تحقيقات
41333
السنة 124-العدد
2000
فبراير
5
29 من شوال 1420 هـ
السبت
41333
السنة 124-العدد
2000
فبراير
5
29 من شوال 1420 هـ
السبت
حوار ساخن جدا مع أسقف البلينا
الأنبا ويصا: لا اضطهاد دينيا في مصر
الفتنة أحداث مفتعلة وليس عندنا مسلمون ومسيحيون
وارتبط اسمه سواء عن حق أو باطل بالحملة التي تشنها قلة من المصريين المسيحيين في المهجر علي وطنهم, بل أصبحت كلمات من عينة: متشدد, متعنت أو عنيد تطارده!
وعندما هبت عاصفة العنف ليلة رأس السنة الماضية في الكشح واشتدت, عاد الاسم مرة أخري للتردد, وتعرض لهجوم مباشر, وحمله البعض مسئولية حرث الأرض وشحن النفوس وتهيئة المناخ الذي انتهي إلي اشتعال فتيل الأحداث من مستصغر الشرر!
وكنت في مكتب اللواء أحمد عبد العزيز بكر محافظ سوهاج حين سألني: هل ستقابل الأنبا ويصا؟!
أجبته: قطعا سأحاول.
قال: ذكرت بعض الجرائد أنه يقاطع الصحافة المصرية ولا يتحدث إليها.
في تلك اللحظة دخل عمر أبو ستيت عضو مجلس الشعب عن البلينا, فتهلل وجه اللواء بكر وقال: جاءتك الفرصة.. عمر صديق الأنبا ويمكنه أن يدبر لك موعدا معه.
رد عمر أبو ستيت: سألتقي مع الأنبا ويصا في الخامسة, وسأخبره, وأرد عليك فورا!
ذهبنا إلي الكشح, وأمضينا فيها وقتا طويلا, مات خلاله إرسال التليفون المحمول, فلم أتلق مكالمة عمر أبو ستيت.
عدنا إلي سوهاج, وأسرعت إلي التليفون أتصل بالإبراشيه وأخذنا موعدا.
الأنبا ويصا.. اسمه في شهادة الميلاد: بطرس يوسف تكلا, مواليد طنطا عام1939, عاش في حي شبرا بالقاهرة, خدم كنائسها في شبابه, تخرج في كلية الزراعة, حصل علي بكالوريوس العلوم اللاهوتية, ترهبن في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون باسم: الراهب القس مكاريوس الأنبا بيشوي, حيث يسقط اسم الراهب الميلادي ويأخذ اسمه الديني الجديد وينسب إلي الدير الذي ترهبن فيه, وبعدها خدم بإحدي كنائس المهجر في باريس, وكان يلقب بـ كروان البرية لحلاوة صوته في التسبحة والقداسات, وعاد من باريس في منتصف عام1975, وجري ترسيمه أسقفا علي ابرشية البلينا وبرديس ودار السلام, والكشح هي إحدي قري مركز دار السلام, والترسيم هو التنصيب لدرجة كهنوتية أعلي, وأسقف أي ابرشية يظل بها مدي حياته ولا تملك أي سلطة دينية نقله أو عزله منها علي الإطلاق, واعتقل في أحداث سبتمبر1981 مع أكثر من1500 من الشخصيات المصرية اللامعة سياسيا واقتصاديا ودينيا.
هو أحد المقربين من البابا شنودة الثالث, ويعد من أولاده الكبار حسب تعبير أحد الكهنة لي..
يصفه المسيحيون في نطاق ابرشيته بأنه حبوب, حنون إلي أبعد الحدود, صريح وواضح.
استقبلنا الأنبا ويصا مبتسما.. وقال: يقولون إنني أقاطع الصحافة المصرية.. فكيف أتحدث إليكم؟
كان بصحبته أربعة من القساوسة..
دخلنا جميعا إلي مكتبه البسيط العصري..
وسألته: لماذا الكشح؟!.. ثم أدرت جهاز الكاسيت.
ما كدت ألقي بالسؤال, حتي راح الأنبا ويصا والقساوسة المحيطون به يروون قصة الأحداث, وبها اتهامات ألصقوها بشخص بعينه.
فسألت الأنبا: هل سمعت أم رأيت؟!
أجابني: سمعت.
سألته: وهل أعتبرما سمعه نيافتكم شهادة؟!
أجابني: سمعته من مصادر موثوق بها.
قلت: كل راوي يروي ما رآه مختلطا برغباته ومصالحه والإيحاء الذي يسعي إلي أن يبثه في نفوس مستمعيه.. هل هناك مصادر ليس لها مصلحة؟!.. ألن يحاول المصدر إبعاد الخطأ عن نفسه أو عن ناسه؟!
