الجدل مستمر حول مراجعات الجهاد


المراجعات وليدة ضغط السلطة.. وضعف الجماعات الاسلامية

الوثيقة ترفض الثقافة الغربية وعكست انهيار المشروع الجهادي


د. كمال حبيب يتحدث إلى الحاضرين بجوار وحيد عبد المجيد وكمال مغيث

كتبت - زينب الدربي: أثارت الوثيقة التي أصدرها المفكر الأول وأمير جماعة الجهاد الدكتور »سيد إمام الشريف« معركة فكرية بين المفكرين والباحثين السياسيين والفلسفيين، دارت المعركة حول مدي صدق المراجعات التي طرحها سيد إمام لفكرة الجهاد كوسيلة للاصلاح ونشر الدعوة الاسلامية، واختلفت الآراء بين تأكيد علي تراجع جماعة الجهاد عن استخدام العنف، وانتهاجها منهج الوسطية وتخليها عن التطرف في أفكارها وأطروحاتها حول القضايا الداخلية والخارجية،

وبين تخليها عن الجهاد والعنف لفترة ما لحين التمكن من ممارسته لحين توافر الامكانيات المادية والظروف السياسية الملائمة لتنفيذ مشروعها السياسي لقلب نظام الحكم واعادة الخلافة الاسلامية مرة أخري. واكد بعض المحللون أن صدور الوثيقة ليس تراجعاً حقيقياً وانما هو تاجع ناتج عن الضغوط الامنية وظروف السجن الصعبة، أو أنها صفقة متبادلة بين جماعة الجهاد والسلطة.

 

وعقد مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية حلقة نقاشية بعنوان »وثيقة ترشيد العمل الجهادي في مصر والعالم: قراءة من الداخل« شارك في الندوة مجموعة من المفكرين وأساتذة السياسة والفلسفة والدين، من أجل تحليل مضمون والهدف الحقيقي من إصدار جماعة الجهاد لهذه الوثيقة التي تتضمن أفكاراً يمكن أن تسهم في اعادة تشكيل فكر وأجندة كافة أفكار الجماعات الاسلامية باتجاهاتها المختلفة حول العالم.

 

افتتح الندوة الدكتور ضياء رشوان رئيس برنامج دراسة الحركات الاسلامية بمركز الدراسات في الاهرام، وقال إن هذه الوثيقة تمثل خطوة هامة جداً في تاريخ جماعة الجهاد بصفة خاصة والتيار الاسلامي بصفة عامة، واوضح أن الجماعات الاسلامية اثرت في تاريخ مصر بشكل عميق، ورأي رشوان أن الخطوة الاكثر أهمية تأتي بعد صدور هذه الوثيقة، وخرج أعضاء الجماعة من السجون مع الذين تم اعتقالهم علي أساس قانون الطوارئ دون محاكمات، لمجرد الاشتباه في انتمائهم للجماعات الاسلامية والذين بلغت اعدادهم 40 ألف شاب!، واقترح رشوان أن تحتضن الدولة هؤلاء الاسلاميين علي مستويين، الأول اقتصادي ويكون باشتراك أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع المدني ورجال الاعمال، لتعويض الابرياء منهم عن سنوات السجن، التي قضوها دون محاكمات عن جرائم لم يرتكبوها، والمستوي الثاني هو دمج اعضاء الجماعات في العمل العام، الذي كان هدفهم الرئيسي، ولكنهم أساءوا استخدامه وسيلة قيامهم بهذا العمل والتي تركزت حول أعمال العنف التي شهدتها مصر منذ السبعينيات وحتي التسعينيات.

 

وأكد الدكتور ضياء رشوان، أنه لاحظ بعد قراءته لوثيقة »سيد إمام« انه لم يذكر كلمة »المستقبل« صراحة، واستبدلها بكلمة »التغير« التي كررها 18 مرة في حديثه عن الحكم والنظام والمجتمع، ولكن استنتج من ثنايا كلام »سيد امام« رؤيته حول المستقبل في القضايا الداخلية والخارجية، علي سبيل المثال شكل »امام« رؤيته للمستقبل من خلال قراءته لتاريخ المسلمين وتاريخ مصر بشكل منهجي ومتسلسل انتهي بتأكيده علي أهمية التغيير من الداخل عن طريق الانقلاب الداخلي كماحدث في عهود صلاح الدين الايوبي ومحمد علي وعبدالناصر.

