مناخ متطرف وراء الطائفية
GMT 14:00:00 2007 الإثنين 21 مايو نبيل شرف الدين
استفتاء عن أسباب الصدام الإسلامي ـ القبطي بمصر
غالبية المشاركين يرون مناخا متطرفاً وراء الطائفية
كتب ـ نبيل شرف الدين: هي إذن وخزة مؤلمة في الضمير تقف حائلاً دون أن يدع المرء أحداثاً بعينها تمر، أو بالأحرى يجري تمريرها في سياق الصخب اليومي، والإرهاب الفكري الذي يبدو أنه بات لعبة المرحلة، إذ تمارسه بطرق مختلفة كل من الحكومات والمعارضة من شتى المشارب،
ومن ابرز هذه الأحداث الملف القبطي في مصر، الذي انفجرت إحدى حلقاته الأيام الماضية، وبات ينذر بعواقب يعلم الله وحده مداها، بينما تواصل الحكومة المصرية تعاطي مخدر التجاهل كأن نفي الأعراض يعالج الأمراض، وهو ما لم نركن إليه في (إيلاف)، بل رأينا إثارته بذهن مفتوح، سعياً وراء تشخيص دقيق للأزمة، يعين على حلها، والعثور على دواء ناجع لها، بدلاً من إنكارها أو الالتفاف عليها بمعسول الحديث دون التطرق لجذور الأمر .
وجاءت نتائج استفتاء (إيلاف) الأسبوع الماضي تدعو للاطمئنان رغم كل الملابسات السلبية التي تحيط بالمسألة القبطية، ولعل مبعث الطمأنينة هنا أن قطاعاً عريضاً ممن شاركوا في الاستفتاء أثبتوا أن "بوصلة الوطن" لم تزل تشير إلى الاتجاه الصحيح، فلاشك أن اختيارهم لوجود مناخ متعصب يعني قراءة واقعية للتطرف الذي تتسع رقعته يوماً بعد يوم، بل ويصل في كثير من الأحيان إلى حد العبث والإجرام، والشواهد على ذلك لا حصر لها
أرقام ومؤشرات
وعودة إلى الاستفتاء الذي طرح سؤالاً يقول : هل تعتقد أن الصدامات بين المسلمين والأقباط في مصر ؟
المؤشر الإيجابي الأول لنتائج الاستفتاء تمثل في عدد المشاركين الكبير نسبياً، على الرغم من أن المسألة القبطية شأن مصري خالص، إذ بلغ عدد الأصوات الصحيحة التي شارك أصحابها في الاستفتاء : 7143 صوتاً .
وذهبت غالبية المشاركين وقوامها 66% أي 4710 أشخاص، إلى الإشارة بأصابع الاتهام إلى مناخ التعصب كسبب رئيسي للصدامات والتوترات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وهو خيار يجد أي مراقب موضوعي نفسه منحازاً له، بغض النظر عما وراء ذلك من أصابع حكومية أو أياد داخلية وخارجية، المهم أن النتيجة الحالية التي لا يمكن لمنصف أن يجادل فيها أن هناك مناخاً من التعصب يسود المجتمع المصري حالياً .
ولكن هناك نسبة أخرى لا يستهان بها، رغم كونها أقلية، وبلغت 14% وقوامها 1034 شخصاً اتهموا السلطات بتدبير تلك التوترات، وهنا ينبغي التمييز بين ضلوع السلطات بشكل مباشر، أو مسؤوليتها عن أوضاع أدت إلى تلك التوترات، ولعل هذا يتطلب تفصيلاً أكثر توسعاً لا يتسع له المقام.
نسبة أخرى تزيد قليلاً عن تلك التي اتهمت السلطات، وقوامها 16% أي 1165 شخصاً تبنوا خيار تدبير تلك التوترات من الخارج، بينما اقتصرت نسبة ضئيلة قدرها 3% وتمثل 234 شخصاً في تبني الخيار السلبي (لا أعرف) .
التابو القبطي
ويمكن لأي متشكك في مدى شيوع مناخ الهوس الديني على نحو وبائي خطير في مصر، أن يتابع ما تنشره أبواب الجريمة والحوادث في الصحف المصرية، ليطالع أخباراً عن وقائع لعب فيها الهوس الديني دور البطولة، من الموظفة التي حطمت أحد أجمل متاحف مصر الخاصة التي أسسها أحد النبلاء في العهد الملكي، ذلك لأن الموظفة رأت في التماثيل "أصناماً" ينبغي تحطيمها على طريقة حركة "طالبان" المخلوعة عن حكم أفغانستان .
غير أن الأمر يحتاج بلا شك إلى وقفة حاسمة وصارمة، حين يصل هذا الهوس الديني إلى حد المساس بقطاع أصيل وعريض من المجتمع المصري قوامه نحو عشرة ملايين مواطن، يدعمهم مليونان على الأقل من "أقباط المهجر" وهم أيضاً مواطنون مصريون اضطرتهم ظروف الحياة إلى السفر سعياً وراء الرزق، وهرباً من ذلك المناخ الذي يزداد سوءا على نحو لا يصح أن يركن فيه العاقل إلى السيناريو الكوميدي لعناق الشيخ والقس .
لكن الحاصل أن صنّاع القرار مازالوا يرون في المسألة القبطية "تابو" لا يجوز الاقتراب منه، بل يصل بهم الأمر إلى حد إنكار حقائق وتجاهل وقائع تقع تحت سمع وبصر الآلاف، ويحجبون الإحصائيات الرسمية عن حجم وجود الأقباط والنوبيين بعد تصنيفها تحت بند الأسرار العليا للدولة، التي لا يصح الإفصاح عنها