دهان على وبر ما ينفع الجربان

بقلم شكري بسطوروس – لوس انجيلوس

هذا مثل عربي قديم من البيئة البدوية، فالجمل المصاب بالجرب لن يفيده الدواء – الدهان – إذا وضع على وبره، بل يجب وضعه على الجلد مباشرة حتى يدخل إلى انسجة الجلد وبالتالي يتم الشفاء.

يمكن تطبيق هذا المثل على تحديين مصيريين أمام مصر هذه الايام.

الاول هو مواجهة الدولة للاخوان وحربها على الارهاب، فرغم ان الجهود المبذولة لا بأس بها إلا انني لا اظنها تنجح طالما ظل السلفيون هم الطفل المدلل للحكومة المصرية. فأيدلوجية السلفيين لا تختلف عن مثيلتها الاخوانية إلا في كونها اكثر تشدداً وجلافة وتخلف، ومع هذا فكلمتهم مسموعة في مؤسسات الدولة العليا مما يثير كثير من الدهشة، على سبيل المثال كان لممثل حزب النور السلفي ما يشبه حق الفيتو عند وضع خارطة الطريق في 3 يوليو 2013 عقب الاطاحة بمرسي! واليوم مازال له هذا الحق في لجنة الخمسين المكلفة بصياغة دستور جديد بالرغم من ان ذلك الحزب كان رائد صياغة المواد المتخلفة والمتشددة في دستور 2012!

يتساءل المرء لماذا تتغاضى القيادة المصرية الان عن كل خطايا السلفيين السابقة والحالية؟ ألم يكونوا شركاء الاخوان منذ بداية حكمهم بل وقبله؟ من رفض المشاركة في مظاهرات 30 يونيو وما تلاها معتبرا انها انقلاب على "الشرعية" مهدداً بتحويل مصر إلى حمام دم؟ من المسئول عن حالة الشحن الطائفي وبث روح الكراهية والتعصب وضيق الافق السائدة في الشارع المصري اليوم؟ أليست كلها من صنع السلفيين الذين نشروا افكارهم الوهابية من خلال قنواتهم الفضائية ومنابر المساجد؟ أنظر إلى الجرائم التي ارتكبت عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة، ستجد ان الاف السلفيين شاركوا في ارتكابها. يكفي ان تنظر لصور وفيديوهات حرق الكنائس او اقسام الشرطة او الى مظاهرات الاسلاميين بعدها لتجد ان اعداد غفيرة من المشاركين فيها هم ممن "اطلقوا اللحية وحفوا الشارب". بل من الذي يقتل الاقباط ويحرق بيوتهم ويخطف بناتهم ويأسلمهن؟ من قتل وسحل المسيحيين وفرض عليهم الجزية في دلجا وكرداسة وغيرهما إلى اليوم؟ ألا تعلم القيادة المصرية أنه لا فرق بين اخواني وسلفي خصوصاً في القرى والمناطق الفقيرة. بل يسميهم رجل الشارع العادي "السُنيّة " لأن لهم نفس الفكر والكلام والتصرفات؟

فهل تريد القيادة المصرية الحالية اقصاء الاخوان فقط من المشهد السياسي ام التأسيس لدولة مدنية حديثة؟ مع الاسف يبدو جلياً أن الرغبة هي اقصاء الاخوان بدرجة ما عن دوائر الحكم وتقريب اخرين من فصيل من نفس العينة بهدف ارضاء الاسلاميين والغرب معاً. ولكن هذه الخطة لن تنجح لأن فكر السلفيين – كما اسلفنا - أكثر تشدداً. فهم من حملوا صور بن لادن واعلام تنظيم القاعدة في مظاهراتهم ولهم مجاهدينهم في سيناء وسوريا وغيرهما! هذا دهان على وبر!!

يبدو ان قيادات الدولة المصرية لا تتعلم من دروس الماضى، لقد فشل السادات وبعده مبارك في لعبة التوازنات هذه ودفع ملايين المصريين – ولا يزالون - اثماناً باهظة لهذه السياسات البهلوانية التي ادت إلى عدم الاستقرار السياسي والفشل الاقتصادي ودفعت الناس باتجاه الدين كمنقذ. وبالنهاية تحولت مصر إلى التدين الشكلي الذي اصبح مشروعاً قومياً! واصبحت الثقافة الدينية السائدة تدعو كل واحد إلى اصلاح المجتمع - ظاهرياً وبطريقة فجة وضحلة (مثل تغطية شعر المرأة - اطلاق لحية الرجل وتقصير جلبابه – عدم المجاهرة بالافطار في رمضان - قتل الخنازير - رفض بناء الكنائس وهدم ما هو قائم لأنها رمز للكفر). هذا في الوقت التي تضاءلت فيه الدعوات لئن يبدأ كل فرد باصلاح نفسه، فضاعت قيم اساسية لبناء اي مجتمع صحيح وقوي، كالعمل والامانة والتعاون وقبول الاخر واحترام القانون وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية. هل تعلم ان المجتمع المصري المتدين هو صاحب ثاني اسوأ سجل في التحرش الجنسي بعد افغانستان؟! هل تصدق ان هذا المجتمع المتدين لا يحترم ابسط القوانين، فاصبحت مخالفة قوانين المرور والمباني بالاضافة إلى الغش في الامتحانات والرشوة من الامور العادية بل صارت حقاً مكتسباً! ففشل التعليم وتدهورت الرعاية الصحية وضعف الاقتصاد وساد الفساد وعمت الازمات، وسكن ملايين المصريين في المقابر وأكل اخرون من القمامة.

