الاخوان وخطاب المراوغة

محمد البدري

كلما نطقت جماعة الاخوان عبر تصريحات المجموعة الشبة عسكرية التي تقودها، يصاب المتلقي بحالة من الارتباك لو انه سليم النية او رجل طيب كما يقول المصريين. فمفهوم الطيبة المنزرع في العقل المصري يمكن تصنيفة في خانة الاخذ بالمظهر وليس الجوهر. التحسس من السطح وليس التعمق في المعاني والدلالات. وهي صفات غير عليمة وغير عقلية بل انطباعية وحسية غريزية في الاساس.

فجماعة الاخوان او غيرهم من تنظيمات الاسلام السياسي صدرت في بداية عملها خطابا عنيفا بعكس ما تقول به الادبيات التي عالجت موضوع الاخوان المسلمين. فالجماعة الام وهي الاخوان التي خرجت منها او من جانبها وعلي ضفاف فكرها جماعات الاسلام المسلح صدرت يوم انشائها في عشرينات القرن الماضي خطابا يدعي انه خطابا دعوي. وهي كذبة صريحة لا تنطوي الي علي العقل المسطح. فما معني الدعوة في مجتمع مسلم حتي النخاع حتي ان غير المسلمين فيه يحملون ثقافة اسلامية عبر اللغة في سلوكها الاجتماعي لا لسبب سوي انهم يمثلون جزءا هاما ومتشابكا من النسيج المصري. فالدعوة إذن تحمل في طياتها التكفير دون افصاح عن المجتمع المطلوب دعوته مجددا. ولان خطب الجماعة الاسلامية اخوانا او غير اخوان هو اساسا موجه الي الاغلبية فان المسكوت عنه وتحت السطح هو انهم يكفرون المجتمع ضمنا دون افصاح وينصبون انفسهم كغزاة جدد يريدون فرض منظومة اسلامية علي بلاد غير اسلامية.

ولان المصري مسالم بطبيعته التي نسجتها الحياه المصرية بتاريخها الطويل فانه لم يلتفت الي مضمون معني كلمة دعوة ومن الداعي ومن المدعو؟  وكيف تكون هناك دعوة الا لمن هم مختلفين اساسا مع فكر الداعي. فالمصريون مسلمون، فكيف يمكن دعوتهم اللهم الا إذا كانوا غير ذلك في عرف الداعي. فخطاب الاخوان منذ بدايته إذن كان خطابا ارهابيا تكفيريا حتي ولو يعلن ذلك صراحة. فحسن البنا المؤسس للجماعة التكفيرية الاولي عبر تبني ايديولوجيا الدعوة قارن في كتاباته المبكرة عن تارجح الامة المصرية بين اسلامها الغالي وبين الغزو الغربي. كلمته هي ايضا استغفال للعقل المصري الطيب، محاولة ايهامه بان اسلامة يتارجح بسبب الاستعمار البريطاني متناسا انه هو نفسه قد نشأ بمعونة مالية من شركة قناه السويس البحرية التي لم تكن شركة مساهمة مصرية وقتها. لم يشر حسن البنا الي دور الانجليز لتاسيس فكر الدعوة للاسلام!! كما لم يشر الضباط الاحرر فيما بعد الي كيفية قيام ثورة في وطن يحكمه الانجليز والسرايا الملكية ويعرفونهم ضابطا ضابطا بالاسم والرتبة. وكيف انهم حاصروا قصرا ملكيا ليس به الشخصية المراد التخلص منها والتي رافقها السفير كافري حتي ركب اليخت المحروسة نيابة عن جماعة الثورة المباركة؟!!

وعودة الي الاخوان فان خطابهم استغل فرصة السكوت المصري عن اقواله بعد ان انطلت علي العقول " إن الامة مصابة من ناحيتها الفكرية بالفوضي والمروق والالحاد مما يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس ابنائها" وطيبة المصريين جعلت التكفيرين يطلون برؤوسهم حثيثا عبر مداهنة في البداية ليكونوا تكفيرين في النهاية مما وصل الامر ليمارسوا التآمر والاغتيال والقتل ومحاولة الانقلاب للسطو علي السلطة.

