العلاقة بين واشنطن والرياض بعيون هوليوودية

بالرغم من طول مدة عرض فيلم The Kingdom أو "المملكة، إلا أن الفيلم يمكن قراءة رسالته بوضوح من خلال مشهدين فقط هما مشهد البداية ومشهد النهاية.

مشهد من فيلم المملكة
مشهد إطلاق النار الكثيف في حي السويدي وذلك خلال أحداث فيلم المملكة

فالفيلم الذي تعرضه صالات السينما في بريطانيا يدور حول عملية إرهابية ضربت مجمعا سكنيا في الرياض، وتعامل الأجهزة الأمنية السعودية مع هذه العملية بدءا من الفوضى في التعامل مع الأدلة، مرورا بالعلاقة المتوترة مع فريق التحقيق الأمريكي التابع لمكتب التحقيقات الفدرالية (أف بي أي)، وانتهاءً بالقضاء على الجناة وانتهاء مهمة فريق "أف بي أي".

لكن الأسئلة التي يطرحها الفيلم بعد الانتهاء من مشاهدته تجعل لهذا العمل السينمائي قيمة أكبر من مجرد التعامل معه كفيلم حركة مليء بالمطاردات السريعة ومشاهد إطلاق النيران الكثيفة.

الفيلم ببساطة يتناول، على مدى 110 دقائق، موضوعا يعتبر من الموضوعات الحساسة في كل من الرياض وواشنطن وهو موضوع العلاقة بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية في ظل تناقض حاد في الأسس التي تقوم عليها كل من الدولتين وتلاق في المصالح وأهمها على الإطلاق النفط.

مقدمة الفيلم: تأريخ العلاقة

تاريخ هذه العلاقة المتشعبة يعرضه مخرج الفيلم، بيتر بيرج، بمهارة في مقدمة الفيلم والتي تحكي بتلخيص سريع ومن خلال أفلام وثائقية ومشاهد رسومية تاريخ العلاقة بين أسرة آل سعود والولايات المتحدة منذ تأسيس الملك عبد العزيز آل سعود للمملكة عام 1932، مرورا باكتشاف النفط عام 1938 وتأسيس شركة النفط العربية الأمريكية، أرامكو، ولقاء الملك عبد العزيز بالرئيس الأمريكي روزفلت على متن مدمرة أمريكية في البحيرات المرة بمصر عام 1945 وبداية التحالف الوثيق بين الرياض وواشنطن والقائم على توفير النفط لواشنطن وتوفير الأمن الإقليمي للنظام في الرياض في المقابل.

أبطال الفيلم
أشرف البرهوم وجينيفر جاردنر وجايمي فوكس

وفي المقدمة أيضا مشاهد من أبرز محطات تلك العلاقة مثل الحظر النفطي العربي الذي فرضه الملك فيصل على الغرب خلال حرب عام 1973 والسياسة النفطية السعودية خلال حكم الملك فهد وغزو العراق للكويت عام 1990 وحرب تحرير الكويت عام 1991 والتي انطلقت من الأراضي السعودية.

وهنا نتوقف قليلا عند هذه المحطة التي عرضها مخرج الفيلم من خلال مشاهد قال فيها بأن "أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، عرض على آل سعود المساعدة في تحرير الكويت دون الاستعانة بقوات أجنبية، وأن آل سعود حصلوا على عرض أفضل من قبل الإدارة الأمريكية والتي أرسلت قواتها إلى المملكة من أجل الدفاع عنها وتحرير الكويت. لكن بن لادن أعتبر وجود القوات الأمريكية على الأراضي السعودية عملا يستوجب إعلان الجهاد عليها."

وبعد هذه المحطة يستعرض بيرج بمهارة مشاهد تفجير مجمع الخبر عام 1996 والهجوم على السفارات الأمريكية في غرب أفريقيا والاعتداء على المدمرة الأمريكية كول في اليمن وتنتهي هذه المشاهد بطائرة ترتطم في برج، إشارة إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 والتي شكلت منعطفا حادا في العلاقة بين واشنطن والرياض.

وبالطبع لا ينسى بيتر بيرج الإشارة إلى أن 15 من بين المهاجمين التسعة عشر في أحداث الحادي عشر من سبتمبر هم من السعوديين وهنا يعرض الفيلم لمشاهد وثائقية يظهر فيها السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز وهو يدافع عن المملكة ويدين من قاموا بهذا العمل ضد الولايات المتحدة.

قطعة من أمريكا

بعد هذه المقدمة المليئة بالمشاهد المكثفة التي تلخص تاريخ العلاقة بين الرياض وواشنطن نرى مجمعا سكنيا يلعب في ساحته أمريكيون مباراة بايسبول.

