الانقسام العميق فى مصر

 مجدى خليل   

ما يحدث فى مصر ليس خلافا عاديا بل وليس اختلافا بين كتل متنوعة،أنه انقسام عميق وحاد حول مسائل جوهرية فى السياسة وحول مستقبل الوطن، ومن ثم من الصعب حله. الاخوان المسلمون ومعهم كل التنويعات الإسلامية التى خرجت من عباءتهم والتى تدور فى فلكهم بدرجة أو بأخرى فى جانب ومعظم مكونات المجتمع المصرى الأخرى فى جانب آخر ، ولا تصلح الحلول التوافقية أو التنازلات للوصول إلى حل وسط، نحن أمام طرق مختلفة تماما وتوجهات مغايرة بل ومتصدامة، وهناك العديد من أوجه هذا الانقسام:

اولا:الانقسام حول اكتمال الثورة، فالاخوان وحلفاءهم يجزمون بأن الثورة انتهت ونجحت بوصولوهم للحكم عبر صناديق الأنتخابات، ويرون بالتالى أن ما يحدث هو فوضى وتعدى على الشرعية، فى حين يرى صناع الثورة الحقيقيين أن الثورة لم تكتمل وأنها اختطفت من القوى الإسلامية لمحاولة تغيير اتجاهها واهدافها بل والذهاب بها إلى طريق يعادى الاهداف التى قامت من آجلها، ولهذا يرى الثوار أن شرعية الثورة قائمة والنضال الثورى مستمر حتى يتم اعادتها لمسارها الصحيح لصالح الشعب وليس لصالح جماعة دينية.

ثانيا:هناك انقسام حول حدود سلطة الصندوق، فالاخوان يتصورون أن الأنتخابات منحتهم تفويض كامل للسيطرة على كل شئ،هم يرون أن الأنتخابات غزوة والحكم غنيمة ويتصرفون على هذا الاساس، وقد نجحوا بالفعل فى تمرير دستور يؤسس لإستبداد جديد وعدد من القوانين المعيبة مثل قانون الاحزاب وقانون الأنتخابات وقانون حماية الثورة، وقد ترتب على هذا الخطأ فى التصور عدد آخر من الخطوات التى تمهد لفاشية دينية قد تطيح بكل مقومات الدولة المصرية فى سنوات معدودة، فى حين يرى العقلاء أن تفويض الصناديق هو تفويض مؤقت ومقيد بسلطة القانون وبرضى الشعب،

فإذا قام المنتصر فى الأنتخابات بإصدار قوانين تؤصل لسلطة مستبدة ففى هذه الحالة تسقط شرعيته وشرعية هذه القوانين أو الدساتير وتعود السلطة مرة أخرى للمربع الاول وهو الشعب، ولهذا نشأت فى الادبيات السياسية ما يسمى ب " سلطة المجتمع المدنى"، فالمجتمع المدنى بفضائه الواسع هو المعبر عن نبض الجماهير فى الفترات التى تفصل الأنتخابات،والمجتمع المدنى يراقب ويقيم اداء السلطة، وعندما تخرج الجماهير الحاشدة للشوارع معترضة على سلوك السلطة المنتخبة فعلى هذه السلطة أن تستمع وتنفد إرادة الشارع أو تدعو لإنتخابات جديدة، وإن لم يحدث هذا فيكون من حق الجماهير إسقاط السلطة، وهذا هو مفهوم الثورات، فعندما يحدث إنسداد يمنع تحقيق رغبة التيار الرئيسى يكون ذلك قمعا يشرعن لثورة على هذا القمع، فلا يوجد فى الديموقراطيات الصحيحة شئ أسمه التفويض الكامل ولا السلطة المطلقة، فالسلطة المطلقة هى مفسدة مطلقة كما يقول لورد اكتون.

الديموقراطية والانتخابات كلها أمور جاءت من آجل المواطن ولخدمة المواطن بل الدولة ذاتها خلقت من آجل المواطن وليس المواطن من آجل الدولة،فمن حق المواطن اسقاط الدولة القمعية أو الفاسدة أو المستبدة وليس النظام فقط، ففى كثير من الأنظمة القمعية تتماهى مؤسسات الدولة مع النظام القمعى فتصبح جديرة بالسقوط والتهاوى والتفكيك.

