خطر الإسلام السياسي على التطور والديمقراطية
بقلم / د. عبد الخالق حسين*
هذه المقالة هي تكملة للحلقتين السابقتين من مقال بعنوان (خوف الديمقراطيين من الديمقراطية**)، إذ أن خوفهم مشروع وهو ناتج عن موقف الإسلام السياسي المعادي للتطور الاجتماعي والنظام الديمقراطي، وهذا الموقف لم يعد سراً من قبل الإسلاميين إذ يصرحون به علناً ويعتبرونه جزءً من أيديولوجيتهم الشمولية حيث الالتزام بحكم السلف ويعتبرون الحضارة الحديثة هي عودة إلى الجاهلية. وهناك أدلة واقعية وتاريخية كثيرة تثبت ذلك. ومهما تظاهر الإسلاميون باحترام الديمقراطية إلا إنهم قولون ذلك عندما يكونون في صفوف المعارضة فقط ويتنكرون لها عندما يكونوا في السلطة.
بدءً، أود التوكيد على التمييز بين الإسلام كدين من جهة، والذي هو منظومة من التعاليم الإخلاقية والدعوة إلى الخير والعلاقة الخاصة بين الإنسان وربه، وليس من حق أي إنسان آخر التدخل في شؤونه، وبين الإسلام السياسي من جهة أخرى، والذي هو أيديولوجية سياسية شمولية متطرفة لا تقبل التعايش مع الآخر المختلف، تتدخل في كل صغيرة وكبيرة في شؤون الإنسان، من مأكل ومشرب وملبس إلى الحكومة والعلاقات الدولية وإلى يوم القيامة.
وغني عن القول، أننا كعلمانيين، نحترم الأديان بلا استثناء، رغم حملة التشويه التي تشنها القوى الإسلامية ضدنا لخدع الناس البسطاء بأن العلمانية هي ضد الأديان وتعني الإلحاد!! فالعلمانية الديمقراطية تؤمن بحق البشر في التمتع بحرية المعتقد، الديني والمذهبي والسياسي والفكري...الخ. ولعل النظام العلماني الديمقراطي هو النظام الوحيد الذي يحترم الأديان والمذاهب ويراعي تعدديتها ويضمن للمؤمنين بها حرية ممارسة شعائرها وطقوسها الدينية بدون أية مضايقة، بينما الحكومات الدينية تلغي حقوق أصحاب الدينات والمذاهب الأخرى غير دين ومذهب السلطة الدينية الطائفية. ولهذا فسجالنا هنا ينصب على الإسلام السياسي وعلاقته بالتطور الاجتماعي والديمقراطي.
الإسلام السياسي ضد الديمقرطية
ذكرنا سابقاً أن بعض الديمقراطيين صاروا يتخوفون من الديمقراطية ويطالب البعض منهم بتأجيلها في الوقت الحاضر، كآخر محاولة لمنع القوى الإسلاموية من استلام السلطة لأنها تشكل خطراً على الديمقراطية، إذ من الممكن أن تعلن هذه القوى الدكتاتورية الدينية، كما حصل في أفغانستان في عهد حكومة طالبان عندما أعادوا المجتمع إلى العصور الغابرة، وكما هو حاصل في إيران والسودان منذ فترة طويلة ولحد الآن، رغم إجراء انتخابات صورية في هذين البلدين لإضفاء الشرعية على سلطتهما. وبطبيعة الحال، هذا التوجه الجديد من بعض الديمقراطيين في تأجيل الديمقراطية خوفاً من الإسلامويين، يصب في صالح الأنظمة العربية الاستبدادية.
