المواد الأولي والثانية والخامسة من الدستور..
د عمرو اسماعيل
سواء وافق بعضنا أم لم يوافق فالتعديلات الدستورية التي تقدم بها الرئيس مبارك والمزمع طرحها في استفتاء عام في شهر ابريل القادم بعد موافقة مجلس الشعب عليها في صورتها النهائية هي أهم ما يجب أن يشغل الجميع.. من المهتمين بالشأن المصري من جميع التيارات السياسية في مصر.. ..
فهذه التعديلات الدستورية ستؤثر علي مصر وشعبها الي عقود قادمة في كل شيء.. فالدستور سيظل هو الأب الشرعي لكل القوانين التي تمس وتؤثر علي أي مواطن مصري.. في عمله.... وهو في طريقه الي العمل في حياته الخاصة والعامة.. الدستور ليس شيئا هينا.. حتي إن لم يحس المواطن العادي بتأثيره المباشر.. وهو لا يؤثر فقط علي الحياة السياسية وعلي النشاط الحزبي والسياسي..بل يمتد تأثيره المفيد أو الضار الي كل شيء في مصر وهو في الحقيقة الذي ينظم الحقوق والواجبات لكل مواطني مصر بدءا من رئيس الدولة الي أصغر مواطن في مصر..
في رأيي الشخصي أن السبب الرئيسي لمشاكلنا ومنذ قيام الثورة في يوليو 52 هو وقف العمل بدستور 23 وعدم الوصول الي دستور أكثر وضوحا وتقدمية منه (والتخلي عن الدستور المقترح في 54 ).. وتبني دساتير يمكن القول عنها أنها سمك لبن تمر هندي.. كانت يد ترزية القوانين واضحة فيها.. وكان هدف هؤلاء هو إرضاء الحاكم وليس الشعب ومصلحته.. والدليل علي ذلك هو تعديل المادة 77 التي أتاحت للرئيس البقاء مدي الحياة.. وهذه المادة كانت ستكون فعلا غير ذات أهمية لو كان تم تعديل المادة 76 تعديلا حقيقيا يتيح الفرصة فعلا للإنتخاب الحر المباشر لرئيس الجمهورية بين عدة مرشحين جادين يملكون فرصة حقيقية للوصول الي منصب الرئاسة..ورغم ذلك فالدستور الحالي به بعض الجوانب الايجابية وخاصة الباب الثالث الذي ينظم الحقوق والواجبات العامة وهذا الباب بالذات في رأي شخصي الضعيف لا يجب المساس به..
أما أهم مواد الدستور التي ستؤثر كثيرا علي مستقبل مصر فهي مواد الباب الأول الخمسة وخاصة المواد الأولي والثانية والرابعة والخامسة.. فالمادة الثالثة لايوجد اختلاف كبير علي نصها الحالي.. ثم المواد 76 و 77 و88 وهي سنترك لها نقاشا مستقلا.. فما هي المواد هذه المواد :
المادة (1)
جمهورية مصر العربية دولة نظامها اشتراكى ديمقراطى يقوم على تحالف قوى الشعب العاملة. والشعب المصرى جزء من الأمة العربية يعمل على تحقيق وحدتها الشاملة.
..وتعديل المادة الأولي المقترح لتنص علي: «جمهورية مصر العربية نظامها ديمقراطي يقوم علي مبدأ المواطنة». وهو تعديل أعتقد أنه لا خلاف عليه..
المادة (2)
الاسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع.
المادة (3)
السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين فى الدستور.
المادة (4)
الأساس الاقتصادى لجمهورية مصر العربية هو النظام الاشتراكى الديمقراطى القائم على الكفاية والعدل، بما يحول دون الاستغلال ويؤدى إلى تقريب الفوارق بين الدخول، ويحمى الكسب المشروع، ويكفل عدالة توزيع الأعباء والتكاليف العامة....
..والتعديل المقترح ينص علي عدم تبني نظام اقتصادي محدد يكبل الأجيال القادة.. وهذه المادة تحتاج كثيرا من النقاش للتأكيد علي العدالة الاجتماعية وللحد من الفساد المستشري حاليا بحجة اقتصاد السوق الحر والذي تحول في التطبيق العملي الي اقتصاد النهب الحر..
المادة (5)
يقوم النظام السياسى فى جمهورية مصر العربية على أساس تعدد الأحزاب وذلك فى اطار المقومات والمبادئ الأساسية للمجتمع المصرى المنصوص عليها فى الدستور.
وينظم القانون الأحزاب السياسية.
والتعديل المقترح لهذه المادة هو إضافة فقرة ثالثة لها تنص علي: «يحظر مباشرة أي نشاط سياسي أو حزبي أو قيام الأحزاب علي أساس الدين أو الجنس أو الأصل، لتبقي المواطنة وحدها أساسا للتعايش ومناهج العمل السياسي».
وهذه المادة تحتاج مزيدا من النقاش.. وخاصة من جانب تيار معين.. بحيث لا تكون عقبة أمام حقوق المواطنة..
