د.عبد الخالق حسين :الآيديولوجيات أشبه بالأوبئة، لها مواسم وتأتي على شكل وباء
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
الحوار المتمدن - العدد: 1890 - 2007 / 4 / 19
حاوره : مازن لطيف علي
عندما يشعر المواطن من أصغر فئة أثنية أنه يحق له أن يرشح لأي منصب في الدولة بما فيه منصب رئاسة الجمهورية، وعندما يرى الصابئي المندائي أو الأيزيدي أو المسيحي انتخبه البرلمان العراقي رئيساً للجمهورية العراقية، عندها قد تحقق توازن الهوية العراقية. ويجب نشر ثقافة المواطنة وتعميق الشعور بالانتماء إلى الوطن إلى حد أن يعتز المواطن ,من هذه الرؤية الموضوعية يحدثنا الكاتب والباحث اللييرالي د.عبد الخالق حسين الذي يرى ان الليبرالية هي جديدة على شعوب المنطقة
ومازالت في مراحلها الأولية، حيث بدأت في أوائل القرن الماضي مع تأسيس الدولة العراقية باستحياء، وواجهت مقاومة عنيفة منذ ولادتها من قبل السلطة والمجتمع المتشرب بالتقاليد والأعراف القبلية، وهذا أمر طبيعي في تاريخ التطور الفكري والسياسي والاجتماعي.
متى تتوازن الهوية العراقية ضمن إطار العراق الواحد والكتابة لمنهج يعزز هذه الوحدة؟وأين يكمن دور المؤرخ والمثقف وحتى السياسي؟
بدءً، شكراً لكم على دعوتكم الكريمة وإفساح المجال لي للتعبير عن آرائي فيما يخص القضية العراقية الراهنة.
فيما يخص الهوية العراقية فإنها تتوازن فقط عندما يشعر جميع أبناء الشعب العراقي أنهم مواطنون من الدرجة الأولى وليس في العراق مواطن من الدرجة الثانية أو العاشرة. وهذا لن يتحقق إلا بعد تحقيق الأمن وتقديم الخدمات وبناء مؤسسات الدولة الديمقراطية الحديثة التي تستجيب لمتطلبات الحداثة والحضارة المعاصرة. ولتحقيق هذا الهدف (توازن الهوية العراقية) يجب استتباب حكم دولة القانون وتحقيق المواطنة الكاملة، أي جميع المواطنين سواسية أمام القانون في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص، وإلغاء التمييز بين المواطنين بجميع أشكاله، العرقية والدينية والطائفية، وعندما يشعر المواطن من أصغر فئة أثنية أنه يحق له أن يرشح لأي منصب في الدولة بما فيه منصب رئاسة الجمهورية، وعندما أرى الصابئي المندائي أو الأيزيدي أو المسيحي انتخبه البرلمان العراقي رئيساً للجمهورية العراقية، عندها يكون قد تحقق توازن الهوية العراقية. كما ويجب نشر ثقافة المواطنة وتعميق الشعور بالانتماء إلى الوطن إلى حد أن يعتز المواطن العراقي بالانتماء إلى العراق كوطن وكهوية، يشعر بالولاء له أكثر من ولاءاته الأخرى مثل الولاء للطائفة أو القبيلة أو أية جهة، وشعاره (الدين لله والوطن للجميع).
بعد نهاية الحرب الباردة توجهت الولايات المتحدة الأمريكية بتغيير ستراتيجيتها وأصبحت عن قرب بإزاحة الدكتاتوريات واللجوء إلى الديمقراطية هل هي صادقة في نواياها ؟.
