من نير إبليس إلي نير المسيح
بقلم منير بشاي
عندما وجـّه السيد المسيح دعوته الى الراحة كانت الدعوة مزدوجة: الأولى قال فيها "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ." (متى ١١: ٢٨) والثانية قال فيها "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأن نيري هين وحملي خفيف." (متي 11: ٢٩ و٣٠)
في الدعوة الأولى كان السيد المسيح يدعونا لنطرح أحمال ابليس وفي الثانية كان يدعونا لنحمل حمله.
في الدعوة الأولي نرى عمل الله "وأنا أريحكم" وفي الثانية نرى تجاوب الانسان ومشاركته لعمل الله وبالتالي حصاد نتائجه " فتجدوا راحة لنفوسكم".
الدعوة الأولى هي عمل كامل قام به السيد المسيح بموته على الصليب ونقبله بالشكر. والدعوة الثانية عمل مستمر يعمله الانسان بقوة الله داخلنا. وهو يتضمن جهاد روحي دائم ضد ابليس. وفيه يدخل الانسان مدرسة الله ويتعلم وينمو في النعمة ومعرفة الله.
بعد أن يبدأ الإنسان علاقته مع الله باتخاذ الخطوة الأولي فانه يستطيع أن يدخل مع الله في العلاقة الثانية حيث ينمو وينتقل تدريجيا من مرحلة الطفولة حيث يعتمد على غيره الى مرحلة البلوغ فيستطيع ان يعتني بنفسه ويساعد غيره ويكون له دورا فعالا في خدمة الله.
كان شاول الطرسوسي المثال الذي تعبّر حياته بوضوح عن جميع هذه المراحل بدءا بمرحلة الابتعاد والعناد والعداء ومرورا باكتشاف الحق وقبوله وانتهاء بالسير في الحق والنمو فيه. وبعدها أصبح بولس أحد رسل المسيح والذي كان له دورا بارزا في تأسيس المسيحية ونشرها في العالم.
كان شاول بحسب عقيدته اليهودية متمسكا بها لدرجة التطرف. تتلمذ عند رجلي غمالائيل متّبعا المذهب الفريسي الضيق. وكان عند ظهور المسيحية أنه اعتقد انها بدعة ضالة فقرر مقاومتها. وفي غيرته تحول الى إرهابي يأخذ رسائل من رؤساء الكهنة بموجبها يطارد الرجال والنساء المسيحيين ويقبض عليهم ويسلمهم مقيدين للسجن والتعذيب.
ولكن الله رحمه لأنه كان يفعل هذا في جهل وعدم ايمان. وبينما هو في الطريق للقبض على المزيد من المسيحيين ظهر له المسيح في صورة نور عظيم أفقده البصر لبعض الوقتا وناداه قائلا "شاول شاول لماذا تضطهدني، صعب عليك ان ترفس مناخس." ولم يكن شاول معاندا للرؤيا السماوية فقبل في الحال واعتمد ليصبح جزءا من الايمان الذي كان قبلا يتلفه.
انزاحت عن كاهل شاول أحمال التعصب والكراهية وبدأ مع المسيح رحلة حمل نير الايمان والمحبة والتضحية. وبدأ علاقته الجديدة بالدخول في مدرسة المسيح ليتعلم منه أساسيات الايمان في فترة اعتكاف استمرت ثلاثة سنوات في العربية.
بعد ذلك انطلق شاول للمناداة بالإنجيل التي ذاق في سبيلها كل أنواع الألم تماما كما قال عنه السيد المسيح "سأريه كم ينبغي أن يتألم من أجل اسمي." وقد عدد شاول بعض تلك الأخطار التي واجهته في تلك الفترة حيث قال: "من اليهود خمس مرات قبلت أربعين جلدة الا واحدة، ثلاث مرات ضربت بالعصي، مرة رجمت، ثلاث مرات انكسرت بي السفينة، ليلا ونهارا قضيت في العمق. بأسفار مرارا كثيرة، بأخطار سيول، بأخطار لصوص، بأخطار من جنسي، بأخطار من الأمم، بأخطار في المدينة، بأخطار في البرية، بأخطار في البحر، بأخطار من أخوة كذبة. في تعب وكد، في أسهار مرارا كثيرة، في جوع وعطش، في أصوام مرارا كثيرة، في برد وعري." ٢ كو ١١: ٢٤- ٢٧
انتقل شاول من حمل نير ابليس الي حمل نير المسيح. ومع ان كلا الحملين مؤلم ولكن نير المسيح كما وصفه السيد المسيح هين وخفيف لأنه يحقق غاية عظيمة. وهو يملأ القلب بالرضا والراحة.
كان شاول في هذا يقتدي بأبطال الايمان المذكورين في سحابة الشهود " لذلك نحن ايضا اذ لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا لنطرح كل ثقل والخطية المحيطة بنا بسهولة ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع امامنا ناظرين الى رئيس الايمان ومكمله يسوع." عبرانيين ١٢: ١- ٢
ولكن الله لم ينسي أن يكافئ تضحيات شاول بإضعافها. لقد عوّضه بكثير من البركات بعضها في حياته هنا على الأرض فيقول متكلما عن نفسه "إني آتي الى مناظر الرب واعلاناته. أعرف انسانا في المسيح قبل أربع عشرة سنة أفي الجسد لست أعلم أم خارج الجسد لست اعلم. ألله يعلم. أنه أختطف الى الفردوس وسمع كلمات لا ينطق بها." (٢كو ١١: ٢- ٤)
أما المجازاة الأكبر فهي ان شاول قد حصل على التأكيد الالهي الأبدي حين قال "قد جاهدت الجهاد الحسن أكملت السعي حفظت الايمان وأخيرا قد وضع لي اكليل البر" (٢تى ٤: ٧)
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.