كيرياليسون فى محبة الأقباط ..
بقلم خالد منتصر
اشطب عبارة عنصرَى الأمة من القاموس، فالمسيحى ليس عنصراً دخيلاً ولكنه بناء أصيل، احذف وصف الآخر فهو ليس آخرَ إنما هو وأنا وأنت نمثل الـنحن المتجانس، امتنع عن التلفظ بكلمة التسامح لأنك إن امتلكت حق التسامح فأنت حتماً تمتلك حق الكراهية، إذا أردت الحصول على الكتالوج التفصيلى لفعل كل ذلك والخروج من قمقم الطائفية والعنصرية فلتقرأ هذا الكتاب البديع كيرياليسون فى محبة الأقباط للكاتب الصحفى حمدى رزق، الذى كتبه بمنتهى الحب وبمنتهى الصدق وبمنتهى الذكاء أيضاً، الكتاب جاء فى توقيته، كتاب لا يمكن أن يستغنى عنه أى باحث يريد تأريخ وتوثيق معاناة الأقباط من 2011 حتى الآن، فهو يتناول تلك الفترة بحس المؤرخ الذى يرى ما خلف السطور والمتوارى تحت ركام التدوين الأكاديمى البارد وينفذ إلى الروح وما تحت الجلد وما فى المسام،
الكتاب صادر عن سلسلة الكتاب الذهبى الثمينة التى شكلت جزءاً كبيراً من وعى جيلنا وثقافته وقت أن كانت روز اليوسف هى نافذة التمرد الشقية والوحيدة فى بيت وبلاط الصحافة المصرية، هذا الكتاب يعتبر عجائب الآثار وتراجم الأخبار لتلك الفترة وحمدى هو الجبرتى المسلم الذى يوثق للمسيحى القبطى بكل الحب والود، بالنسبة للأقباط فى ما بين الثورتين يناير ويونيو وما بعدهما الأفراح قليلة والأتراح كثيرة، والكاتب لم يترك تفصيلة إلا وسلط عليها الضوء الكاشف، من صفر مريم حتى تفجير البطرسية،
الكتاب كبير ولا يمكن تلخيصه فى مقال محدود المساحة، بداية من العنوان الذكى الذى تركه المؤلف غامضاً بقصد ليستفز المسلمين الذين لا يعرف أغلبهم الثقافة والتاريخ القبطى للبحث عن معناه، كيرياليسون ومعناها يا رب ارحم، ومروراً فى فصول الكتاب لن تلمح إلا الحب الذى بلا محظورات ولن تجد إلا علامات الاستفهام المندهشة والتى تطرح سؤالاً مزمناً ماذا حدث لنا، ماذا حدث للنسيج الواحد والسبيكة المتماسكة؟،
الكاتب لا يتخلى أبداً فى خضم التحليل عن أسلوبه الرشيق، اقرأوا معى: النهر يغسل أدرانه، ومهما ألقى المرجفون من آثامهم فى مجرى النهر، جرفه نهر الحب أمامه، وتستمر مسيرة النهر دافقة إلى المصب يحمل على وش الميه أمانى عذاب، تهنئة الأقباط فى العيد للعبد لله ليست من دواعى الواجب الشرعى فقط أو الطقس العادى أو تفرضها أدبيات خطها آباء سابقون، ولكنها المحبة الخالصة التى جمعت بين الأصلاء طويلاً، الكتاب سيرة درامية بين غلافين، فيه مناطق تراجيدية مؤلمة وكأنك تتابع فيلماً ملحمياً، تلمح على سبيل المثال دموع البابا تواضروس عند وفاة الأم وعند تفجير الكنيسة البطرسية، لحظتان التقطتهما عدسة حمدى رزق الزووم التى تستقر فى تلافيف الوجدان المصرى الحقيقى الأصيل وتحت طبقاته الجيولوجية الراسخة التى تنفض عنها فى كل ربيع تراب الصحراء السلفى الذى ظن أنه اختطف مصر يوماً ما،
الكتاب فيه أيضاً الحس الساخر الذى يتولد من التناقض الفج الفاجع مثلما كتب عن الجدل الإخوانى حول زيارة الرئيس المعزول محمد مرسى إلى الكنيسة، وكم الكوميديا فى المراسلات المتبادلة المرتعشة التى تريد نفاق الغرب واسترضائه فى نفس الوقت الذى لا يريد خسارة أنصاره وأتباعه من ضباع الفاشية الدينية، الكتاب لا يتركنا لانطباعات شخصية عن مدى كراهية الإخوان للأقباط ولكنه يؤصل تلك الكراهية تاريخياً من أقوال حسن البنا نفسه وحتى محمد حبيب الذى يعتبر الآن من الحمائم، يؤكد كل الطابور الإخوانى على عدم ولاية المسيحى لا فى قضاء أو برلمان أو وزارة أو جيش.الخ،
لا يكتفى الكتاب بالبورتريه القبطى لكنه يرسم جدارية مليئة بالتفاصيل التى معظمها مخجل للذاكرة المصرية والوجدان المصرى، على سبيل المثال ما حدث مع محافظ قنا القبطى وفتاوى برهامى وهجوم نادر بكار خريج هارفارد وسب وكيل وزارة الأوقاف الشيخ الوسطى سالم عبدالجليل لعقيدة المسيحيين!! الى آخر تلك السلسلة الجهنمية من الفتن النابعة من فقه الكراهية، كل تلك الأحداث عرضها الكتاب لكى يصل إلى الدلالة المهمة وهى دلالة رد الفعل القبطى الذى كان كلما تلقى ضربة أصر على التمسك بتراب هذا الوطن والانتماء له رافعاً شعار وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن، مؤكداً أنهم دوماً بصمة الهوية المصرية الأصيلة.
هذا الخبر منقول من : الوطن