المشكلة أن ثقافتنا الاجتماعية الموروثة علمتنا الكراهية والعداء لأمريكا خاصة، وللغرب عامة، منذ نعومة أظفارنا وذلك بسبب الصراع بين القطبين العملاقين، الأمريكي والسوفيتي خلال الحرب الباردة، وللتاريخ الاستعماري السيئ الصيت للدول الغربية، ومواقفها السلبية ومحاربتها لحركات التحرر الوطني والحكومات الديمقراطية ودعمها للأنظمة المستبدة في العالم الثالث آنذاك، كل ذلك أعطت سمعة سيئة لأمريكا خاصة والدول الغربية عامة وجعلت الناس في حالة شك وريبة من سياسات أمريكا حتى ولو كانت في صالح الشعوب. ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي لصالح المعسكر الغربي بقيادة أمريكا، انقلب السحر على الساحر، فالمنظمات الإسلامية المتطرفة التي أسستها أمريكا ضد الشيوعية، والحكومات المستبدة التي دعمتها ضد إرادة شعوبها مثل نظام البعث في العراق، انقلبت هذه الحكومات والمنظمات الإرهابية على أمريكا ذاتها وعلى الغرب. فتحول الصراع بين الكتلة الغربية والكتلة الشيوعية إلى الصراع بين التطرف الإسلامي الأصولي والغرب. وظهر ذلك بأوضح أشكاله في هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001. وهذه هي نقطة التحول في سياسة أمريكا والغرب، حيث استنتج السياسيون والمفكرون الغربيون أن هذه العمليات الإرهابية ستستمر ما دامت هناك حكومات وأنظمة مستبدة تعمل كمفارخ للإرهاب. والحل هو القضاء على المنظمات الإرهابية والأنظمة المستبدة التي تدعمها، وقيام أنظمة ديمقراطية مكانها وفق ما تتطلبه العولمة التي تقودها أمريكا. ونتيجة لذلك توصلت أمريكا إلى حقيقة مفادها أن من مصلحتها نشر الديمقراطية في دول الشرق الأوسط من أجل القضاء على الإرهاب. فلأول مرة في التاريخ تتطابق مصلحة أمريكا مع مصالح شعوب العالم الثالث، وعلى هذه الشعوب استثمار هذه الفرصة التاريخية لصالحها.
لا يزال المثقف العراقي والعربي يخضع لأيديولوجيا عفى عنها الزمن وأثبتت الحقائق والوقائع فشل تلك الأيديولوجيات. ماذا تعلل ذلك؟
هناك أسباب عديدة وراء تمسك البعض بهذه الآيديولوجيات رغم إثبات فشلها وتسببها الكوارث للشعوب، ومن هذه الأسباب: في حالة اليساريين هو الحنين إلى الماضي، حيث كانوا يؤمنون بشكل مطلق بصحة الآيديولوجية الماركسية- اللينينية، وعانوا في سبيلها الكثير من التعسف والاضطهاد من قبل الحكومات الجائرة، ودفعوا تضحيات كبيرة من أجلها. وكان دافعهم لاعتناق هذه الأيديولوجية هو تحقيق العدالة الاجتماعية، ولكن الواقع شيء والنظريات شيء آخر حيث أثبت فشلها. لذا فتخليهم عن هذه الآيديولوجية يكون بمثابة اعترافهم بخطئها، وبذلك يخسرون ماضيهم ومجدهم وكل تضحياتهم التي لا يملكون غيرها.
أما البعثيون وقلة مما تبقى من التيار القومي العروبي في العراق، فكانوا بمعزل عما كان يجري في العالم من تطور، ومعظمهم يدركون في قرارة نفوسهم خطأ آيديولوجيتهم وفشلها، ولكنهم مثل اليساريين، لا يريدون الاعتراف علناً بذلك لكي لا يخسروا ماضيهم. لذلك نراهم يبرؤون الآيديولوجية البعثية والقومية من أي خطأ ويلقون اللوم على صدام حسين وحده. بينما الحقيقة إن صدام حسين هو نتاج لهذه الآيديولوجية وليس السبب لها.
أما الآيدولوجيا الإسلاموية الأصولية، أي الإسلام السياسي، فقد جاء كرد فعل لفشل الآيديولوجيتين السابقتين وفشل الحكومات العلمانية في البلاد العربية والإسلامية لحل المشاكل المعيشية المتفاقمة بسبب تفشي الفساد والرشوة في إدارة هذه الحكومات، وفي العراق جاء المد الإسلامي الشيعي كرد فعل لتعسف النظام البعثي ضدهم. إضافة إلى أن المرحلة هي مرحلة الأصولية الإسلامية. فالآيديولوجيات أشبه بالأوبئة، لها مواسم وتأتي على شكل وباء على نطاق واسع. فقد تعرض العراق في الخمسينات وأوائل الستينات إلى المد اليساري ثم انحسر، ليليه المد القومي العروبي، والذي انتهى بكوارث على الشعوب العربية، مما أتاح المجال في التسعينات وإلى الآن إلى تفشي الآيديولوجية الإسلاموية والتي هي الأخرى لا بد وأن تنحسر كما انحسرت الآيدولوجيتان السابقتان، الشيوعية والقومية.
خلاصة القول، إن تمسك هؤلاء بأيديولوجياتهم ناتج عن العناد والحنين إلى الماضي والتعلق به.