فانبري أحد القساوسة قائلا: أنا شاهد عيان بعد تفجر الأحداث, وأخذ يروي لأكثر من نصف ساعة تفاصيل ساعات مشتعلة انتقل خلالها بين القري ورجال الشرطة, يبين أسباب عدم السيطرة علي الأحداث الملتهبة وأعمال القتل والسرقة!
قلت: آسف.. لا أستطيع أن أنشر ما تقولون دون دليل, فهذه مسئولية قانونية..
رد الأنبا ويصا: أتحملها أنا..
قلت: قانون الصحافة هو الذي يحكم, ولا أستطيع أن أنشر اتهامات دون أدلة قاطعة أدافع بها عن جريدتي أمام المحكمة.. وعموما الأحداث تحقق فيها الجهات المسئولة.
قال الأنبا ويصا: أنت تقدر بالطبع الألم والانفعال الذي بنا.. نحن ننفث.
قلت: نعود إلي السؤال الأصلي: لماذا الكشح؟!
أجاب: أحداث مفتعلة من ناس آخرين, وهي تكملة لأحداث عام1998, المسألة بعيدة عن المسلمين والمسيحيين وإنما هي تحريض.
سألت: ولماذا هذه الإبراشية تحديدا؟!.. لماذا هي بالذات التي تقع مثل هذه الأحداث في دائرتها؟!
أجاب: لأنني لا أقبل أن أحدا من أولادي يعذب أو يظلم دون سبب, هؤلاء أولادي, وإذا كانت هناك أحداث وقعت في ابراشيات أخري وتداركوها بصورة أو بأخري, فهذه ليست مشكلتي.. أنا رجل أقضي الأمانة المطلوبة مني والتي أحاسب عنها أمام ربنا.
* تقصد كرجل دين؟!
ــ نعم كرجل دين.
سألته: وما هي حدود رجل الدين في رأيك؟!
قال: أب.
* ما هي حدود الأب؟!
ــ تعرفه أنت.
* السؤال لك!
سألني بدوره: ألست أبا.. لو أساء أحد إلي أي من أولادك.. فكيف تتصرف؟!
قلت: لفظ الأبوة واسع مطاط وسبق أن استخدم سياسيا في عصر الرئيس الراحل أنور السادات, ويعني سلطة مطلقة, فكلمة الأبوة تعطي حقوقا لمن يقولها أكثر من حقوقه في الواقع!
قال: أنا أب في حدود ابراشيتي.
قلت: كلمة الأب قد يكون لها مدلول سياسي.
سألني: بأي معني؟!
أجبت: بمعني التدخل في الشئون العامة لمن يتبع الإبراشية, في علاقتهم بالدولة, بالمجتمع, بالآخرين, وأتصور أن هذا قد يفسر بأنه يتعدي حدود الإبراشية.
ما كدت أنهي جملتي حتي قطع القساوسة المحيطون بالأنبا ويصا الحوار, وحاولوا هم الإجابة عن تساؤلاتي, فطلبت منهم أن يدعوا الأنبا ليجيب بنفسه, لأنني لن أنشر إلا كلامه هو.. وقلت: أرجوكم أعطوه الفرصة ليرد علي كل التساؤلات.. الرأي العام ينتظر أن يسمع منه.
سكت الأنبا ويصا وأشار بيده, فهدأت الإجابات المحبطة.. ثم قال: إذا كان يقصد بدفاعي عن أولادي في أي ناحية من النواحي أن هذا تدخل في السياسة.. فليكن. فليكن.
ولكن حقيقة الأمر أنا لا أتدخل في السياسة, عندي شكاوي كثيرة لأبنائي من أشغالهم أو في متاجرهم ولا أتدخل, لكن عندما يأتي إلي ألف شخص, كيف لا أطلع صوتي, كيف لا أقول إن ظلما وقع علي, إذا لم أقل ذلك فسأسأل أمام ربنا.
قلت: ولماذا ينسب البعض إليك صفة التشدد؟
قال: وما هي مظاهر هذا التشدد؟!
قلت: أن يتجاوز دورك دور رجل الدين وتمارس دور الدولة نفسه!
قال: يعني من يقول الحق يطلع من البلد.. هل أنا تجاوزت عندما أعلنت في جريمة القتل التي وقعت في صيف1998 أن ألف واحد في الكشح يتعرضون للتعذيب, إذا لم أفعل فسأدان أمام ربنا.. هذه مسئوليتي.. وهؤلاء أولادي.
قلت: أولادك من الناحية الروحية, لكن من ناحية المواطنة هم مواطنون مصريون خاضعون للقانون, وإذا حدثت تجاوزات ضدهم فسوف يلجأون إلي القانون لا إلي الكنيسة, يقدمون بلاغا إلي النيابة العامة..
