كلام للبيع !!

بقلم / منير بشاى- لوس انجلوس

سمعنا جميعا قصة الصعيدى الذى اشترى الترمواى ، وضحكنا ملء اشداقنا على ما تضمنته من فكاهة . والقصة تروى على أنها حادثة واقعية ، وإن كنت أشك فى ذلك . فأعتقادى انها نكتة على غرار النكات الكثيرة التى عادة تبدأ بعبارة  " مرة واحد صعيدى " . فكصعيدى يفخر بصعيديته أربأ أن ينسب لواحد من بنى الصعيد أن يكون بهذه السذاجة .أما  إن كانت القصة حقيقية فأعتقادى أن لابد ان تكون لها تكملة تعمد الرواة إغفالها وهى ما فعله بقية الصعايدة بالنصاب الذى استغل حسن نية بلدياتهم

تذكرت قصة هذا الصعيدى المسكين عندما علمت بنية المجلس القومى لحقوق الأنسان فى عقد مؤتمر للمواطنة الذى تأجل عدة مرات وأخيرا تقرر عقده يوم الأحد 25 نوفمبر .  وانتابنى الإحساس بأن هناك محاولة فى حيز التخطيط للضحك على ذقوننا . وتساءلت هل يعيد التاريخ نفسه ويحاولوا مرة أخرى أن يبعوا لنا مترو الأنفاق هذه المرة بعد زوال التروماى من الوجود ؟

أتمنى أن نكون واعين ولا نلدغ من الجحر الواحد مرتين . فإذا وقعنا فى هذا الفخ المنصوب لنا فسيكون من الصعب إنكار أننا قد اشترينا التروماى فى يوم من الأيام .

لندخل فى الجد . فى الواقع فى حياة جميع بنى البشر قصصا يتذكرونها فى خجل عندما خدعوابطريقه او أخرى قد لا تصل لدرجة شراء التروماى ولكن تشبهها .ومثال ذلك عندما قبلنا وعودا وصدقناها وكان يجب أن نعلم انها كانت مجرد كلام غير قابل للتحقيق ، ودفعنا الثمن الباهظ لإفتراض حسن النية .

علمتنا الأيام أن رجال السياسة يعتمدون على تجارة رائجة هى بيع الكلام . وهم يستخدمونها للتعويض عن قصورهم فى تقديم الأفعال . فبدلا من الإنجازات الفعلية يلجأون الى تقديم الكلمات المعسولة التى لها وقع طيب فى الأذان ، والشعارات الرنانة الى تعطى الناس الأمل فى أن المشكلات فى طريقها الى  الحل . ويطول انتظارهم ولا يوجد حل .

من الشعارات التى سمعناها تتردد فى الأونة الاخيرة هو شعار" المواطنة  " .  ولا ادرى كيف اكتشف رجال السلطة هذا الشعار بعد أن عاش المصريون مئات السنين من دونه ؟  ويبدو أنة بعد سنوات من شحذ العقل توصلت قريحة عبقرى أن الشعب المصرى يستحقون أن يحصلوا على ترقية ترتفع بهم الى مستوى " المواطنة " ولا أدرى ماذا كان المصريون طوال السنين قبل أن يصبحوا أخيرا مواطنون ؟

وقد جاء التعديل الدستورى الأخير ليضع هذا المبدأ فى أول بنوده . ويبدو أن هذا لم يكن كافيا ليحصل جميع المصريين على جميع حقوق المواطنة  فجائت فكرة هذا المؤتمر من المجلس القومى لحقوق الإنسان لتأكيد وتفعيل مبدأ المواطنة . وبعد هذا المؤتمر هل يا ترى سنحتاج الى مِؤتمرات أخرى لشرح المزيد من جوانب هذا الشعار الفضفاض قبل أن نصل أخيرا لتغطية جميع أبعاد هذه الكلمة ويتحول جميع المصريين الى مواطنين حقيقيين بكل ما تحمله الكلمة من معنى ؟  

والأمل الذى يغازلون به الأقباط من هذا كله هو انه عندما يتم اقرار مبدأ المواطنة لجميع المصريين سيأخذ الأقباط حقوقهم على  على اساس انهم أيضا قد أصبحوا مواطنين .

الغريب فى هذا الأمر ان بعض الأقباط يصدقون هذا الكلام  فيرقصون فرحا على هذه النغمة وينسون أن كل هذا الكلام معاد دون أن يسفر عن نتيجة . فسياسة الغبن ضد اقباط مصر تسير على ما هى عليه ، وكما هى مخطط لها أن تكون .  وفى مقابل ذلك لا يتلقى الاقباط غير الشعارات الجوفاء والوعود البراقة والامانى الطيبة . كم من الدراسات بحثت ثم وضعت حبيسة الأدراج ؟ كم من المؤتمرات عقدت ثم انفضت ولم ينفذ من قراراتها شيئ ؟

وبعد ذلك يأتينا مؤتمر المواطنه ليقدم المزيد من الدراسات والمناقشات واقتراح الحلول لقضايا قتلت بحثا واتخذ القرار بعدم التقرب لها لأنها فى رأيهم ستخل من التوازنات التى تحكم هذا المجتمع . فهل إمتلكت الدولة الشجاعة لتتعرض أخيرا إلى هذه الأمور المسكوت عنها والمناطق التى يعتبرونها ملغومة ويعالجون المشاكل من الجزور مهما كانت العواقب ؟ لو كانت الدولة جادة فى حل مشاكل الأقباط لما كان هناك احتياج لكل هذا الكلام ،وكان الامر لا يحتاج الى أكثر من قرارات تصدر بتوقيع رئيس الدولة و لا تستغرق اكثر من دقائق .

ولكن كل هذه الإجراءات والمناقشات من الواضح ان المقصود منها اعطاء الأمل الكاذب بأحتمال الحلول بينما هى فى الواقع محاولات للتسويف والمماطله ليس أكثر أو اقل.

وفى هذه الأثناء نجد ان  تجارة بيع الكلام قائمة على قدم وساق ، كلام فى كلام قى كلام..ومزيد من الكلام .

وصراحة أنا لا ألوم من يحاول أن يبيع ، قدر لومى لمن يقبل أن يشترى....


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com