فشل المشروع الليبرالي في العراق، فما أسباب هذا الفشل؟
لا اعتقد بفشل المشروع الليبرالي في العراق أو غيره من دول المنطقة، فالليبرالية هي جديدة على شعوب المنطقة ومازالت في مراحلها الأولية، حيث بدأت في أوائل القرن الماضي مع تأسيس الدولة العراقية باستحياء، وواجهت مقاومة عنيفة منذ ولادتها من قبل السلطة والمجتمع المتشرب بالتقاليد والأعراف القبلية، وهذا أمر طبيعي في تاريخ التطور الفكري والسياسي والاجتماعي. فقد بدأت الليبرالية في أوربا في أوائل القرن السادس عشر ولم تعط ثمارها إلا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر بفصل الكنيسة عن الدولة، وولادة الأنظمة الديمقراطية الليبرالية وعبر ثورات وحروب دامية.
فالدول العربية والإسلامية متأخرة عن الدول الأوربية بهذا الخصوص مدة مائتي عام. بينما التراث العربي-الإسلامي عمره 1500 سنة. لذا من الصعوبة على الشعوب العربية تقبل الأفكار الليبرالية بسهولة وبدون مقاومة، خاصة في ظل تفشي وصعود المد الإسلام السياسي، فالمرحلة الراهنة هي مرحلة الإسلام السياسي لأسباب ذكرناها آنفاً.
ولكن في نفس الوقت، يجب التوكيد أن في عصر السرعة والعولمة والتكنولوجية المتطورة والثورة المعلوماتية، فإن التطور يحصل بوتيرة متسارعة، فما تحقق في أوربا خلال ثلاثة أو أربعة قرون يمكن أن يتحقق في منطقتنا خلال ثلاثة عقود من الآن. لذا فإن ما يجري من صراع دموي في المنطقة الآن هو المخاض العسير لولادة الدولة الديمقراطية الجديدة.
ظهور بوادر الديمقراطية واللبرالية في العراق في ثلاثينيات القرن العشرين على يد عبد الفتاح ابراهيم وحسين جميل حصرا ..لكن الذي نشاهده الآن هو عدم وجود المستوى الثقافي لأي حزب ليبرالي يمتلك المؤهلات الثقافية التي امتلكها الليبراليون في السابق ؟
: كان المجتمع العراقي في بداية القرن الماضي مجتمع خاو بكر قابل لتبني أي فكر جديد. لذلك كانت مهمة الليبراليين الرواد الأوائل أسهل من مهمة أمثالهم اليوم. لأن المجتمع يحمل اليوم الفكر السلفي المقاوم للديمقراطية والحداثة والليبرالية. فبعد نحو أربعين عاماً من الحكم القومي العروبي الشمولي وخاصة إثناء 35 عاماً من حكم البعث الصدامي، وُجِهت ضربة قاسية وشديدة للحركة الديمقراطية والليبرالية في العراق. فمعظم الديمقراطيين والليبراليين إما غادروا البلاد إلى المنافي وإما ماتوا، أو اختاروا العزلة والصمت طلباً للسلامة، مع الأخذ في نظر الاعتبار أن 85% من الشعب العراقي نشئوا وتربوا خلال هذه الفترة المظلمة. لذلك وبعد هذا الجور الهائل الذي أنزله النظام البعثي الشمولي على الشعب العراقي، فقدَ معظم الناس ثقتهم بالقوى المادية لخلاصهم فتوجهوا نحو القوى والأفكار الغيبية والدينية لحل مشاكلهم. كذلك هناك مد إسلامي في معظم الدول العربية والإسلامية، والعراق ليس استثناءً. وقد منع النظام الساقط نشر الفكر الديمقراطي الليبرالي، فكانت الجماهير بمعزل عن العالم ومحرومة من أية وسيلة إعلامية تضعه في حالة تماس مع ما يجري في العالم من قفزات في العلوم والتكنولوجية والثقافة. إضافة إلى حملة النظام الساقط بما سمِيَّ بالحملة الإيمانية. كل هذه العوامل ساعدت على انحسار الفكر الديمقراطي والليبرالي ونشر الفكر الغيبي.
إلا إن هذه الأزمة قابلة للحل، ولكنها تأخذ وقتاً إلى أن تحل الأفكار الخيرة محل الأفكار الظلامية والخرافية المتفشية الآن. ففي العراق حركة ديمقراطية وليبرالية نامية وفي اتساع مستمر، خاصة بعد أن فشلت القوى الإسلامية المهيمنة على السلطة الحالية بحل مشاكل الشعب المتفاقمة. فهناك دراسات استطلاعية أجريت في العراق من معاهد غربية كشفت بشكل يبعث على التفاؤل حيث أظهرت النتائج أن قطاعات واسعة من الجماهير بدأت تتحسس أن النظام العلماني الديمقراطي أفضل من النظام الثيوقراطي.