 

وأوضح إمام أن الحركات الشعبية لم يكن لها دور ملحوظ في التغيير عبر التاريخ، كما لاحظ رشوان تراجع »سيد امام« عن كثير من أفكاره المتطرفة التي كان قد سجلها في كتبه مثل »العمدة لإعداد العدة« و»الجامع« ومن بين هذه الافكار تراجع عن فكرة الخروج علي الحاكم المسلم الفاسد لأنه يعتبر الخروج الآن هو المفسدة بعينها، خاصة مع وجود محاولات لإصلاح هذا الحاكم، وتراجع »امام« أيضاً عن فكرة الدعوة للدين الاسلامي مستخدماً العنف، واستبدالها بالدعوة السلمية التي تعتمد علي ظروف الواقع المحيط بالداعي، ووجه »سيد امام« في الوثيقة 7 نصائح لولاة الأمور، تعد بمثابة برنامج سياسيا للمستقبل وهي: تحكيم الشريعة الاسلامية، تقليل المفاسد لخير العباد، تشجيع دعاة الاسلام وتيسير عملهم، تقوية منابع تعليم الدين الاسلامي، وكانت مفاجأة للمحللين عندما وجدوا سيد امام يطالب بالتخلص من البطالة لأنها سبباً رئيسي في نشر المفاسد والعنف، كما نصح »امام« بتوليه الاكفاء والامناء للمناصب، واعتبر المحللون هذه النصيحة وكأنه يقول »بلاش فساد« ولكنه لايستطيع ذكرها  صراحة لوضعه الأمني، بالاضافة إلي مفاجأته عن العرب بقوله إن الوحدة العربية درب من الاوهام ولكنه طالب المسلمين »بالجهاد الدافع« لمقاومة الغزاة كما هو الحال في فلسطين والعراق، وبشر »سيد امام« المسلمين في نهاية وثيقته بقدوم الخلافة الاسلامية لا محالة!.

 

ودار جدال كبير حول صدق المراجعات التي ذكرها »سيد امام« في وثيقة، أكد الدكتور كمال حبيب أحد اعضاء الجماعات الاسلامية وخبير في شئونها أن الوثيقة تمثل نقلة واضحة في الفكر الاسلامي والجهادي، لانها تغلب الانتمائي للجماعة المصرية بالاضافة الي ذكر »امام« عدم التشبث بأفكار وآراء فقهاء أو علماء بعينهم واستفتاء القلب، مما يعني تبديل الفكر المتطرف بالفكر المرن حسب متطلبات الواقع. ورأي الدكتور كمال مغيث استاذ الفلسفة بجامعة حلوان أن تخلي جماعة الجهاد عن العنف لم يكن صادقاً، واتضح ذلك من اختيارهم لكلمة ترشيد وليس أي كلمة أخري تفيد بالمنع القاطع للعنف، بالاضافة الي عدم عرض »امام« لرؤيته عن الاقباط والدستور والاحزاب والبرلمان كجزء من القضايا الداخلية، مع استمرار رفض »امام« للثقافة الغربية صراحة، ومن ثم يعتبر مغيث أن »امام« يدعو جماعته إلي اتباع أسلوب »التقية« أي اظهار ماغير ما يبطنونه تجاه المجتمع لحين تمكنهم وعودتهم مرة أخري لما كانوا عليه، وأكد مغيث علي أن امام لم يذكر فكرة اندماجهم في المجتمع حتي نطمئن ونسلم بموقفهم الجديد.

