قلوب تفيض بحب مصر

نشرت جريدة الموندو الأسبانية فى عددها الصادر يوم ١٩ أكتوبر حديثا جميلا مع الراهبة الأسبانية عادلة بلانس التى وصلت الى قرية البياضية بمحافظة المنيا فى منتصف عام ١٩٥٦ وكرست حياتها حتى يومنا هذا لخدمة أهالى القرية من الأقباط أيا كانت ديانتهم مسلمين أم مسيحيين. وقد عملت الراهبة مع مدرسة القلب المقدس طوال ٥٧ عاما لتعليم أهل القرية والعناية بهم حتى أصبحت تعتبر شعب البياضية بمثابة عائلتها الحقيقية أكثر من كل أقاربها الذين ما زالوا على قيد الحياة فى أسبانيا.

وامتلأ التحقيق الصحفى بلمحات بديعة تدل على عمق معرفتها وحبها للشعب المصرى :

١- فهى تعلن أولا أن تقدم المجتمع المصرى مرتبط أساسا وفى الدرجة الأولى بتعليم وتدريب النساء لأن المرأة هى التى تعتنى بالأولاد وتقوم على تربيتهم وتزرع فيهم القيم التى يحمملونها طوال حياتهم. وربما قد آن الآوان أن نعرف بوضوح أن كل المحاولات الرجعية التى تتستر بالدين لتكبيل نساء مصر انما تسعى لتعميق تخلف مصر والحجر على كبوته حتى تسهل السيطرة عليه!!

٢-كما ذكرت أن مظاهر التعصب الدينى التى تفاقمت فى السنوات الأخيرة قد أدت الى انغلاق العديد من الأشخاص على معتقدات دينية متطرفة مما جعلهم يرفضون التعايش على أرض الوطن مع من يخالفونهم فى العقيدة أو حتى فى المذهب الدينى. فهذا التعصب المقيت الذى نتج عن تزايد تجارة الدين منذ حقبة السبعينات يدل على مدى التخلف الفكرى والتعليمى الذى لحق بمصر فى السنوات الأخيرة بعد أن نجحت جهود الاخوان لسلب وتغييب عقول البسطاء.

٣- ثم أضافت الراهبة أن محافظة المنيا شهدت فى الشهور التى أعقبت سقوط حكم الاخوان موجة شديدة من العنف ضد المسيحيين تم خلالها قتل واصابة الكثيرين منهم وتحطيم وسلب متاجرهم وحرق معابدهم الدينية. وقالت أن مصر بحاجة لاسترداد قيم التسامح التى اختفت مؤخرا والتى كانت تكفل تمتع الجميع بحقوق المواطنة.

٤- أخيرا ذكرت هذه الراهبة أن آمال التقدم فى مصر معقودة على الشباب الذى قام بثورتين لطرد نظام مبارك الظالم ثم لطرد حكم الاخوان الفاشل الذى ركز همه على أسلمة مؤسسات الدولة. وقالت أنها تتطلع الى رؤية هذا الشباب الثائر فى مناصب المسئولية حتى يحمل لمصر الدماء الجديدة ويحقق نضتها.

وقد تعجبت كثيرا من حب هذه الراهبة لمصر، فبعد أن قضت ٥٧ فى خدمة قرى الصعيد نجدها ما زالت فى قمة الحماس فى عملها ولا تفكر على الاطلاق فى الانسحاب من معركتها ضد الجهل والمعتقدات المتخلفة التى ذكرت منها عمليات ختان البنات. فكم من أجانب يؤمنون بمصر وحضارتها أكثر من شعبها المطحون. وقد ذكرنى هذا التحقيق الصحفى براهبة أسبانية أخرى اسمها مارينا كنت قد دعوتها مع عائلتى للغذاء بمنزلنا بعد عودتها لأسبانيا بعد أن قضت 27 عاما فى خدمة أهالى أبو قرقاص.

ولاحظنا خلال الغذاء الحب الذى كان يتدفق من قلبها نحو مصر وشعب أبو قرقاص. ثم قضينا ساعات طويلة نستمع الى ذكرياتها ونستمتع برؤية الصور التى كانت قد حملتها معها عن المدرسة التى خدمت فيها والأطفال الذين سعدت بتعليمهم وقضت معهم أجمل سنوات حياتها. وتدفقت دموعها غزيرة وهى تشرح لنا أن رئاستها الدينية أجبرتها على العودة لأسبانيا بعد أن بلغ عمرها 69 عاما وأصابها مرض البركينسون، وان قلبها ما زال وسيظل دائما فى صعيد مصر .

وقالت لنا مارينا أن أهم ممول لنشاطها فى أبو قرقاص كان مقاولا مسلما أنشأ المدرسة التى عملت بها بل وقام بترميم وتحديث المبنى الخاص بالراهبات الثلاث القائمات على خدمتها. ثم ذكرت لنا أنها كانت تشعر بمحبة خاصة للتلميذات المسلمات لأنها كانت تخشى أن يؤدى خلافها الدينى معهن فى عزلتهن وعدم شعورهن بالمحبة التى تكنها لهن!!!

وأعترف أننا انبهرنا كلنا من مشاعر المحبة المخلصة التى كانت تصاحب حديث الراهبة وسعادتها من رؤية " بناتها" تتخاطفهم" أيادى رجال أبو قرقاص للزواج منهن لثقتهم فى قدرتهن على رعاية عائلتهم بفضل الدراسة والتدريب على الأعمال المنزلية الذى وفرته لهن مدرسة الراهبات. وقد استمرت مارينا فى السنوات التالية فى جمع التبرعات واقامة المعارض الخيرية لجمع الأموال لصالح مدرستها حتى قررت رئاستها الدينية الحاقها بدار للمسنات نتيجة لتقدم سنها.

يا لعظمة المحبة المجانية التى يظهرها هؤلاء الأجانب نحو شعب مصر ولا شك أنهم يستحقون تكريم الدولة خاصة فى هذه الفترة العصيبة التى يشهدها الوطن بعد أن تفجرت كل أحقاد جماعة الاخوان المشئومة وكل من يدورون فى فلكها وتراجعت المحبة والشفقة الى حد اغتيال الأطفال الأبرياء الذين يشاركون فى فرح عائلى. وليتنا نتعلم منهم فى مصر لنسترد قيم السماحة والرحمة والتآلف التى ميزتنا طوال مراحل طويلة من تاريخنا الطويل. ولعلنى لا أبالغ اذا أكدت أن استمرار موجة الارهاب التى نشهدها الآن قد تكون لها عواقب وخيمة على التعايش السلمى فى مصر وربما تؤدى الى المطالبة بجمع الارهابيين فى معتقلات جديدة لمعالجتهم نفسيا ومعاونتهم على استرداد عقولهم المسلوبة


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com