هل كان العراق في الفترة الملكية، دولة مبنية على أسس ديمقراطية ؟
نعم نظرياً كان النظام الملكي مبني على أسس ديمقراطية، وله دستور ديمقراطي راق، ولكن لا ننسى أن الدولة العراقية بدأت من حطام وركام تكالبت عليه الأقوام الأجنبية منذ غزو المغول بقياد هولاكو عام 1258 إلى تاريخ تحريره على أيدي القوات البريطانية عام 1918 وتأسيس دولته الحديثة عام 1921. فقد أراد الإنكليز بناء دولة ديمقراطية حديثة. وكانت الديمقراطية في العراق في مراحلها الجنينية، والشعب ممزق إلى أديان وطوائف وعشائر وأعراق متصارعة، إضافة إلى تفشي الفقر والجهل والأمية والصراعات الداخلية كما هي الآن. وبهذا الخصوص قال المرحوم الملك فيصل الأول في رسالة له: "وفي هذا الصدد أقول وقلبي ملآن أسى: إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتقضاظ على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعباً نهذبه وندربه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف، يجب أن يعلم أيضاً عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل. هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي… " (عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي، ج1، ص12).
إلا إن لسوء حظ الشعب العراقي مات الملك بعد أشهر من كتابة هذه الرسالة وتوزيعها على عدد محدود من القادة السياسيين في تلك الفترة. وبعد رحيل الملك لم يحكم العراق من يتمتع بمصداقية وحب الجماهير إلى أن حصلت ثورة 14 تموز 1958 بقيادة الزعيم الشهيد عبدالكريم قاسم الذي كان يتمتع بمصداقية وجماهيرية واسعة، ولذلك تحركت القوى الظلامية المعادية للشعب العراقي فاغتالت الثورة وقيادتها، ليغرق العراق في بحر الظلمات منذ انقلاب القوميين يوم 8 شباط 1963 الأسود ولحد هذه اللحظة. ورغم سقوط نظام البعث يوم 9 نيسان 2003، إلا إن هذا الشعب بقي يعاني من مخلفات البعث وفلوله الإرهابيين وحلفائهم السلفيين التكفيريين.
وسبب فشل ديمقراطية العهد الملكي هو نوري سعيد الذي وقف حجر عثرة أمام التطور إذ ما كان يقبل بمسح المجال أمام الجيل الجديد من المثقفين في المشاركة بالقرار السياسي والحكم ويرفض التخلي عن سياسة القبضة الحديدية ضد الوطنيين الديمقراطيين حيث تآمر على رئيس الوزراء المثقف الدكتور محمد فاضل الجمالي عام 1954 الذي أراد بعث الحياة في الديمقراطية فأطلق سراح السجناء السياسيين وأجاز الأحزاب والنقابات وغيرها من منظمات المجتمع المدني وأجرى انتخابات برلمانية، واستطاعت الأحزاب الوطنية الفوز بـ 11 مقعد فقط من مجموع 131 مقعداً. إلا إن نوري السعيد لم يتحمل هذا العدد القليل من نواب المعارضة في البرلمان، فدبر انقلاب القصر على الجمالي وأسقط حكومته وحل البرلمان بعد 24 ساعة من مراسيم افتتاحه وخطبة العرش. فهذه هي الديمقراطية في العهد الملكي. ولذلك يئس قادة القوى الوطنية الديمقراطية من الوسائل السلمية في التحولات السياسية الديمقراطية، ولم يبق أمامهم سوى اللجوء إلى الثورة المسلحة التي حصلت بقيادة الجيش يوم 14 تموز 1958.
