فرنسا وبريطانيا: الحج والناس راجعة

نضال نعيسة

على ما يبدو، أو هكذا يلوح، على الأقل، فقد خرج الفرنسيون، والبريطانيون من “مولد” التسوية، والاتفاق الروسي الأمريكي، بلا “حمـّص”، وصفر اليدين، بعد انخراط محموم ودؤوب بالشأن السوري، أو يعتقد أن الصفقة قد تمت بين القطبين الدوليين الأعظم بالتسليم الأمريكي لموسكو بنفوذ دائم وقوي في المنطقة، عكستها تصريحات، أول من أمس الأمريكية لجون كيري حول رغبته في رؤية مفاوضات سلمية في سوريا، وجلوس فرقاء الصراع على طاولة الحوار، وجاءت تصريحات فكتوريا نولاند الناطقة باسم الخارجية الأمر لتزيد من مواجع “المعارضة” وحلفائها، وتؤكد كلام كيري، حين فسـّرت بيان جنيف وفقاً للرؤية الروسية، تماماً، التي تستبعد أي تطرق أو مجرد الحديث، عن شخصنة الصراع، وبالتالي تحديد مصير القيادة السورية. وهذا ما يشكـّل بحد ذاته، تحولاً جذرياً أمريكياً في مسار الأزمة، ينحو، تماماً، باتجاه الحل السلمي، الذي يسقط معه أي خيار عسكري بعدما بدا عقم، ولا جدوى، وعبثية هذا الخيار، وبعد أن أعطت واشنطن الفرصة تلو الفرصة لـ”مقاتليها” على الأرض للحسم، لكن دون جدوى، وظلت الأفضلية والتفوق للجيش الوطني السوري، وباءت كل محاولات “تحرير” دمشق بفشل ذريع، جعل الأمريكان أقرب إلى منطق التسليم بالأمر الواقع، والإعلان عن هذا التحول المفاجئ والانصياع للواقع والكف عن المكابرة، الذي يعكس في طياته، شبه توافق، كي لا نقول اتفاقاً، بين الجانبين الأمريكي والروسي.

وفي خطوات إعلامية نارية تصعيدية، من جانب فرنسا، وبريطانيا، تعكس حالة الإحباط واليأس والخيبة لديهما، قالت هاتان الدولتان، بأنهما ستزودان المعارضة السورية بالسلاح، حتى خارج نطاق اتفاق أوروبي حول الموضوع، وخارج كل أطر وهياكل الاتحاد الأوروبي ومؤسساته الرسمية، التي تتحفظ دول كثيرة منها على هذا الأمر، ما يعكس بدوره، شروخاً عميقة ومتباينة فيما بين الأوروبيين، أنفسهم، حيال الموضوع السوري. لكن من الجدير ذكره، وبعيداً عن هذا التصريح الذي يبدو كوسيلة ضغط، وللاستهلاك الإعلامي ليس إلا، أنه في الحقيقة، وعملياً، لم تتوقف لا بريطانيا ولا فرنسا، أو تلك الدول الداعمة للمعارضة المسلحة، مجتمعة، عن تزويد هذه الأخيرة بالسلاح، منذ عسكرة “الثورة” قبل أكثر من عام ونيف على اندلاع الأحداث سوريا، أي أن الأمر تحصيل حاصل، ولن يغير شيئاً في معادلة الصراع، ويبدل من توازن القوى على الأرض. وفي الحقيقة، لقد ذهبت الدول الداعمة للمعارضة المسلحة، إلى مديات قصوى وبعيدة في تزويد “المعارضة المسلحة” بشتى أنواع السلاح التي رأيناها على الأرض، وتحفل مواقع و”تيوبات” الثوار بها، لكنها لم تفلح في كسر شوكة الجيش الوطني السوري، أو تنجح في إحداث تحول عسكري نوعي يعطي أية أفضلية لـ”الثوار” على أرض الواقع. وقد خرج الوزير الروسي أمس عن دبلوماسيته، بما يشبه “التقريع” والتأنيب لزميله البريطاني ويليام هيغ حين قال له، إن تزويد المعارضة السورية بالسلاح هو انتهاك للقانون الدولي، أي باللغة البسيطة والعادية أنت “بلطجي” وقاطع طريق، وخارج عن القانون الدولي يا مستر هيغ، وهذه الكلمات لها مغازيها، وحساباتها الدقيقة، ورسائلها التي لا تخطئ ولا تخيب في المعايير الدبلوماسية والعلاقات الدولية، وتسجيل نقاط ومواقف في مرمى الخصوم والمنافسين يتم قطفها لاحقاً.

بكل الأحوال، وطالما أن فرنسا، وبريطانيا لن تدفعاً قرشاً، واحداً من أثمان السلاح، بوجود ممولين و”أشقاء” عرب، وكل الحمد والشكر لله، يتولون هذا الأمر، وطالما أنهما لا تفقدان جندياً واحداً في المعارك، فلا مانع البتة من الاستمرار، والمضي في التسعير والتسخين وتحقيق ما يمكن تحقيقه، لكن تبدو هاتان الدولتان في حال ينطبق عليه المثل الشعبي الساخر المعروف القائل:” يطعمك الحج والناس راجعة”، كناية عن التقصير أو عدم جدوى القيام بمهمة وعمل ما، لمضي وقته وزمنه وكونه أصبح من الماضي، ولسببين جوهريين، ها هنا، أولاً لجهة النية والرغبة والاتجاه الدولي الواضح والحازم لـ”الحسم” الحواري والتفاوضي السلمي، الذي ظهر وتبدى في المواقف الأمريكية المفاجئة أول من أمس، وثانيا لعجر الثوار بكل ما قدم لهم من سلاح حتى الآن عن تحقيق أي نصر أو إنجاز عسكري، مع كل ما أرسل لهم من سلاح نوعي، ومتطور، حتى الآن.

وحجاً مبروراً، وسعياً مشكوراً


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com