كانت مغازلة العقل البسيط تجري علي ارضية عاطفية بمقارنة القوانين الوضعية مع الشريعة ووصف عمليات التحديث والتقدم بانه يجري كسم الافاعي في دماء المسلمين. وينتقل الخطاب عبر جماعتهم ليهاجم ويحكم علي رموز سياسية ويدينها رغم انها مسلمة رغم ان اقوال الجماعة عبر زعيمها المؤسس تقول انها جماعة دعوية وحسب قوله دعاه لا قضاه. لكن وظيفة القاضي والجلاد تبرز مع كل خطاب. وامتد الامر بشكل سرطاني ليطول الجامعة المصرية التي كانت في اعظم حالاتها مقارنة بالوضع الحالي فيتهم اساتذتها بانهم انحرفوا متناسيا انها جامعة للعلم والمعرفة وليس لحفظ الايات البينات وترديد الاحاديث ومتناسيا ان هناك جامهعة اخري تمارس نشاطها الديني ولم يتحول احد منها ليكون حتي تنويريا اللهم الا الملفوظين منها كالدكتور طه حسين الذي اصبح بفضل الازهر عميدا الادب العربي.

خطاب المراوغة والتضليل والارباك كان يجري علي السنتهم منذ اليوم الاول وهو ذاته ما يجري علي السنتهم حاليا عبر ادوات مختلفة واساليب وطرائق جديدة. كان التسلل والارباك يجري قديما عبر فكرة ساذجة ومغلوطة اسمها الدعوة اما الان فانهم يمارسون نفس الفعل للارباك واحداث الفوضي عبر الية جديدة باطلاق تصريحات متعدده ومتناقضة وكاذبة ومناقضة للفكر الاسلامي الذي كان يوما هو البديل عن سموم الافاعي - حسب اقوالهم.

 فقضايا الولاية والقضاء والمرأه والاعتراف باسرائيل والعلاقة مع الغرب شكلت ارتباكا لدي المتلقي لتصريحات الجماعة المتناقضة بشانها. فمن اقوال الزعيم الي اقوال اعضاء مجلس قيادة الاخوان الي ما سطروه في برنامج جماعتهم نجد تناقضات لا يمكن فهمها في ضوء مفهوم الطاعة الولاء المطلق لزعيم التنظيم. وان أي انحراف او ختلاف عنه هو خروج من الجماعة.

فتصريح صريح وواضح لا لبس فيه قاله النائب الاول للمرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين يوم الخميس 25 اكتوبر ان جماعته لن تتخلي عن موقفها الذي ذهب الي ان النساء وغير المسلمين لا يصلحون لتــــقلد منصب رئيس الدولة. والتي تتناقض مع تصريحات سابقة بعكسها.

هكذا وببساطة ضرب الرجل بعرض الحائط حقوقا ينعم بها البشر في مجتمعات اكثر تقدما عن المجتمع المصري اسلاميا او اخوانيا او حتي علمانيا تحت سيطرة عسكر يوليو. فالحقوق المكتسبة الجديدة هي جزء من سلسلة متواصلة من مكاسب اجتماعية وسياسية بحققها البشر عبر تطورهم.  لكن فكر الاخوان وكما اتهم بيانه المصريين في عام تاسيس بالكفر – بشكل مبطن عبر الدعوة – فانه يسحب من كثيرين حقوقا حتي ولو كانت نظرية لم تطبق بعد وقابلة للتبني لو ان المجتمع ارتقي في مسلسل تطوره السياسي. هكذا تقوم الجماعة بقطع الطريق علي المستقبل باستخدام الفكر السلفي الكارة للمرأه ولغير المسلمين. وتاخذهم روح المراوغة والتضليل حسب اقوال محمد حبيب نائب مرشدهم بان الجماعة ستعدل أي نص في برنامج جماعتهم يقضي بتشكيل هيئة من علماء الدين المنتخبين الذين يقرون القوانين بعد التأكد من مطابقتها للشريعة. وقال الهيئة رأيها استشاري وليس ملزما لاي جهة.