هل هناك يقظة حقيقية للمرأة واحتلاها مكانتها على مسرح التاريخ كقوة طليعية للمجتمع ؟
*- نعم هناك يقظة حقيقية لدى قطاع لا بأس به من النساء يلعبن دورهن كقوة طليعية للمجتمع في هذا المنعطف التاريخ العاصف، ولكن من المؤسف أن نسبتهن واطئة. وهذه المشكلة ليست محصورة على النساء وحدهن، بل تشمل الرجال كذلك. وهذا ناتج أيضاً عن نظام القهر والاستلاب والتجهيل المتعمد للمجتمع خلا أربعة عقود من الحكم القومي الشمولي المتخلف. وسياسة التجهيل المتعمد هي التي وفرت التربة الخصبة لنشر الخرافة والإيمان بالغيبيات، لذلك نرى كل يوم يطلع علينا شخص يدعي أن المهدي والإمام أو نائب الإمام المنتظر... ويعيث في الأرض فساداً. فالمرأة في العراق على العموم متخلفة ولكن هناك نخبة طليعية منهن يعملن بجد وإيثار ويقدمن التضحيات وبرزن على المسرح السياسي والإعلامي والثقافي لتخليص النساء من التخلف وبث اليقظة والوعي في هن. والمستقبل إلى جانب هذه الفئة الطليعية من النساء.
برأيك ما هي الفترة الذهبية لانتعاش الثقافة العراقية؟
*- الفترة الذهبية التي انتعشت بها الثقافة العراقية هي فترة حكومة ثورة 14 تموز 1958 التي دامت أربع سنوات ونصف. ففي هذه الفترة حصلت قفزة نوعية في نشر الوعي السياسي والثقافي وتضاعف عدد الطلبة والمعلمين، ففي خلال أربعة أعوام ونصف قدمت الثورة للثقافة والتعليم ما قدمه الحكم الملكي خلال أربعين عاماً. فانتعشت حركة التأليف والترجمة وتعددت دور النشر. وكان هناك انفجار في الإعلام وعدد الصحف التقدمية. كما وتم تشكيل العديد من الفرق المسرحية وفتح مسارح في مختلف المحافظات. وفي المدارس كان المعلمون يشجعون التلاميذ على قراءة الكتب الأدبية والعلمية وتوسيع مداركهم. وأنا كنت من هؤلاء التلاميذ الذين استفادوا من تلك المرحلة حيث كنت تلميذاً في المتوسطة وفي هذه المرحلة تعرفت على مؤلفات علي الوردي وسلامة موسى وخالد محمد خالد وجبران ومخيائيل نعيمة وغيرهم. ولكن اغتيال الثورة بانقلاب 8 شباط 1963 أجهض الثقافة وبدأت مرحلة نشر الثقافة الشوفينية والفاشية ومعاداة الثقافة الإنسانية.
والآن هناك حصار على الثقافة في العراق بسبب هيمنة التيار الإسلامي السلفي، أحزاباً ومليشيات على مقدرات الثقافة. فهناك حرب عشواء على العلماء والفنانين والكتاب والمؤلفين وغيرهم من المثقفين، بينما هناك انتعاش للكتب الدينية والخرافية وهيمنة الإسلام السياسي على المؤسسات الثقافية. وهذه الظاهرة خطيرة جداً على المجتمع إذ تؤدي إلى انحسار الفكر التنويري وتفشي الخرافة.
وشكراً جزيلاً على توفيركم لي هذه الفرصة للقاء بقرائكم الكرام.
هل استطاع الخطاب القومي أن يلبي أو يستوعب المتغيرات الحديثة ؟
*- إن الخطاب القومي ليس فقط لم يستوعب المتغيرات الحديثة، بل هو أبو المشاكل في العراق والمنطقة ومصدر الكوارث عليهما. إذ هناك دراسة قام بها مركز دراسات الأهرام القاهرية عن القومية العربية ومسئوليتها لما آل إليه الوضع في المنطقة العربية تقول: "إن القومية العربية تتحمل مسؤولية كبرى، بل مسؤولية أولى، عن التدهور الذي آل إليه النظام الإقليمي العربي في نهاية القرن العشرين، فهذا يرتبط بالأساس اللاديمقراطي، بل المعادي للديمقراطية، الذي قامت عليه." (مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام ، التقرير الإستراتيجي العربي 1999، القاهرة يناير 2000). فالخطاب القومي مؤسس بالأساس من النازية الألمانية والفاشية الإيطالية المعاديتين للديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان. وكما قادت النازية والفاشية أوربا إلى حربين عالميتين ودمار أوربا، كذلك قادت الحركة القومية العربية المنطقة إلى الكوارث، سواء بقياد جمال عبدالناصر في هزيمة 5 حزيران 1967، أو الحروب الخليجية التي أشعلتها السياسات الطائشة لنظام البعث الفاشي بقيادة صدام حسين. والخطاب القومي خاضع لآيديولوجية شمولية، لذا فلا يمكن لمثل هذا الخطاب أن يستوعب المغيرات ويرقى إلى مستوى الأحداث، بل من شأنه أن يفاقم المشاكل كما حصل.