية الحقيقية. هذه الديمقراطية ثبتت أنها مبادىء حقيقية صالحة للتطبيق والتنفيذ وتغيير مسار الحياة وهى التى فازت فى الإنتخابات الأمريكية فى ٤ نوفمبر ٢٠٠٨

          الأحلام لا تشترى بالمال وفى كل بلاد العالم الحر يحدث تشجيع للمواطنين بأن يحلموا، هذا الذى يشجع على الإبتكار الذى يدفع بالتقدم والنجاح. ولكن فى مجتمعاتنا الشرقية تحدث رقابة حتى على الأحلام فهناك ما هو مصرح به وهناك ما يحدث تحذير من جهته، وأيضا هناك تابوهات لا يسمح لك حتى أن تحلم بها وإذا فعلت تتحمل نتيجة ما تحلم به. فتستيقظ لتجد الحلم قد تحول إلى كابوس.

          والسبب فى ذلك أننا لا نعرف معنى الديمقراطية الحقيقية. ولا نعرف معنى الكثير من الإصطلاحات الأخرى التى نرددها ونسردها فى دساتيرنا وقوانيننا وخطبنا ولكنها مجرد كلام لا معنى له.

          وحتى يكون هناك مجال للمواطن المصرى أن يحلم فى أن يصل إلى أعلى منصب فى الدولة ولا يجد نفسه بدلا من ذلك ملقى فى السجن. وحتى لا يكون الطريق الوحيد للوصول للحكم هو الإنقلابات العسكرية بدلا من صندوق الإنتخابات. وحتى لا يعاقب المواطن المصرى على أحلامه بل يشجع عليها. ربما علينا أن نعدل أحلامنا فنحلم باليوم الذى تصبح فى مصر ديمقراطية حقيقية بدلا من ان تكون مجرد حبر على ورق.

 ولكن قبل ذلك يجب تدريب المواطن المصرى على فهم معنى الديمقراطية والتعود عليها وإحترامها وتقدير مسئوليتها، فما لا نحتاجه هو أن يستخدم المتطرفون الديمقراطية كسلم يصعدون به إلى الحكم ثم بعد ذلك يركلونه بالأقدام.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com