جبهة الانقاذ بين الانتحار السياسى والإنقاذ الوطنى
   
د. حسام عبدالله
 
اعلم اننى بكتابة هذا المقال قد اغضب عدد ليس بالقليل من الاصدقاء ورفاق الدرب، قد اغضب قيادات وشخصيات عامة اجلها واحترمها ومازلت اعتبرها القيادة الرئيسية لاستكمال اهداف الثورة المصرية. وقد اغضب ابنى وابنتى اللذين تركا كل شئ واقاما بمصر منذ اندلاع الثورة وما زالا "مصرين" على استكمالها هم والعديد من الشباب والاصدقاء الذين ارتبطوا بهم وبى شخصيا سواء فى لندن ام فى القاهرة. وقد تمت كتابة هذا المقال قبل صدور قرار المحكمة الادارية بخصوص احالة قانون الانتخاب الي المحكمة الدستورية العليا ووقف العملية الانتخابية، وهو القرار الذي يعد بلا شك مكسبا للحركة الديمقراطية، الا انني مازلت مقتنعا بان القضايا التى اطرحها في مقالي هذا علي نفس القدر من الاهمية سواء تمت العملية الانتخابية في موعدها أو في موعد آخر.
  
والقضية التي اود ان اناقشها هنا هي قرار جبهة الانقاذ بمقاطعة الانتخابات البرلمانية والذي اعتقد انه بمثابة الانتحار السياسي حال استمراره. اقول هذا وأنا مقتنع تماما ان
هذه الانتخابات سوف تتم تحت اشراف حكومة منحازة للاخوان المسلمين، وكذا تجرى بدون رقابة محلية او دولية ذات اعتبار او حيثية، وان مكتب الارشاد سوف يستعمل كافة الوسائل، بما فيها التزوير ربما، لضمان النتيجة لصالحهم.
 
قد يكون الرئيس مرسى فقد شرعيته منذ ان عاد من مفاوضات غزة التى وافق فيها على الطلبات الاسرائيلية كاملة، باعتبار ان امن غزة والتحركات العسكرية هى مسئولية مصر وليست فى يد الفلسطينين، فاحتفلت به الصحافة العالمية بشكل عام والامريكية بشكل خاص معلنين الرضاء الكامل عنه بعد ما قدم اوراق اعتماده. وبهذا استطاع مرسي اصدار إعلانه غير الدستورى ليبدأ المشروع الاخوانى في السيطرة على الدولة.
  
يقول البعض في تبرير مقاطعة الانتخابات ان خوضها يعنى اعطاء الاخوان والرئيس مرسى الشرعية الكاملة، وبالذات انهم يفعلون كل شئ من اجل اكمال عملية التمكين السياسية بالسيطرة على البرلمان. ولكن هذا القول يتجاهل ان الشرعية السياسة لا تكتسب الا برضاء الشعب، بمعنى اصح فان تزوير الانتخابات يفقدها شرعيتها سواء شاركنا فيها ام لم نشارك. وعلى العكس فان المشاركة هي التى تكشف التزوير وتثبت فقدان الشرعية، وفي المقابل فان ضرورة التزوير تنتفي حال عدم المشاركة.
         
سيسعي الاخوان بكل الامكانيات إلى كسب هذه الانتخابات لأن خسارتها تعنى هزيمة مشروعهم السياسي. ونحن جميعا نعلم ان شعبية مرسى والاخوان فى تناقص مستمر، والهجوم عليهم يتسع كل يوم مما ينبئ انه فى غياب التزوير، وفي حال توحد قوى الجبهة فإن احتمالات نجاح القوي الديمقراطية المعارضة لحكم الاخوان عالية، والتزوير يمكن ايقافه او التقليل من آثاره بالمشاركة الواسعة لشباب الثورة فى كل مكان للاشراف على الصناديق والتصدي لكل اشكال التزوير، بل وتوظيف طاقاتهم فى حشد المواطنين الراغبين في التصويت للمعارضة، وحثهم على الخروج للتصويت وتمكينهم من الوصول لصناديق الاقتراع. واذا كان مؤيدو الاخوان "حيروحوا بدرى .. نروح احنا بدرى عنهم"، ذلك ان المشاركة فى هذه العملية تؤدى حتما الى مزيد من وحدة قوى الثورة والتحامها من خلال هذه المعارك.
            