إذن ما الحل؟ الحل هو التحدي المصيري الثاني: التنمية الشاملة. واول ما يلزمها هو بناء دولة مدنية حديثة تستخدم منجزات العلم الحديث وعلوم الادارة وسيادة القانون والشفافية واحترام حقوق الانسان كادوات لإدارة الدولة. دولة يكون فيها العلماء هم صفوة اساتذة الجامعات ومراكز البحوث وليس الفقهاء! إن خلصت النوايا، فأمام قيادات الدولة فرصة تاريخية لتحقيق ذلك بسبب رفض الشعب لحكم الاخوان.

أهم جزء في هذه التنمية الشاملة هو التنمية الاقتصادية. لقد ثار المصريون في يناير 2011 مطالبين اولاً بالخبز " عيش، حرية، عدالة الاجتماعية". ما لم يشعر الناس بتحسن - ولو طفيف ولكنه مضطرد - في احوالهم المعيشية، فالثورة قادمة لا محالة. لن ينتظر الشعب طويلاً.

تحسن الاقتصاد يحتاج قبل كل شيء إلى استقرار امني. أفهم عدم استقرار الامن في سيناء بسبب وجود الاف الارهابيين الذي سمح لهم مرسي بالعودة والنشاط هناك. ولكني لا افهم انهيار الامن في الصعيد خصوصاً المنيا فيما يتعلق بالاقباط! مازالت سياسات الدولة الفاسدة لا تلقي بالاً للاعتداءات على الاقباط ،إذ تستخدمهم ككبش فداء في مواجهاتها مع الاسلاميين معتبرة الجرائم التي يرتكبونها بحق الاقباط نوعاً من التنفيس الآمن لأنه لا يطال اجهزة الدولة! متى تتغير هذه السياسة العفنة؟ ألا تدري قيادات الدولة الاثار الاقتصادية لما يحدث هناك على الدولة كلها وعلى صورة مصر في الداخل والخارج وبالتالي على الاستثمار والسياحة؟

مرة اخرى نقول ان ارادت القيادة المصرية مشروعاً قومياً يلتف حولة المصريون فلابد ان يكون التنمية الشاملة. اي ان يتحقق للمواطن قدر مرضي من الدخل يتناسب مع امكانياته وكذا قدر مناسب من التعليم والرعاية الصحية واخيراً حصة من احترام آدميته داخل وطنه بما في ذلك مشاركته في اتخاذ القرارات العامة. لن يجدى - على المدى البعيد - وضع بعض الثوار فى مراكز صناعة القرار أو في البرلمان لأن ذلك لن يخفف من آلام أو يحقق تطلعات الناس التي تبحث عن حياة كريمة.

عن نفس الموضوع يقول المفكر والكاتب الصحفي سامح فوزي: "درس التاريخ واضح. الناس لا تثور إذا كانت هناك ديمقراطية وتنمية، الأولى تجعلهم صانعى قرار، والثانية تمنحهم العدالة الاجتماعية. المسألة تحتاج ــ كما يظهر من خبرات الدول الأخرى ــ إلى هندسة سياسية واقتصادية وقانونية، يكون محورها الأساسى هو المواطن، وتطرح حلولا للمشكلات الجوهرية التى يعانى منها فى مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والإسكان."

ثم يكمل: "مصر الآن على أعتاب طريقين لا ثالث لهما. الأول: أن تعود إلى نمط العلاقات الذى ساد نظام مبارك، وتنهض التحالفات السياسية والاقتصادية القديمة، ويعود جهاز الدولة إلى ممارسة دوره كما كان، حتى إن اختلفت الوجوه أو جرى " تهجين " نخبة جهاز الدولة ببعض الوجوه الثورية. الثانى: أن تظهر الدولة الديمقراطية التنموية، التى لا تستبعد أحدا من أبنائها، وتستند إلى معيار الكفاءة فى تولى الوظائف العامة، وترفض مبدأ الأهل والعشيرة الذى ساد فى عهد مرسى، ويسود الآن فى أروقة الحكومة، واللجان والهيئات المتنفذة فيها، وتعلن مشروعا قوميا ذى أهداف تنموية، وعوائد يستفيد منها كل أبناء الشعب. كلا الطريقين لهما أنصار، وقد يلتقيان فى مرحلة وسط يتوقعها أساتذة مرموقون فى العلوم السياسية مثل "لارى دايموند" فيما يطلق عليه "النظام الهجين" نصف ديمقراطى، ونصف مستبد، مما يمهد لحراك شعبى أكبر فى اتجاه الديمقراطية، ليس فقط بمعناها السياسى ولكن أيضا بمضمونها الاجتماعى والاقتصادى والثقافى."

السؤال المفصلي هنا: هل ستغير القيادة المصرية عقيدتها بتحويل مصر إلى دولة ديمقراطية تنموية ام ستميل إلى النظام الهجين بكل ما عليه، والذي نرى ملامحه تتبلور في الافق مما ينذر بثورة جديدة؟!


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com