ثالثا: الانقسام حول الثوابت الوطنية، فالاخوان تصوروا أن الأنتخابات اعطتهم شرعية وتفويض لضرب الثوابت الوطنية، وقد اطلعت على محاضر رسمية، ارسلها لى صديق سعودى، لاجتماعات الرئيس مرسى مع رئيس الوزراء القطرى حمد بن جاسم ووجدت بالفعل أن كل ما ردده المصريون هو حقائق واردة بمحاضر رسمية،

فعلا الرئيس مرسى تفاوض مع القطريين على منحهم منطقة شرق التفريعة الهامة، ونعم وافق مرسى على بيع شركة الحديد والصلب بحلوان للقطريين، وعلى تأجير صالة هامة بمطار القاهرة الدولى لهم، وعلى منح شركة ديار القطرية مناطق هامة بالغردقة وشرم الشيخ، وفعلا استثنى قطر من حظر التملك فى سيناء، وفعلا كما هو واضح هناك خطة اخوانية لتطفيش المستثمرين فى الغردقة وشرم وسيناء لصالح القطريين والاخوان، وفعلا ينسق مرسى معهم فى موضوع سوريا، وفعلا وعدهم باراضى شاسعة لإنشاء مدينة سياحية كاملة على ساحل البحر الاحمر وأخرى على ساحل البحر المتوسط بمرسى سياحى خاص، وهذه المحاضر ممهورة بتوقيع المسئولين فى مصر وقطر ومؤرخة بتواريخ فى شهر ديسمبر2012 ،كما أن الصكوك الإسلامية هى أداة جديدة للتفريط فى الاصول المصرية، علاوة على لقاءات مدير المخابرات القطرية مع جماعة الاخوان خارج الاطار الطبيعى لمؤسسات الدولة، كل هذا يتم بدون موافقة أو استشارة مؤسسات الدولة.

وإذا عدنا للتنازلات التى قدمها مرسى للأمريكيين فى موضوع غزة وسيناء سنكون إزاء رئيس تصرف بمعزل عن الثوابت الوطنية ومتطلبات الأمن القومى وبدون العرض على المؤسسات الشعبية، وهى امور لم يجرؤا عليها رئيس مصرى آخر.

رابعا: الانقسام الخطير حول هوية الدولة وعلاقة الدين بالسياسة، فالاخوان لا يعترفون بالدولة القومية ولا بالدولة الوطنية ولا بالدولة الحديثة،فى حين أن الثورة قامت اصلا على ارضية الدولة الحديثة ومن آجل إصلاح مؤسساتها وشئونها لصالح جموع المصريين.وهناك ازدواجية خطيرة وصلت إلى أعلى منصب سياسى، فهناك رئيس وهناك مرشد، والعجيب أن الرئيس قدم البيعة للمرشد يوما ما، ومعنى ذلك أن سلطة المرشد وموقعه يفوق سلطة الرئيس على نمط النظام الإيرانى، وهى امور لا يقبلها المصريون.

خامسا: الانقسام حول حصة الاخوان فى الوظائف العامة، فقد تصور الاخوان أن مصر ملكية خاصة لهم ومن ثم افرطوا فى منح أنفسهم المناصب بدون رقيب ولا حسيب وبدون مراعاة لقواعد العدالة والكفاءة والمواطنة، فالمواطنة تعنى التساوى الكامل فى فرص التوظف للجميع بناء على معيار الكفاءة وليس الجدارة المبنية على الثقة فى العشيرة، وهذا الخلل بالتأكيد سيؤدى إلى حالة غبن وغضب واسعة ستنفجر فى وجه السلطة طالما أن قواعد العدالة غائبة.

سادسا: الانقسام حول آليات التغيير ذاتها، فالاخوان مصرون على البقاء فى السلطة حتى تتم خطة التمكين وتفكيك مؤسسات الدولة وإعادة بناءها لصالح جماعتهم كما حدث فى غزة وفى إيران، وهم يتصرفون وكأنهم الوحيدين فى الساحة السياسية، ولم يتركوا للمصريين وسائل للمشاركة فى صنع مستقبل بلدهم، وأيضا لم يتركوا للشارع وسائل سلمية للتغيير، وبالتالى لم يبقى سوى القوة والعنف، وهم يمتلكون الكثير منها ويعملون بهمة من آجل السيطرة على مصادر القوة الصلبة فى مصر.كل هذا سيجعل الطرف الاكثر عددا  سيقمع أو سيتجه للفوضى للتعبير عن سخطه على طغيان الأقلية وعلى هذا التجبر الاخوانى.

واخيرا: الانقسام حول رؤية الحقيقة، فالاخوان يرون أنهم يملكون ناصية الحقيقة وناصية الإسلام الصحيح، ووفقا لهذا الفهم المغلوط اعتبروا انفسهم مفوضين من قبل الله  للتحدث بأسم الإسلام وحمايته، ورغم أن هذا وهم كبير إلا أنه وحتى لو افترضنا صحته،فأنه يأخذ السياسة والدولة إلى منحى آخر ومنطقة أخرى. نحن نتكلم عن دولة لها قواعد فى الإدارة وليس عن دين تحكمه الغيبيات الايمانية والعلاقة الشخصية بين الإنسان وربه. المصريون يحتاجون لمن يدير دولة بكفاءة ولا يحتاجون مطلقا لمن يعلمهم الدين لأنهم متعمقون  فيه بدرجة لا تحتاج لأى مزايدات.

لكل هذا تبقى السيناريوهات المطروحة فى مصر أما تمكن الاخوان من السيطرة الكاملة على السلطة والدولة وأما تمكن القوى الثورية من اسقاط حكمهم.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com