شاركت قوي جبهة الانقاذ فى الاستفتاء على الدستور فى آخر لحظة، وعلى الرغم من هذا التأخر وكل التجاوزات التى حدثت فلقد حازت القوي المعارضة للدستور على ٣٦٪ من اصوات الناخبين، وذلك على الرغم من ان الكثير من مؤيدي القوي المدنية لم يذهب للاستفتاء. وعلى الرغم من هذا فإننا لم نعط لهذا الدستور اي مصداقية او شرعية، فهو كان ومازال فى اعيننا واعين الكثير من ابناء شعبنا دستورا غير شرعي ولد سفاحا. لقد حصلت القوى المدنية على ربع البرلمان حين كان الاخوان فى اوج قوتهم، وكانت مذابح محمد محمود ومجلس الوزراء تجرى على قدم وساق، فكيف بنا نمتنع عن النزول والصراع ضدهم فى كل مكان وهم فى اوج ضعفهم الان، وبعد سقوط القناع عن توظيفهم للدين لتحقيق احلامهم فى الاستيلاء على السلطة. وهاهى انتخابات الاتحادات الطلابية بطول البلاد وعرضها تنتصر للقوى المدنية على الرغم من ما فى لوائح الطلاب من عوار، وعلي الرغم من المحاولات رشوة الطلبة بالملازم وغيرها.
      
لقد اكتسبنا وجودا سياسيا فى البرلمان السابق وظهر من بيننا قيادات برلمانية رفعت لواء المعركة السياسية داخل البرلمان، و فى حال عدم اشتراكهم في الانتخابات هذه المرة فان احتمالات فوزهم بعد اربع سنوات تكون اقل، حيث ان أى نائب جديد منتخب بدلا من نائب الانقاذ سوف يسعى الى تكثيف وتعميق وجوده السياسي والمحلى، وبذا تصبح امكانية هزيمته فى المستقبل اصعب. ذلك بالاضافة الى ان المعارضة البرلمانية ستكون فى يد حزب النور وحزب مصر القوية وغيرهم من الاطياف الاخرى للتيار الاسلامى، بالاضافة لاعضاء وقيادات من الحزب الوطني السابق، ولذا فالمعارضة البرلمانية ومن ثم السياسية ستكون خارج نطاق القوى الثورية والمدنية.
           
ولعلنا جميعا نعلم ان جبهة الانقاذ لا تحرك الشارع المصرى وان كانت شعاراتها واهدافها تتطابق مع شعاراته، فهى تؤثر فيه وتتأثر به ولكنها لا تسيطر عليه ولذا فعلي الجبهة ان تستمر كالمعبر السياسى عن الشارع الثورى فى مصر، فمعركة الجبهة هى محاولة الوصول الى السلطة لتنفيذ مطالب الثورة، وهذا يتأتى بالعمل فى جميع الاتجاهات. فنحن فى الشارع مع الاضرابات والاعتصامات، وهي التى تعطينا الزخم، ونحن فى المحاكم نتصدي للقوانين الجائرة، ونحن في النقابات نناضل من اجل استقلال الحركة النقابية، ونحن في الانتخابات النيابية نحارب الديكتاتورية الدينية ونتمسك بشعارات الثورة ومدنية الدولة، رافضين للدستور، رافضين للحكومة، رافضين لحكم المرشد.
          
ان حالة السيولة السياسية والامنية في العديد من المدن على طول البلاد وعرضها، ناهيك عن حالة الرعب والمواجهات واستعراض القوى بين البوليس والالتراس، وانسحاب البوليس من بورسعيد وحالة الفوضى العامة، ينبئ بان احتمالات اجراء الانتخابات قد يكون من المستحيل، وخاصة ان الرئاسة وحركة الاخوان والحكومة يتصرفون وكأن ما يحدث فى البلاد لا يخصهم. فالتمكين الشامل عبر انتخاب برلمان موال هو شغلهم الشاغل، ولذا فان غياب جبهة الانقاذ، كعنوان واضح وصريح لافشال مشروع التمكين، يشكل خطرا داهما على مستقبل الثورة المصرية.
        
