د.عماد جاد
الصلاة والكنائس
يؤدى المسيحى الملتزم سبع صلوات يومياً تبدأ من صلاة باكر وحتى منتصف الليل، يؤديها إلى ربه من داخل منزله أو فى المكان الخاص به، يؤدى تلك الصلوات فى هدوء، دون جلبة أو ضوضاء، فإلهه طلب منه أن يغلق بابه ويصلى إلى خالقه فى الخفاء، لكن المسيحى بصفة عامة فى حاجة إلى كنيسة يمارس فيها طقوساً لا تمارَس إلا من خلال كاهن وفى ظل مواصفات معينة بدقة، فهو فى حاجة إلى الكنيسة بكل ما تعنيه من نظام وتراتبية وهيكل ومذبح كى يصلى قداساً ويتناول فى نهايته، هو فى حاجة إلى الكنيسة وهيكلها كى يتزوج، ويُعمّد أطفاله، وأهله فى حاجة إلى الكنيسة للصلاة على جثمانه بعد وفاته، كل هذه الطقوس والعبادات لا تمارَس إلا داخل الكنيسة، لذلك لا بد أن تدرك الدولة الفارق بين أداء المسيحى للصلاة، فى أى مكان بما فيها المنزل، وبين حاجته الضرورية لكنيسة يمارس فيها طقوساً تُعرف فى المسيحية بالأسرار، مثل العماد، الزواج، التناول.
ومن هنا لا بد أن تدرك السلطات المصرية ومن بيدهم الأمر أن المسيحيين عندما لا يحصلون على ترخيص ببناء كنيسة نتيجة تعنت السلطات والأجهزة الأمنية التى تعمل وفق فكر متخلف يعود إلى زمن الحكم العثمانى، فإنهم ورغبة منهم فى ممارسة طقوس ديانتهم وأسرارها المقدسة، يبحثون بشتى الطرق عن حلول فى مواجهة تعنت الأجهزة الأمنية، بعضهم وجد الحل فى اختيار منزل من المنازل وتجهيزه للصلاة، وهو حل لا يمثل عدواناً على أحد، ولكن فجأة تبدأ التهديدات والتحرشات والدفع بقطاعات من المتطرفين تتظاهر أمام المبنى المستخدم ككنيسة، بل يعتدون عليه دون أى رد فعل من الأجهزة الأمنية التى عادة ما تستغل الموقف فى مطالبة المسيحيين بإغلاق المكان وعدم استخدامه مرة ثانية لأنهم لم يحصلوا على ترخيص له ككنيسة.
الموضوع بات سخيفاً للغاية ومثيراً للاستفزاز والغضب داخل صفوف الأقباط، فكل ما يريدونه هو مكان يمارسون فيه طقوس دينهم التى تتطلب وجود مكان بمواصفات معينة، وقد صبر الأقباط كثيراً على هذا الظلم الذى يتعرضون له والتضييق الممارَس ضدهم فى شئون العبادة، صبروا كثيراً وكانت الآمال عريضة فى أن يأتى الحل مع ثورة الثلاثين من يونيو، جاءت الثورة ودفعوا ثمناً باهظاً لقاء المشاركة الفعالة فيها، ولا جديد تحت الشمس، فقد استمرت سياسات التضييق على الكنائس والاجتهاد فى حرمان الأقباط من ممارسة طقوس العبادة، واستمرت نفس الألاعيب والمراوغات، أصدروا قانوناً للكنائس متخماً بالألغام ولا جديد تحت الشمس، بل إن القانون الذى لم تصدر لائحته التنفيذية بعد جرى توظيفه من قبل الأجهزة الأمنية فى الحصول على معلومات من الكنيسة بخصوص الكنائس غير المرخصة، والعمل على إغلاق هذه الكنائس بدلاً من تقنين أوضاعها.
فى تقديرى أن الموضوع بات مستفزاً للغاية من قبل جموع المسيحيين فى مصر، رئيس يتحدث عن دولة مدنية حديثة وأجهزة تمارس سياسات دولة دينية متشددة وسط ثقافة عامة تنضح بالتشدد والتطرف وهم يشاهدون كيف فعل التشدد والتطرف فى دول مثل سوريا والعراق، ومن قبلهما لبنان، وهم يشاهدون معقل الوهابية يسعى للخروج من دوامة الانغلاق والتشدد وينفتح على العالم ويستقبل للمرة الأولى رجل دين مسيحياً بزيه الدينى والصليب على صدره، وهو الأمر الذى حال سابقاً دون زيارة وفد فاتيكانى رفيع المستوى للرياض بسبب طلب الأخيرة ألا يُظهر الوفد الفاتيكانى الصليب وأن يخلعه قبل الزيارة أو يضعه داخل ملابسه، فكان الرفض وكان إلغاء الزيارة.
العالم يخرج من عباءة التشدد والتطرف ووصل الأمر إلى معقل السلفية، ولدينا من يُصر على الإغراق فيها متصوراً أنه سوف يحقق ما حلم به السادات من دولة خالية من المسيحيين أو دولة بها أقلية محدودة خانعة مستكينة!!