قد تكون مرحلة السلطة الدينية هي مرحلة شبه حتمية في بعض البلدان العربية والإسلامية ولكن ليس كلها. ولكن إذا ما أصر الديمقراطيون على تأجيل الديمقراطية لمنع الإسلاميين من استلام السلطة فإن هذا السلوك سيؤدي إلى عرقلة التطور الاجتماعي وبالتالي إلى المزيد من التخلف وما ينجم عنه من عواقب وخيمة تخدم الإسلامويين والأنظمة المستبدة معاً. فأوربا الديمقراطية المتطورة الآن مرت بمرحلة السلطة الدينية خلال القرون الوسطى، ولكن في نفس الوقت كان بعض قادة الديانة المسيحية مثل القس مارتن لوثر وكالفن وغيرهما هم الذين قاموا بثورات مسلحة من أجل الإصلاح الديني، تزامنت مع حركات النهضة والتنوير التي قام بها الفلاسفة التنويريون والتي أدت في نهاية المطاف إلى انتصار الديمقراطية والليبرالية وفصل الكنيسة عن الدولة والسياسة، وتحرير العقل من القيود المفروضة عليه من قبل الكنيسة، فكان ما كان من هذا التطور المذهل في جميع مجالات الحياة. وكذلك في منطقة الشرق الأوسط، هناك رجال دين متنورون يسعون إلى إقامة أنظمة علمانية ديمقراطية يمكن الاستفادة من جهودهم.
الأحزاب الإسلاموية تحمل بذور فنائها في أحشائها
كما ونؤكد مرة أخرى، أن الأحزاب الإسلاموية تحمل بذور فنائها معها، ولا يمكن تفعيل هذه البذور إلا إذا استلمت السلطة في بعض البلدان لتثبت عملياً فشلها الذريع في حل مشاكل الشعب المتفاقمة، لأن الإسلامويين ليست لديهم حلول واقعية ناجعة سوى الادعاء والاعتماد على الغيبيات ورفع الشعارات الديماغوجية مثل (الإسلام هو الحل والقرآن دستورنا والرسول قائدنا). ونحن نعرف أن القرآن "حمال أوجه" كما وصفه الإمام علي (ع)، حيث كل مفسر يفسره حسب رؤيته، فـ (الله شديد العقاب وغفور رحيم)...الخ. كما وجاء في القرآن (لا إكراه في الدين..) ومن جهة أخرى (الدين عند الله الإسلام ومن يأتي بغير الإسلام ديناً لن يقبل منه).
وعليه فمقولة (القرآن دستورنا) القصد منها تضليل البسطاء من الناس. وهذه الشعارات الإسلاموية طبقت لأكثر من 13 قرنا من حكم الخلافة الإسلامية وكان مصيرها الفشل الذريع، وخير مثال لنا في عصرنا الراهن هو ما عملته حكومة طالبان، كذلك الحكومة الإسلامية في إيران التي رغم تمتعها بالثروة النفطية الهائلة، فقد أعادت الشعب الإيراني إلى مستوى معيشي واطئ لا يختلف كثيراً عن مستوى الشعب البنغلادشي الفقير. وكذلك حالة حماس في فلسطين.
لذلك نعتقد أن فوز حماس الإسلامية واستلامها السلطة في غزة والضفة الغربية كان نصراً للاتجاه العلماني الديمقراطي، وهذه مفارقة، ولكننا نعتقد أن انتصار حماس وفر الفرصة السانحة لتقديم التجربة العملية لتثبت للشعب الفلسطيني والشعوب الإسلامية الأخرى، أن الأحزاب الدينية لا تملك أي حل لمشاكلها سوى الادعاءات الفارغة.
فالأحزاب الدينية كسبت الشعبية نتيجة لفشل الحكومات العلمانية العربية في حل مشاكل شعوبها. لذا فتصويت الناخبين للمرشحين الإسلاميين هو نكاية بالحكومات المستبدة الفاشلة وعقوبة لها على تفشي الفساد الإداري في كيانها.
ومن كل ما تقدم، نعتقد أنه لا يجب الخوف من فوز الإسلاميين، بل من الضروري عدم التطير من استلامهم السلطة فيما لو صوتت لها أغلبية الناخبين، وذلك من أجل فضحهم وإسقاط ادعاءاتهم بالطرق العملية.