ان نزول الانتخابات، حال حدوثها، بشعارات مؤيدة للشارع يضيف زخما ولا يعطل الحالة الثورية. والمشاركة في الانتخابات تتم أيضا من اجل وباسم شهداء الثورة، ومن أجل ان يكون لهم صوتا يمثلهم ويسعى لتحقيق المطالب التى استشهدوا من اجلها بالسعي للوصول الي السلطة. ان حالات الاعتصامات والاضرابات والعصيان المدنى فى بعض المحافظات هى عمل ثورى مشروع، وهى تعبير عن رفض شعبى ورغبة عارمة فى التغيير، ولكن فى حال غياب قيادة سياسية تأخذ بزمام هذه الحركة، تكون النتيجة حالة من الفوضى العارمة التى تستدعى نزول الجيش مرة اخرى الى الشارع السياسي المصرى، الامر الذي يؤدى إلى احلال الديكتاتورية العسكرية محل الديكتاتورية الدينية والعودة الى المربع الأول. ولذا وجب خلق تلاحم بين القوى السياسية، وعلى رأسها جبهة الانقاذ، وبين الشارع المصرى لفرض البديل السياسى لحكم الاخوان.
ان تحقيق اهداف الثورة لن يحدث ما لم تصل قوى الثورة الى سدة الحكم، وعليه فالبديل لسيطرة الاخوان ليس إسقاط الدولة او إعادة الديكتاتورية العسكرية، التى قد تأتى هذه المرة بتأييد شعبي لغياب البديل السياسى، بل هو جبهة للانقاذ تكون عنوانا واضحا للعيان متحدا فى المعارك وقادرا على استلام السلطة، فالهدف هو تغيير الحكم بما يحمى الحرية و يحقق العدالة الاجتماعية.
         
ان مقاطعة جبهة الانقاذ للانتخابات لاقيمة له الا بمقاطعة شعبية واسعة تخفض الاقبال علي صناديق الاقتراع لاقل نسبة ممكنة. فاذا كانت الجبهة مصرة على المقاطعة فلا بديل من حملة سياسية واعلامية ضخمة فى كل مكان، بنفس التكلفة التي كنا سننفقها على العملية الانتخابية برمتها وعلى المرشحين، بل واكثر، حملة نعلن من خلالها بوضوح وببساطة لماذا نقاطع، حملة ندعو فيها كل ابناء الشعب إلى عدم الذهاب الى صناديق الاقتراع، حملة شعبية لحصار المقار الانتخابية لاقناع الآخرين بعدم الاقتراع، حملة نتقدم فيها ببرنامج واضح ومحدد لكيف يمكن للوطن الخروج من ازمته وكيف يتم بناء المستقبل. بكلمة واحدة علي جبهة الانقاذ ان تتقدم بمشروع الانقاذ والبناء، ولهذا فالسؤال لجبهة الانقاذ هو: هل نقدر--بصدق-- على تنظيم مثل هذه الحملة؟ بغير ذلك تكون المقاطعة عملا اجوفا، قد يرضى ضمائر البعض ولكنه لايعبر عن اى مفهوم ثورى، فهو ببساطة يضيع ما استشهد من اجله شبابنا ويسلمه، جملة وتفصيلا، لقوى الظلام التى تريد اعادة الديكتاتورية مرة اخرى مستبدلة الحزب الوطنى بالذين يستخدمون الدين للسيطرة على حال العباد.
                
ان البلاد تمر بحالة احباط غير عادية، وكل من ناصر الثورة يحس بغصة فى الحلق والم فى الصدر وهم يرون الاخوان يفرضون حكمهم خطوة بخطوة، ويتحدون اى قوة تحاول الوقوف فى طريقهم، بعد طبخ الدستور واكمال عملية الاستيلاء الكامل على مقدرات البلاد، عبر انتخابات تتجاهل كل القواعد الديمقراطية، وتضرب عرض الحائط بالقانون والهيئة القضائية. وربما كان كل هذا متوقعآً ولا يؤدى إلى الاحباط ، الا ان غياب قوى مدنية متحدة وقادرة على تحدي الإخوان فى كل منعطف يسلكون، وإعلان هذه القوى مغادرة المعركة والمواجهة، هو الذي يصيب الشعب باشد انواع الاحباط. من البديهي ان يتم وضع الصعوبات لعرقلة طريقنا وامكانيات نجاحنا، و لكن ما هى الثورة ان لم تكن تحدى هذه العقبات وهزيمتها؟ ان نزول القوى الثورية للانتخابات انما هو لتحقيق اهداف الثورة وليس للتكسب منها، والشباب الذى يتحرك ويعطى كل ما يملك من اجل ثورته هو الكفيل بحمايتها ومنع عمليات التزوير والانحياز للاخوان.
       
ان اسقاط المشروع الاخوانى يسير فى خطين متوازيين: الشارع والصندوق.

© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com