خالد منتصر يكتب.. دعاء ركوب الأسانسير
خالد منتصر
حكى لى الكاتب والسيناريست الكبير وحيد حامد قصته مع شركة المصاعد التى تجدّد وتقوم بصيانة أسانسير العمارة التى يسكن فيها، كانت قمة التجديد والصيانة ليست زيادة سرعته، أو قوة تحميله، أو سعة مساحته، بل كانت تركيب دعاء الركوب بمجرد الضغط على زر رقم الدور!!
اعترض الأستاذ وحيد، قائلاً للمسئول عن العمارة وللشركة إن السكان فيهم المسيحى والمسلم، والمفروض ألا تجبر أحداً يركب الأسانسير ومختلف معك فى العقيدة أو الفكر، حتى لو كان عامل الدليفرى على سماع دعاء إجبارى وصيغة معينة، بحجة أنها بركة وأمان، ودائماً الرد كان «هو حد يكره البركة والدعاء؟!».
أمان الأسانسير يا سادة فى صناعته الجيدة وصيانته المستمرة، كما أن أمان الطائرة ليس فى دعاء الركوب، ولكن فى إتقان تطبيق تعاليم الطيران الصحيحة، فالكابتن البطوطى قال دعاء الركوب بأعلى صوته، ورغم ذلك سقطت الطائرة المتّجهة إلى نيويورك فى كارثة مروعة، لم تسمع أدعيته أجهزة الملاحة، والطائرة الإثيوبية انفجرت لعيوب فى الصناعة وليس لعدم وجود الدعاء، أو لأن الركاب كفرة والعياذ بالله، والطائرة التى كانت متّجهة إلى روسيا، وكان انفجارها سبباً فى منع السياحة الروسية عن مصر تحطمت، نتيجة خيانة إخوانجى جهادى تكفيرى خائن اندس ووضع القنبلة، وهذا الشخص العميل الذى وضع تلك القنبلة طمعاً فى حور عين الجنة، هو نفسه الذى يُردّد دعاء الركوب كل ساعة، حتى أثناء علاقته الحميمة!
رفع فزاعة التكفير فى وجه كل من يعترض على تديين الفضاء العام، وسلفنة الشارع والمناخ الاجتماعى بالعافية، لن ترهبنا أو تمنعنا عن انتقاد تلك المظاهر الشكلية الدينية التى لا علاقة لها بجوهر الدين وهو الضمير. إن ما يحدث هو حشرية وعدم احترام خصوصية وفرض شكل دينى وإجبار الآخرين على الالتزام به، إنه نوع من التحرّش الدينى، فجوهر الحداثة هو الفردانية والحفاظ على خصوصية الشخص وعدم دس أنف الغير فى قناعاته، لم يمنعك أحد من ترديد الدعاء فى أى مكان، لكن بينك وبين نفسك، لو نسيت صياغته وكلماته اقرأه من الموبايل الذى من الممكن تحميل كل تراثك المقدس عليه فى ربع جيجا!،
نحن لسنا ضد قناعتك وراحتك النفسية عندما تردده، هذا حقك، لكن هذا حقك وحدك ويخصك وحدك، ومن حق الآخر، ومنهم المصرى والأجنبى، ألا يتبع تعاليمك وقناعاتك وطريقة وأسلوب بحثك عن الأمان النفسى، من واجبنا جميعاً أن نستمع لإجراءات الأمان والإنقاذ على الطائرة، وأن نطمئن جميعاً على باب ورافعة وأرضية الأسانسير، لكننا أحرار، كل شخص بكينونته كفرد أن يناجى ربه كما يشاء فى الوقت الذى يشاء، لكن المناجاة ليس من شروطها المقدّسة الميكروفون المشترك، أو المظاهرة الجماعية، أو البث المباشر على الهواء وفى الهواء!
الحداثة والتقدم والتحضّر بدأت بمعيار اجتماعى مهم، وهو أن مساحتى الخاصة ملكى، لا تقتحمنى بحجة الوصاية، أو تحت لافتة أنك أفضل منى ديناً وإيماناً وتقوى، وأنك تبلغنى رسالة الخالق الذى لم يمنحك توكيلاً للتحدث باسمه، كفانا عبثاً وخرقاً للقانون باسم البركة الدينية، فالله سيحكم علينا بأعمالنا وبما فى القلوب، وليس بدعاء الركوب.
نقلا عن الوطن