لا يمكن للإسلاميين إلغاء الديمقراطية
هناك عامل مهم يمنع استئثار الإسلامويين بالسلطة وإلغاء الديمقراطية فيما لو هم انتصروا في الانتخابات، ألا وهو العامل الدولي. فمن المعروف وأثبته الواقع، أن مسار التاريخ لأي شعب وتطوره الاجتماعي لا يتوقفان على العامل المحلي فحسب، بل والأهم، على العوامل الدولية أيضاً.
ففي عصر العولمة، حيث صار تداخل وتشابك مصالح الشعوب ومصائرها من التعقيد بحيث لا يمكن لأي شعب أني يعيش لوحده دون الانسجام مع الركب الحضاري، والتفاعل الإيجابي المناسب مع العوامل الدولية. لقد سقطت أنظمة مستبدة جبارة في الوقت القريب بسبب عدم انسجامها مع ما يجري في العالم، مثل أنظمة الكتلة الاشتراكية ونظام طالبان في أفغانستان والبعث في العراق وحكومة يوغوسلافيا في عهد ميلوسوفيج، كما وهناك أنظمة أخرى مرشحة للسقوط لهذا السبب مثل إيران وسوريا. فنحن نعيش اليوم في عصر القرية الكونية وانتصار الديمقراطية التي أصبحت حتمية لا يمكن لأي نظام إيقافها ومقاومتها.
فأية حكومة إسلامية تستلم السلطة عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة، أمامها خياران لا ثالث لهما وهما: الأول، هو الالتزام بالديمقراطية وتداول السلطة بالوسائل السلمية، وفي هذه الحالة نعتقد أن هذه الأحزاب سوف تفشل في الانتخابات اللاحقة لأنها تعجز عن حل مشاكل شعوبها، وخير مثال هو ما يجري في العراق وفلسطين حيث فشلت السلطة الإسلاموية فشلاً ذريعاً في حل مشاكل شعوبها. الخيار الثاني، هو التنكر للديمقراطية وإعلان الاستبداد الديني، وفي هذه الحالة ستعزل هذه الحكومات نفسها عن العالم وتصبح في حالة مواجهة معه، ونعرف نتيجة العزلة في زمن العولمة في حالة إيران الإسلامية وسوريا البعثية وغيرهما حيث مصيرهما الانهيار.
المهم أن العامل الدولي في الوقت الراهن يلعب دوراً مؤثراً وربما حاسماً على سير الأحداث في أي بلد كان، وليس بإمكان أي نظام العيش بسلام بدون الانسجام مع العالم. وهذا الوضع الدولي الجديد هو أيضاً يزيد من قوة التيار الديمقراطي الليبرالي الصاعد.
خلاصة القول، أن انتشار أيديولوجية الإسلام السياسي هو موضة موسمية ليست غريبة على شعوب المنطقة، وقد ساهمت الحكومات المستبدة على انتشارها، وذلك بفشلها في حل مشاكل شعوبها، وكذلك استخدمت هذه الحكومات الأحزاب الإسلامية لمحاربة القوى الديمقراطية الليبرالية، ولكن في نهاية المطاف انقلب السحر على الساحر، وانقلب الإسلاميون على الحكومات المستبدة.
كما ونعتقد أن صعود الموجة الإسلاموية هي مؤقتة حيث حصل في المنطقة تفشي أيديولوجيات شمولية غير الإسلامية من قبل، مثل الأيديولوجية الشيوعية والأيديولوجية القومية العروبية. وكما انحسرت الأيديولوجيتان الأخيرتان وانتهتا بالهزيمة المنكرة، كذلك ستنهزم أيديولوجية الإسلام السياسي وتنتهي إلى غير رجعة، وعندها ستقترب الشعوب العربية والإسلامية أكثر نحو النضج الفكري والحضاري وتقتنع بأن الحل السليم لمشاكلها هو في النظام العلماني الديمقراطي الليبرالي.
_________________
* كاتب عراقي مقيم في إنكلترا
**مقالات ذات علاقة بالموضوع:
خوف الديمقراطيين من الديمقراطية - 1
خوف الديمقراطيين من الديمقراطية -