ويحرص الفيلم على أن نرى حياة الناس في هذا المجمع كما يمكن أن نراها في أي مكان في الولايات المتحدة. لكن حركة الكاميرا تبدأ في أن تنقل لنا الاختلافات بين هذا المجمع السكني وأي نظير له في الولايات المتحدة.

فالمجمع عليه حراسة من أفراد أمن سعوديين، وله بوابات تقوم على حراستها سيارات مدرعة وجنود من الحرس الوطني السعودي وحواجز أسمنتية متعددة لمنع اقتحام المجمع.

بعد هذا المشهد نرى مهاجمين متنكرين في زي أفراد أمن سعوديين يقومون بالاستيلاء على سيارة شرطة سعودية ويبدأون في إطلاق النار عشوائيا على سكان المجمع ثم يفجر مهاجم ثالث نفسه في حشد من سكان المجمع أثناء هربهم من موقع إطلاق النار (كما حدث بالفعل في نوفمبر عام 2003 عندما تعرضت ثلاثة مجمعات سكنية في الرياض لهجمات متزامنة من قبل خلايا تابعة للقاعدة).

وبعد أن تبدأ سيارات الإسعاف في الوصول للمكان ويتحدث محقق تابع للـ "أف بي أي"من موقع الهجوم مع زميل له في الولايات المتحدة وهو المحقق رونالد فليري (يقوم بدوره جايمي فوكس) يقع انفجار كبير في الموقع يودي بحياة محقق الـ "أف بي أي" وعدد آخر من المصابين الأمريكيين من جراء الهجوم الأول.

في المشاهد التالية نرى خلافا بين وزارة الخارجية الأمريكية والـ "أف بي أي" والمدعي العام الأمريكي حول إرسال فريق من الـ "أف بي أي" للمشاركة في التحقيق في الهجوم الذي وقع في الرياض.

صناع الفيلم
توفرت للفيلم مجموعة من أفضل السينمائيين في هوليوود

فمن جهة يرى محققو الـ "أف بي أي"أن لهم حقا في الذهاب إلى الرياض يمنحه إياه القانون الأمريكي الذي يقضي باشتراك الـ "أف بي أي" في التحقيق في أي هجوم إرهابي يستهدف مواطنين أمريكيين في الخارج، بينما ترى وزارة الخارجية أن إرسال فريق الـ "أف بي أي" سيتسبب في الإضرار بالعلاقة مع الرياض والتي "لا ترغب في أن تظهر بمظهر العاجز عن توفير الأمن أمام شعبها"، على حد قول محققة الـ "أف بي أي"جانيت مايز (لعبت دورها جنيفر جاردنر).

لكن الخلاف يحسم بعد أن يقابل المحقق رونالد فليري السفير السعودي في وواشنطن (والذي حرص الفيلم أن يكون شبيها من حيث الشكل بالأمير بندر بن سلطان) ويضغط عليه من أجل إرسال فريق تحقيق أمريكي بسرعة إلى الرياض مذكرا إياه بتبرعات زوجته التي وجدت طريقها إلى اثنين من المشاركين في اعتداءات على الولايات المتحدة (وهي اتهامات تستند إلى واقعة تحقيق الأجهزة الأمنية الأمريكية في نوفمبر عام 2002 في كيفية وصول تبرعات الأميرة هيفاء الفيصل، زوجة الأمير بندر، إلى نواف الحازمي وخالد المحضار، والذي اشتركوا في هجمات الحادي عشر من سبتمبر).

يسافر الفريق إلى السعودية وتبدأ مهمته بتوتر في العلاقة مع الفريق الأمني السعودي المكلف بمرافقة وحماية الفريق الأمريكي لكن التوتر سرعان ما يزول بعد أن يلقى الفريق الأمريكي دعما من أحد أمراء الأسرة المالكة السعودية المسؤولين عن أمن البلاد.

يبدأ الفريق الأمريكي في كشف خيوط الحادث بعد أن ينجح في السيطرة على موقع الهجوم والتعامل مع الأدلة في ظل فشل أجهزة الأمن السعودية في التعامل مع موقع الهجوم (وهو ما أشارت إليه بالفعل بعض التقارير الصحفية التي تحدثت عن الإهمال الذي تتعامل به أجهزة الأمن السعودية مع مواقع الهجمات الإرهابية على المجمعات السكنية في الرياض).

