جلسات الصلح العرفية ومشروعيتها القانونية
بقلم د. سليم نجيب، رئيس الهيئة القبطية الكندية
نشرت جريدة البديل الغراء في عددها الصادر يوم 8 أبريل 2009 خبر قيام 20 قبطياً ومسلماً بحمل أكفانهم في قرية الطيبة بمركز سمالوط في المنيا ويجولون الشوارع لينتهوا عند "عتبة" باب أسرة جمال ناشد والد يشوع الشاب القبطي الذي لقي مصرعه في أحداث الفتنة الطائفية التي شهدتها قرية "الطيبة" قبل عدة أشهر وبعدها تعقد "جلسة صلح" كبيرة تتلقى خلالها أسرة "الضحية" واجب العزاء بحضور محافظ المنيا والقس/ ايليا شفيق وعدد من القيادات الشعبية والتنفيذية والشخصيات الدينية في المحافظة.
ولقد سبق أن تمت عدة جلسات طوال الأشهر الماضية لاحتواء الأزمة للوصول لعقد صلح عرفي.
هذا وللعلم فإن هذه ليست المرة الأولى التي تحاول الجهات الأمنية انهاء هذه الأمور بما يسمى جلسات الصلح العرفية. فهل نسينا الأحداث الدامية في دير أبو فانا وغيرها منذا أحداث الكشح مثلاً إلى يومنا هذا؟
في القناة الفضائية المصرية برنامج -البيت بيتك- أذاع معد البرنامج تامر أمين يوم الثلاثاء 7 أبريل 2009 أن ثلاث اقباط قتلوا شاباً مسلماً وتم القبض عليهم. والحقيقة أن المجني عليه المسلم أراد أن يتحرش بأختهم في "بير السلم" فاستنجدت أختهم هذه بأشقاءها لانقاذها من هذا الرجل المسلم الذي أراد أن يتحرش بها .
وأذاع المذيع تامر -تكملة للحادثة- أن محافظ الاسكندرية رتب جلسة صلح بين العائلتين وتمت على خير وسلام.
ترى لماذا يبقى الأقباط في السجن حتى الان ولم يفرج عليهم؟
السؤال الذي نتساءله لماذا القبطي السجين يظل في السجن بينما في الأحداث التي يكون فيها الجاني مسلم يتم الافراج عنه بفضل جلسات الصلح العرفية!!! أين المساواة في المعاملة؟؟؟ جلسات الصلح العرفية تنشط في حالة أن الجاني مسلم والمجني عليهم أقباط هذا هو أسلوب الدولة في التعامل مع أهل الذمة.
إن هذه "التقليعة" الجديدة كثرت هذه الأيام وضربنا عرض الحائط بالقانون -إن كان هناك قانون في دولتنا السنية.
يا حضرات السادة ان القانون لا يسمح اطلاقا بتلك الجلسات العرفية التي أشبهها "بعقد الاذعان" حيث يتقدم الجانب القوي (وهي القيادات الأمنية) بمشروع عقد صلح يوجهه إلى الطرف الآخر (المجني عليه) وهو الجانب الضعيف ولا يسمح لهذا إلا بالرضوخ والقبول الذي قد يكون مجرد إذعان لما يمليه الموجب. فالقابل للعقد لم يصدر قبوله الحر بعد مناقشة ومفاوضة بل هو في موقفه من الموجب لا يملك إلا أن يوافق أو أن يدع حريته تنحصر في قبول الاتفاق أو رفضه (وهذا يجرنا إلى عواقب ونتائج خطيرة). اذ هو مضطر إلى القبول فرضاؤه موجود ولكنه مفروض عليه ومن ثم سميت "بالشرط الاذعاني" أو عقد الاذعان. وهذا الاذعان يعيب الرضاء إذن هو نوع من الاكراه لأن ارادة واحدة (وهي مباحث أمن الدولة) هي التي اشتغلت بوضع شروط الاتفاق ثم فرضته فرضاً على الجانب الضعيف الذي كان قبوله مجرد اذعان وانصياع.
إن المادة 119 من القانون المدني المصري تجعل للقاضي سلطة تقديرية لتعديل مشروع الصلح العرفي متى إرتأى شرطاً تعسفيا في هذا الصلح. كما أن المادة 151 من القانون المدني المصري أعطى للقضاء أيضاً سلطة تفسير الشك لمصلحة الطرف المذعن (وهو المجني عليه).
إن فرض جلسات صلح عرفية على المجني عليهم (يعني الأقباط الطرف الضعيف يخالف القانون عامة وقانون العقوبات خاصة ويشجع الجناة بارتكاب الجرائم ضد الأقباط وتترك آثاراً بالغة الخطورة وستزداد جرائم الثأر التي ترتكب بكثرة في مجتمعنا.
أين سيادة القانون؟؟ أين قانون العقوبات؟ وأين وأين واين؟؟؟ يجب أن يأخذ القانون مجراه لكل الأطراف جناة ومجني عليهم حقناً للدما وإلا ما بني على الباطل فهو باطل واصبحنا نطبق قانون الغابة.
إن الاعتداءات المتكررة ضد الكنائس والأديرة والمحلات التجارية وضد الأقباط قد إتخذت شكلاً وبائيا تخطيطياً الهدف منه إرعاب وإرهاب وتحطيم الأقباط معنوياً ومادياً وبعد أن تتم هذه الاعتداءت تبدأ تمثيلية عمليات ما يسمى جلسات الصلح وجلسات النفاق والكذب التي تفرض على الأقباط ويجبروهم على قبولها وإلا...
لو كنا في دولة يسود فيها القانون لأوقفت مهازل جلسات الصلح إياها وتحول الموضوع كله أمام المحكمة الجنائية وللاسف أننا في دولة، القانون فيها في أجازة منذ 23 يوليو 1952 .
من المسئول عن كل هذا؟؟ إنه سيادة الرئيس حسني مبارك حيث أن كل السلطات في يده وله ولغيره نقول أن دوام الحال من المحال ولن يخمد صوت الأقباط.
د. سليم نجيب
رئيس الهيئة القبطية الكندية
دكتوراه في القانون والعلوم السياسية
محام دولي وداعية لحقوق الإنسان - قاض سابق
عضو اللجنة الدولية للقانونيين بجنيف
Fax: (514) 485-1533
E-mail: This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it. or This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.