قال: لم ألجأ إلا للقانون.. عملت كل هذا ولم أتجاوز الدولة في أي شيء, فهل عندما أطلب الحق أبقي متشددا, ولو كانت لي تعليمات صارمة مع أولادي, فهي تخصني ولا تخص أي طرف آخر.
قلت: لكن ما حدث أن هذه التجاوزات نقلت إلي الدوائر الخارجية باعتبارها اضطهادا دينيا؟!
قال: لا علاقة لي بالخارج.. الجرائد والشائعات هي التي فعلت ذلك, لكن ولا مرة قلت إنها ليست تجاوزات.
قلت: كان فيه تصريحات من الإبراشية لوكالات الأنباء والصحف الأجنبية؟!
قال: لم أتصل أبدا لا بوكالة أنباء أو غيره, لكن أنا قاعد وتليفوني جنبي وأي واحد يسألني أجيبه بالحقيقة, وإذا كنت قلت شيئا غير الحقيقة فأنا مستعد للمساءلة, أنا أعلم الناس أن يتكلموا الصح, الناس تصدقني, لأنني لا يمكن أن أكذب.. الكذب خطيئة!
قلت: وهل من حق الأجانب أن يتدخلوا في حياة المصريين؟!
قال: إطلاقا.. ليسوا من الأجانب, إنما أولادنا في الخارج وهم مصريون.
قلت: وهم الذين نقلوا الأمر علي أنه اضطهاد ديني!
قال: لا أسأل عنهم.. في الخارج من يرتكب خطأ يجاز عليه, ولا تلفق أي اتهامات ضد بريء, ولا يسجن أحد علي أنه قاتل وليس قاتلا..
قلت: لكنهم استغلوا هذا في أوساط سياسية في الغرب ضد مصر.
قال: عارف من المسئول عن ذلك؟! الذين أوصلوا الأمر في الكشح إلي هذا الحد, لأنهم لم يخمدوا نيرانها فور اشتعالها.. ذهبت إلي كل المسئولين أولا.. وبعدها رحت إلي منظمة حقوق الإنسان وهي كتبت تقريرها.
قلت: ألم يكن ذلك تأليبا علي مصر؟
قال: مرة جاءني صحفي أجنبي وسألني: هل هذا اضطهاد ديني؟!.. قلت له: لا.. مصر لا تعرف الاضطهاد الديني, وقعد يحاول معي لكي أقول له ما يريد, في النهاية قلت له لن أتحدث معك, ويجب أن تعرف أنه ليس عندي اضطهاد ديني, عندي تجاوزات, الاضطهاد الديني له أشكال أخري.
وأكرر مرة أخري, بالرغم مما حدث في الكشح أخيرا, فليس لدينا اضطهاد ديني, أنا عندي فتنة بعيدة عن الناس مسلمين ومسيحيين.
صمت الأنبا ويصا برهة, ثم قال أنا أتشدد في الحق.
قلت: لي ملحوظة أخري!
قال: ما هي؟!
قلت: ما ذكرته عن أن المسيحيين هم الفراعنة أصل مصر؟!
قال: أليس ذلك حقيقة؟!.. وما الذي يعيب أن أقول إن دمي من الفراعنة؟!
قلت: لأنك تخص جماعة من المصريين بأنهم أصل مصر.. فماذا يكون الآخرون؟!.. ألا تعد هذه العبارة تحريضية؟!
قال: قبطي يعني مصري, أنت قبطي مسلم وأنا قبطي مسيحي, وكنت أقصد أنني مصري حتي النخاع, ووطني, وهذا بمثابة رد علي من يقولون إن الأقباط يحتمون بكلينتون, نحن لا نحتمي بكلينتون ولا بأي أحد, نحن مواطنون.
قلت: لكن كلمة كلينتون كانت تتردد علي ألسنة البسطاء في الكشح؟!
قال: الناس الفلاحون في الكشح لا يعرفون كيف ينطقون كلمة كلينتون.
قلت: سمعتها من أهل الكشح أنفسهم؟!
قال: قيلت لهم من مروجي الشائعات أصحاب الفتنة.
قلت: تقصد أنه لم يكن بالكشح مشكلات قبل عام1998!
قال في حزم: إطلاقا.. إطلاقا.. إطلاقا.
سؤال أخير: وكيف تعود الحياة إلي مسالكها الطبيعية؟!
قال الأنبا ويصا: أكرر أولا.. ليس لدينا مسلمون ومسيحيون.. هذه فتنة, وحلها في إظهار الحق, حتي ينكشف الجاني الحقيقي ويعاقب.. نحن علي ثقة في الرئيس مبارك وندرك تماما أنه لا يرضي بالظلم, الحق هو جسر التعايش والوئام كما هو الحال دائما.
**
وانتهي الحوار..