تبدأ العلاقة المتوترة بين المحقق الأمريكي رونالد فليري وضابط الأمن السعودي العقيد فارس الغازي (لعب دوره الممثل الفلسطيني أشرف برهوم) في التحول إلى علاقة تعاون وصداقة وهنا يحاول الفيلم أن يبين لنا الوجه الإنساني لضباط الأمن السعودي وعلاقاتهم مع أسرهم، بعد أن كنا قد شاهدنا مشهد تعذيب من قبل ضباط الأمن السعوديين بحق زميل لهم شكوا في أن له علاقة مع المتورطين في الهجوم على المجمع السكني.

البرهوم وفوكس
لعب البرهوم دور الضابط السعودي فارس الغازي فيما لعب فوكس دور محقق الاف بي أي

وبعد عدد من الأحداث يتحول الفريق الأمريكي القادم للتحقيق إلى هدف للخلية التي قامت بالهجوم ويتم اختطاف أحد أعضاء الفريق من أجل إعدامه أمام كاميرات الفيديو بسكين (وهو ما حدث بالفعل عندما أعدمت خلية تابعة للقاعدة في السعودية مواطن أمريكي يدعى بول جونسون يعمل لدى سلاح الجو السعودي في يونيو عام 2004).

وكما هي العادة في معظم أفلام الحركة الأمريكية ينجح الفريق في إنقاذ زميله والوصول إلى الخلية التي دبرت الهجوم على المجمع السكني وقتل أفرادها وزعيمها الذي كان رجلا طاعنا في السن، ويدعى أبو حمزة، في مشهد مليء بإطلاق كثيف للنيران في أحد أحياء الرياض والذي أشار إليه الفيلم بحي السويدي (وهو الحي الذي شهد مواجهات بين رجال الأمن السعودي وأعضاء في القاعدة في نوفمبر عام 2004).

مشهد النهاية في الفيلم يلخص رأي الفيلم حول مستقبل العلاقة بين الرياض وواشنطن حيث نرى فريق الـ "أف بي أي" قد عاد إلى الولايات المتحدة ونشاهد أحد أعضاء الفريق وهو يسأل المحقق رونالد فليري عن فحوى ما همس به فاليري في أذن المحققة جانيت مايز بعد أن عرفوا بمقتل زميلهم في الـ "أف بي أي" في موقع الهجوم في الرياض، فيجيب فاليري: "سنقتلهم جميعا". في إشارة إلى مرتكبي الهجوم الذين تسببوا في مقتل زميلهم والضحايا من الأمريكيين.

مستقبل صعب

جينيفر جاردنر وجايمي فوكس
لعبت جينيفر دور محققة الاف بي أي جانيت مايز فيما لعب فوكس دور رونالد فليري

وفي مشهد متزامن مع المشهد الذي دار في الولايات المتحدة، نرى حوارا في الرياض بين طفل سعودي وعمته حيث تسأله عن الذي همس به جده أبو حمزة في أذنه أثناء احتضاره إثر إطلاق النار عليه من قبل فريق الـ "أف بي أي" فيجيب الطفل: "قال لي لا تقلق يا ولدي سنقتلهم جميعا". في إشارة إلى الفريق الأمني الأمريكي والى أي وجود أمريكي على الأراضي السعودية. وينتهي الفيلم بلقطة تبدأ بوجه الطفل السعودي وتنتهي بعينيه المليئتين بالغضب.

والرسالة بالطبع واضحة وهي أن مستقبل العلاقة بين الرياض وواشنطن في ظل الاعتماد الأمريكي على النفط السعودي والاعتماد السعودي على أمريكا في المجال الأمني مستقبل صعب، خاصة وأن خلايا القاعدة ترغب في استئصال الوجود الأمريكي في السعودية بينما ترغب الأجهزة الأمنية الأمريكية في استئصال خلايا القاعدة من المجتمع السعودي، وهو أمر مستحيل حسب رؤية الفيلم، الذي حاول أن يشير إلى ذلك من خلال رفض تعامل بعض أفراد الأمن السعودي مع فريق الـ "أف بي أي" والروابط العائلية التي تربط أعضاء القاعدة بالمجتمع السعودي، بل وبأفراد في جهاز الأمن السعودي.

بالإضافة إلى جودة العناصر الفنية المكونة للفيلم، من تمثيل وإخراج ومونتاج وديكور وتصوير في مدينة أبوظبي في الإمارات العربية المتحدة من أجل إضفاء أجواء واقعية على الفيلم، فإنه يحسب لهذا العمل السينمائي تناوله لعلاقة سياسية معقدة مثل العلاقة بين الرياض وواشنطن، وتقديمه لنظرة من الداخل على مملكة محافظة مثل المملكة العربية السعودية، وتناوله لأكثر أجهزة هذه المملكة المحافظة حساسية وهو جهازها الأمني.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com