هل للمسيحى أن يأخذ القانون بيديه؟

بقلم منير بشاى- لوس أنجلوس

          المتابع لما يجرى من أحداث فى مصر فى الشهور الماضية يعلم خلفية هذا المقال. ولكن هدفى فى هذه المرة أن نبتعد عن الشخصنة فلا نتناول الأشخاص، لا بالإدانة أو التبرئة، فهذا قد تم نقاشه من قبل. ما أهدف إليه هنا هو مناقشة مبدأ يستند له من يبررون عملية القتل العمد فى ظروف خاصة ويروجون له. ولأن لهذا المبدأ خطورته لذا أريد أن نصل إلى رأى فيما إذا كان المبدأ يتمشى مع المسيحية أم يتناقض معها. هذا طبعا يهم من يؤمنون أن الإيمان المسيحي هو سلوك وحياة. أما بالنسبة لمن يفصلون بين السلوك والايمان ويعتقدون أنه فى السياسة يجب أن نترك الإيمان جانبا فكل شىء مباح طبقا للمبدأ "إللى تكسب به إلعب به" فهذا المقال ليس لهم. أكرر أن المطروح للنقاش هو المبدأ وليس الأشخاص. أرجو الإلتزام بهذا فى النقاش.

هذا المبدأ ينادى بتبرير القتل فى حالة إذا كان هناك شخصا قد إرتكب جرما تعتقد أنه يستحق عليه القتل، وأنه مع ذلك لم يأخذ عقابه من السلطات الوضعية. فطبقا لهذا المبدأ فإنه يحق لك أن تأخذ القانون بيديك، وتقتل هذا الشخص تنفيذا للعدالة كما تؤمن بها. وأنت بذلك لا تعتبرنفسك قاتلا بل منفذا لمشيئة الله فى تطبيق العدالة.

          من الطبيعى أن من يصدر مثل هذا الرأى لا بد أنه يستند على نصوص إلهية مقدسة. فالقتل ليس أمر سهلا يؤخذ بهذه البساطة. وهذا قادنى إلى البحث والتنقيب عسى أن أجد أساسا لهذا المبدأ يمكننا كمسيحيين أن نستند إليه. وفى اعتقادى أن المسيحية تترك إصدار الأحكام الجنائية وتوقيع العقوبة عليهل للدولة على أساس أن المسيح علم بفصل الدولة عن الكنيسة أو فصل ما لقيصر عن ما لله (لوقا 20: 25) و بعض الأحكام الاخلاقية التى كانت سارية فى العهد القديم مثل رجم الزانى لم يطبقها المسيح رغم تقابله مع زانيات كثيرات ولكنه لم يرجم واحدة منهن. وأنا أعلم أن الكثير من المسيحيين يرتكبون خطيئة الزنى ويعترفون لأب إعترافهم بها فيساعدهم على التوبة وينالوا الغفران من الله. ولم نسمع عن كنيسة قامت برجم زانى واحد.

والرسول بولس يطلب منا أن نخضع للحكام وللقانون الوضعى فى الجرائم وعقابها "لأنه (الحاكم) خادم الله للصلاح. ولكن إن فعلت الشر فخف. لأنه لا يحمل السيف عبثا إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذى يفعل الشر. لذالك يلزم أن نخضع له..." رومية ١٣:٤،٥

ربما الشئ الوحيد الذى علم به الرسول بولس هو سلطة الكنيسة في إصدار بعض الأحكام المدنية (وليس الجنائية) وهذه الاحكام طبعا إختيارية وليست ملزمة وتحدث عندما تكون هناك حالة ظلم من مسيحى لمسيحى آخر وهنا يطلب الرسول من الكنيسة أن تتدخل لعلاج هذا الظلم وتعطى لكل ذى حق حقه بدلا من الذهاب إلى المحاكم. فيقول "أيتجاسر منكم أحد له دعوى على آخر أن يحاكم عند الظالمين وليس عند القديسين...فإن كان لكم محاكم فى أمور هذه الحياة فاجلسوا المحتقرين فى الكنيسة قضاة ...أهكذا ليس بينكم حكيم ولا واحد يقدر أن يقضى بين إخوته. لكن الأخ يحاكم الأخ وذلك عند غير المؤمنين. فالآن فيكم عيب مطلقا لأن عندكم محاكمات بعضكم مع بعض...أم لستم تعلمون أن الظالمين لا يرثوا ملكوت الله" ١كورنثوس ٦:١-٩

          فمن أين جاء هذا المبدأ أن المسيحى من حقه أن يأخذ القانون بيده وينفذ العدالة كما يراها؟. ربما يتذكر بعضنا  ما دار فى محاكمة قتلة شهيد الكلمة المرحوم فرج فودة.

          كان فرج فودة كاتبا ينادى بالعلمانية ويدعو إلى فصل الدين عن الدولة ويرى أن تحكيم الشريعة من الرجعية لأن الزمن قد تغير. وكان يدعو إلى أن تكون الدولة مدنية بعيدة عن الدين. وقام بعض الشباب المسلم المتعصب بإغتياله. وفى المحاكمة قال محاموا القتلة إن فرج فودة مرتد عن الإسلام والمرتد فى الإسلام يقتل. وإستدعت المحكمة بعض الشيوخ ليفتوا فى الأمر وكان أبرزهم الشيخ محمد الغزالى الذى أفتى "بجواز أن يقوم أفراد من الأمة الإسلامية بإقامة الحدود (يعنى القتل) عند تعطيلها". وقال الشيخ عبد الغفار عزيز أن ما فعله القتلة كان بدافع الحمية والغيرة على الدين. وقال : إن هذا الحمية والغيرة لا تبرر القتل ولكنها لا تمنعه. وأضاف أن جريمة هؤلاء الشباب ليس هو القتل ولكن الإفتئات (التعدى) علىالسلطة. والتعدى على السلطة لا يحمل عقوبة الإعدام وهو الذى أدى بهؤلاء الشباب أن يفلتوا من حبل المشنقة.  وقد أثار الحكم حفيظة المسلمين المعتدلين واعتبروا أن القتلة الحقيقيين لفرج فودة هم من شهدوا فى المحكمة.

          ملخص القول أن المسيحية لم تنادى يوما بهذا المبدأ أى أنه من حق المسيحى أن يحكم على أخيه بالقتل وينفذ الحكم. إن مثل هذا المبدأ يفترض مبدءا آخرا خطيرا وهو أن السلطات كلها يمكن أن تتجمع فى يد إنسان واحد: السلطة التشريعية والسلطة القضائية والسلطة التنفيذية فيصبح هذا الشخص مشرعا وقاضيا وجلادا. وإذا حدث هذا قل على المدنية السلام..وقل لقانون الغابة مرحبا بك على أرض مصر.

          هل رأيتم أعزائى القراء كيف تسلل هذا المبدأ الخطير إلى تفكيرنا؟  المصيبة أنه فى الوقت الذى رأينا المسلمين المعتدلين يرفضون هذا المبدأ نجد بعض المسيحيين يتمسكون به ويريدون أن يتخذوه منهجا للحياة!!

          ربنا يرحمنا...

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com