وهي قمة المراوغة وضرب حتي للشريعة التي يقولون بان هدفهم الحكم علي اساسها. فما معني ان تكون الهيئة استشارية وغير ملزمة اللهم الا إذا كانت الشريعة غير ملزمة لهم هم ايضا؟

هنا فاننا امام جماعة لا مبدا لها ولا تقول لا بالاسلام والدعوة الا نفاقا ومداهنة من اجل الوصول فقط للسلطة وعندها سيجد الجميع عبر طيبة قلوبهم وبساطة تفكيرهم واريحية عقولهم وسلامة طويتهم واسلامهم السمح انهم وقعوا في قبضة عصابة تحكم بمزاج مرشدها وعلي رغبة اعضائها كل في مقاطعته او فيما استولي عليه من مغنم. ويتطوع مفكروا الجماعة رغم تخرجهم من كليات حقوقية بقولهم "إذا ابتغي المسلمون القوة لأمتهم امتثالا لقوله "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة" فإنهم يدركون أن أولي درجات القوة هي قوة العقيدة والإيمان، وتليها قوة الوحدة والارتباط، ثم بعدهما قوة الساعد لبناء المجتمع الناهض، وقوة السلاح في يد الدولة للدفاع عن الأمة، والذود عن الديار والأوطان، وتحصين إرادة الأمة من طواغيت العالم وشروره، وأطماع الدول الكبري وضغوطها وتهديداتها، وأن الترقي بين درجات القوة أمر يختلف باختلاف الظروف وأحوال الأمة والمجتمع في كل مرحلة خاصة".

وهو قول لو أخذناه بعمق فانه يدعو لاعتبار ان تلك الجماعة هي ذاتها الامة ولا شئ في الوطن غيرها. لان ما فات المنظر وفيلسوف  الجماعة ان آي وطن ليس كتلة واحده صماء وليست كلها مسلمة وبين المسلمين درجات واختلافات شديدة ووعرة لا تسمح بكل هذا الصمغ الديني لتوحيد الناس اللهم الا إذا كان المقصود بالامة هي تلك الجماعة فقط لا غير.

ثم يتمادي الفكر الفلسفي والحزبي للجماعة فيكشف في لحظة تعرية بان  دعوتهم هي للعودة للإسلام في معينه الصافي من الكتاب والسنة، أي انهم اصوليون مثل باقي الجماعات التي استخدمت العنف والقتل. ثم يكمل التنظير السياسي للجماعة بانها تدرك أن كثيرا من الآراء والعلوم التي اتصلت بالإسلام وتلونت بلونه تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها، لذلك يجب لكي نفهم الإسلام كما كان يفهمه الصحابة والتابعون من السلف الصالح أن نقف عند الحدود الربانية والنبوية، حتي لا نقيد أنفسنا بغير ما قيدنا به الله سبحانه، وحتي لا نلزم عصرنا لون عصر لا يتفق معه، والإسلام دين البشرية جمعاء.

فهذه التصريحات رغم رونقها وسطاعة غرضها الا انها تحمل عداءا لباقي العالم وللتاريخ وتجعل حالة الحرب هي السائدة والدائمة مهما كان المواطن المصري طيبا وغير عدواني وسليم النية والهدف مهما كان العالم المحيط بنا مسالما ومتفقا والقانون الدولي ومهما كان استعداده لتطوير وتحديث الواقع المصري.

فلا معني حقيقة لهذا الخطاب الا بحذف التاريخ وشطبه بكل ما يحمله من تجارب كشفت عن مثالب كثيرة سياسية وغير سياسية ليس فقط في تاريخ التطور لكن في منظومة التطبيق الاسلامي منذ اليوم الاول. وهو ما يعد استغلالا للمواطن وسحبا علي المكشوف من رصيده وتاريخه وصراعة من اجل تحسين وضعة تحت حكم الاسلام او الاستعمار او حكام يوليو.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com