جبهة وطنية ضد الهمايوني
بقلم : عبدالعظيم حماد
شكرا فضيلة الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق..
الدور الآن علي الأزهر نفسه, ومجمع البحوث الإسلامية ودار الافتاء, والمجلس الأعلي للشئون الإسلامية كذلك, ثم بعد ذلك يأتي دور جماعة الاخوان المسلمين سواء كانت محظورة بحكم القانون, أو نشيطة بحكم العرف, وفي النهاية يأتي دور الحكومة.
فضيلة الشيخ عاشور أعلن صراحة تأييده لمبدأ إصدار قانون موحد لدور العبادة في مصر, وكان ذلك كما هو معروف بمناسبة أحداث قرية بمها بالعياط, حين أخذ بعض مواطني القرية المسلمون القانون في أيديهم, وجعلوا من أنفسهم سلطة لتطبيقه بالمخالفة لكل القوانين, والأعراف, وفي تكرار مرفوض لأحداث سابقة في أماكن أخري في مناسبات مماثلة, وكأننا أمام مشهد منقول بحذافيره من جرائم المستوطنين الاسرائيليين الصهاينة, ولسنا أبناء وطن واحد, أو كأن المبني المقصود هو ملهي أو ماخور يخشي علي أخلاق القرية منه, وليس مكانا لعبادة رب السماوات والأرض الذي نؤمن به جميعا, أي مكان لغرس القيم والأخلاق, برغم أن القانون لا يعطي مواطنا كائنا من كان الحق في وقف بناء أي كان نوعه, أو غرضه, والاعتداء علي شاغليه, بفرض أنهم خالفوا القوانين, بل ان العرف جري علي اتباع أساليب أخري في مثل هذه الحالة.
ثم كيف يبرر دعاة الفتنة هؤلاء لأنفسهم المطالبة بحق المسلمين المهاجرين في بناء المساجد في الغرب المسيحي, وينكرون حق بناء الكنائس علي أبناء الوطن المصريين؟!
منذ بعض الوقت قدمنا هنا, وتحت عنوان: فتاوي منسية في المسألة القبطية فتوي فقيه مصر الكبير في العصر العباسي الأول الإمام الليث بن سعد ضد الوالي, الذي هدم كنائس الأقباط بحجة أنها كنائس مستحدثة, أي تخالف أحكام الصلح مع سكان القدس النصاري, والمعروفة في التاريخ باسم العهدة العمرية, وكان منطوق هذه الفتوي إن بناء كنائس جديدة هو من ضرورات صلاح البلاد وإعمارها, وأيده في ذلك قاضي القضاة عبدالله بن لهيعة, وقلنا وقتها إن الأساس الفقهي( السلفي) موجود للرد علي من يجادلون باسم الاسلام, أو يتشددون انطلاقا من العهدة العمرية ضد إلغاء الخط الهمايوني المنظم, أو المقيد لعمليات بناء وترميم دور العبادة المسيحية أو غير الاسلامية في مصر, وهي خطوة لابد منها لاصدار قانون موحد لجميع دور العبادة.
وها هو ذا صاحب الفضيلة الشيخ محمود عاشور يبادر فيبني علي هذا الأساس المتين, ويعلن تأييده في محفل عام لإصدار هذا القانون, ومع كل الشكر الواجب لوطنية واستنارة الشيخ عاشور, فإن المطلوب هو جهد منظم وواع ومطرد لتحقيق إجماع وطني لحل هذه المشكلة مرة واحدة والي الأبد, كما يقول المثل الانجليزي.
والبداية عندي هي أن يبادر الأزهر الشريف الي تبني رأي وكيله السابق, بعد تأصيله تاريخيا, وتأهيله لمقتضيات العصر, بحيث يصبح هذا الرأي, هو موقف الأزهر الرسمي, الذي يتبناه كل المنتسبين له, ويشرحونه للرأي العام في مختلف المحافل, من خطب الجمع الي وسائل الاعلام الي قاعات الدرس, ثم لتكن هذه المبادرة الأزهرية المنشودة دعوة تنضم إليها كل المؤسسات المعنية بالشأن الإسلامي, ومنها كما ذكرنا دار الافتاء, ومجمع البحوث, والمجلس الأعلي للشئون الاسلامية, وعند ذلك لن يبقي أمام جماعة الاخوان المسلمين الذين لم نسمع منهم حتي الآن رأيا في هذه المسألة عذر للتخلف عن الانضمام الي هذا الجهد الفكري والديني والوطني النبيل, وليكن هذا اختبار عملي حاسم للجماعة, إذ سمعنا وقرأنا بين وقت وآخر, أن فكر الاخوان نحو المواطنة, وحقوق الأقباط تحديدا, يسجل تطورا تقدميا, فمنهم من يقول بفتح الحزب المدني ذي المرجعية الدينية, لعضوية غير المسلمين, ومنهم من قال إنه لا مانع من تولي غير مسلم رئاسة البلاد, ولكن كل هذا كلام مرسل, واجتهادات فردية, مرحب بها نعم, إلا أن الوقت ضيق, والخطر محدق, والاستقطاب حاد بحيث بات من الضروري حسم مسألة القانون الموحد المقترح في أسرع وقت ممكن.
ويعلم الكثيرون أن التحرك العملي لإصدار هذا القانون بدأ من المجلس القومي لحقوق الإنسان, وكان أول من تحدث عنها بهذا المعني علنا الدكتور أحمد كمال أبوالمجد نائب رئيس المجلس, وهو رجل كان علي صلة تنظيمية بجماعة الاخوان في مرحلة ما من حياته العامة, ثم انه لايزال قريبا من الاسلاميين, فضلا عن مؤهلاته العلمية والسياسية المشهود بها من الجميع, لكن المشروع ظل حبيس الأدراج, وان خرج منها فللبحث فقط في الندوات والمؤتمرات غير الرسمية, وكما نعلم أيضا فإن التفكير فيه بدأ بسبب حادثة مماثلة لحادثة العياط الأخيرة, والمعني الوحيد الذي يفهم من هذا التعثر هو أن السلطات الرسمية( الحكومة) ومجلس الشعب علي الأقل, تري أن ضمانات النجاح في اصداره لم تتوافر بالقدر الكافي, وتخشي من استغلال الرجعية والتطرف لمثل هذا التحرك في اذكاء الفتنة والاضطراب, لذا تعتبر فتوي الشيخ محمود عاشور التي بدأنا بها هذه السطور فرصة ذهبية يجب أن نلتف حولها كلنا لبناء جبهة وطنية تنضم اليها الحكومة نفسها, بعد أن تري أن الموانع والمخاوف زالت, من أجل الغاء الخط الهمايوني, وإحلال القانون الموحد لدور العبادة محله.. ومن يدري فإذا نجحت الجبهة الوطنية مرة, وفي مثل هذه القضية المصيرية التي للجميع بمن فيهم الحكومة مصلحة حيوية, فقد تكون هذه مقدمة لنجاحات تالية في بقية القضايا الأقل, والأكثر أهمية