اما المادة الثانية من الدستور فالإبقاء عليها كما تقرر أو تعديلها أو إلغائها فهي مازالت تحتاج كثيرا من النقاش وهو ما أقترحه علي تيار الإخوان و كل من يطالبون بدولة مدنية ذات مرجعية اسلامية.. أن يقولوا لنا ماهو مفهومهم لهذه المادة.. ما هو مفهومهم لمبادي الشريعة الاسلامية.. ماهو تعريفهم لكلمة مباديء وكلمة شريعة وهل معني أنها المصدر الرئيسي للتشريع أن هناك مصادر أخري.. هل الإبقاء علي هذه المادة لا يتناقض مع التعديلات المقترحة التي تؤكد علي المواطنة ومنع قيام أحزاب دينية.. فأنصار الإبقاء علي هذه المادة من الحزب الحاكم يرون أنها لا تتناقض مع مبدأ المواطنة ولا مع منع قيام أحزاب دينية علي أساس الدين.. وكما يقول الدكتور يحيي الجمل موضحا :
"هل المادة الثانية من الدستور- بعد تعديلها عام ١٩٨٠- تبعد مصر عن الدولة المدنية وتقربها من مفهوم الدولة الدينية، هذا سؤال دقيق ويثير كثيرًا من الحساسيات وكثيرًا من المناقشات في هذه الأيام؟
كانت المادة الثانية عند أصل وضعها في دستور ١٩٧١ تقول: «الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع».
وعدلت هذه المادة عام ١٩٨٠ لكي تقول «... ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع».
والحقيقة أن الهدف الأساسي من وراء هذا التعديل هو كما قلت أكثر من مرة كان للتغطية علي سوءات تعديل المادة ٧٧ من الدستور، التي أطلقت مدد الرئاسة إلي أبد الآبدين، وقد وصفت تعديل المادة الثانية بأنه نوع من النفاق السياسي ودغدغة مشاعر الجماهير أكثر منه توجهًا نحو فكرة الدولة الإسلامية.
وجاءت المحكمة الدستورية العليا فحكمت بأن هذا التعديل يخاطب المشرع ولا يخاطب القاضي وأن مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر كذلك- المصدر الرئيسي- هي المبادئ قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهذه بطبيعتها محدودة للغاية، ذلك أن الغالبية الكبري من الأحكام الشرعية فيها اجتهادات واختلافات كثيرة بين الفقهاء المسلمين والمذاهب المختلفة، بل إنه بين فقهاء المذهب الواحد تتعدد الآراء ومن ثم فإن حكم المحكمة الدستورية الذي اقتضي شرطي قطعية الثبوت وقطعية الدلالة جعل تطبيق هذه المادة شديد المحدودية والضيق."
وهو ما أطلبه من التيار الاسلامي بصفة عامة والتيار الإخواني بصفة خاصة أن يوضحوا للجميع بصورة واضحة ماهو مفهومهم لهذه المادة.. ماهي مباديء الشريعة و كيف تكون المصدر الرئيسي للتشريع.. هل رأيهم متوافق مع حكم المحكمة الدستورية العليا أم لا.. مفوهمهم لهذه المادة ووضع برنامج واضح لتقنين الشريعة يصلح أن يكون البرنامج الواضح الذي تناقشهم علي أساسه باقي القوي السياسية في المجتمع والتي يبدو أن مفهومها لمدنية الدولة (وأنا أنتمي ولا أخفي ذلك أعتبر نفسي منتميا لهذه القوي ) يتقاطع مع مفهوم الإخوان الغير واضح.. إن مفهوم الإخوان الواضح للمادة الثانية الغير مبهم وهل يتفق مفهومهم مع حكم المحكمة الدستورية العليا أم لا هو الطريق الوحيد لقبول أو رفض هذا التيار.. أما موقفهم المبهم الحالي فهو ما يؤدي الي الموقف المتأزم بين الإخوان والنظام وباقي التيارات السياسية في المجتمع..
إن النقاش الهادي ء للتعديلات الدستورية وخاصة مواد الباب الأول والمادة 76 و 88 للوصول الي أفضل صيغ ممكنة هو واجب علي كل مواطن مصري.. بحيث نقبل جميعا بعد ذلك بهذه التعديلات الدستورية إن تم الموافقة عليها في استفتاء حر... ثم نعمل جميعا حتي إن أردنا تعديل الدستور من خلال آليات هذا الدستور.. فالبديل هو الفوضي.. وهو بديل مرعب..
أما في النهاية فلي رأي يستحق مقالا مفصلا..
وهو أنه لم تصل التعديلات إلى مرتبة تحويل مصر لنظام برلماني كامل كما يطالب الكثيرون، ولا هي أبقت على النظام الرئاسي الخالص والديمقراطي في نفس الوقت كما يحبذ البعض وأنا منهم، بحيث يبدو من بعض المواد أن النظام "رئاسي"، ويبدو من مواد أخرى أنه "برلماني"... ولكن يبدو أننا سننتظر بعضا من الوقت حتي تصبح الديمراطية واقعا وممارسة حقيقية في مصر لنستطيع الاختيار بين النظام البرلماني والرئاسي..
فلندعو الله جميعا أن تكون هذه التعديلات خطوة نحو مستقبل أفضل