 

وشارك سيد ياسين مستشار مركز داسات الاهرام في الجلسة الثانية من الندوة، واوضح أن الفكر الجهادي يعتبر قياساً خاطئا وتأويلا منحرفا للآيات والاحاديث، وقال ياسين إن الحركة الاسلامية لم تمارس النقد الذاتي من قبل لانها تفتقر الي التفكير المنهجي والعلمي، وصعودها جاء نتيجة الفراغ الفكري والحضاري الذي يعيشه المجتمع، وحلل ياسين الافكار التي تبناها »امام« في وثيقته، مشيراً إلي عدم رؤية مفكر الجماعة للتاريخ بشكل نقدي، وتركيزه علي الجزء المشرق في تاريخ الدولة الاسلامة فقط، وتبني امام لاتجاه يعادي الغرب لأنه اعتبرهم سبب المفاسد وتصدير الديكتاتورية الي الدول العربية والاسلامية، دون النظر الي الواقع المحلي المستبد. كما هاجم »امام« نظرية الحداثة التي تنشرها الثقافة الغربية، مما اعتبره ياسين هجوماً علي فكرة الدولة بأكملها ورأي ياسين أن »امام« لم يتنازل بعد عن فقهه التكفيري ضد غير المسلمين. وطالب ياسين بعقد مواجهة ثقافية وليست أمنية مع أعضاء جماعة الجهاد والجماعات الاسلامية للقضاء علي الفكر الخرافي والفتاوي العشوائية علي حد قوله، والتركيز علي المقاصد الكلية للاسلام وترك الهوامش.

 

وتناول الدكتور سيف عبدالفتاح أستاذ العلوم السياسية مسألة صياغة وبناء ومعمار الوثيقة ودوراتها

حول فكرة الجهاد والعنف الذي يفكك المجتمعات، وأكد عبدالفتاح أن الوثيقة تشكل تطورا ملحوظاً في آراء وخطاب الجماعة، وركز عبدالفتاح علي ذكر الوثيقة لكلمة »الواقع«، والتي كانت مفقودة في وثائق أخري، ومثلت كلمة »الواقع« مفهوماً محدوداً للوثيقة، غير فيها »إمام« بين الفتوي ونقل العلم، ورصد أن الواقع شهد تغيراً ملحوظاً ولكنه لم يرصد متغيرات هذا الواقع، وهو الأمر الذي اعتبره عبدالفتاح أكثر أهمية من ذكره فقط لتغيير الواقع. ومن هنا يري عبدالفتاح أن هذه المراجعات جاءت سلبية وافتقدت التغيير البنائي لفكر الجماعة. كما أن »امام« أثر علي استخدام المفاهيم الفقهية في المسائل الاجتماعية دون تطوير لمفاهيمه السابقة والتي كانت لابد أن تتطور في الواقع والحكم. وعلق أستاذ العلوم السياسية علي اطلاق امام لمفهوم الكفر والكفار علي الدول الغربية، واكد أن المعيار الذي تقيس به المجتمعات والنظم المراجعات سيصب في المجتمع عندما تتحول هذه المراجعات من حالة فكرية الي حالة واقعية، وليست نابعة من ضغوط أمنية، واحساس حقيقي بالرجوع الي الحق وليس تراجعاً تكتيكياً، ويخالف عبدالفتاح »امام« في انتهاج فقه الاستضعاف الذي تعيشه الجماعة الآن لأنه فقه انتهازي، ويتساءل اذا اعتبرنا أنهم تراجعوا لانهم مستضعفون الان، فماذا سيفعلون اذا قوي موقفهم وأعادوا تمكنهم مرة أخري؟

 

انهيار مشروع الجهادوتعرض الدكتور عمرو الشوبكي الخبير في مركز دراسات الاهرام لأبرز القضايا الداخلية والخارجية التي تناولتها الوثيقة، موضحاً أن هذه المراجعات تمثل تحول جزرياً في التفسيرات الفقهية للجماعات الاسلامية، والتي كانت تبرر العنف الذي مارسوه في الثلاثة عقود الماضية، وأكد الشوبكي أن هذه المراجعات لاتعكس صفقة أو قضية أمنية بين الجماعة والسلطات، إنما هي تعكس انهيار المشروع الجهادي السياسي الذي سبق وبشرت به هذه الجماعات بعودة الخلافة، والتي كانت تمارس العنف وتقلب الانظمة السياسية والحاكمة من أجل تحقيقه. بعد أن وجدت هذه الجماعات نفسها في مواجهة مع الدولة المصرية، دفعت في مقابلها أثماناً باهظة. وناقش الشوبكي قضية الخروج علي الحاكم، واستبدال »امام« للعنف بالصبر والصفح وإرشاد الحاكم للصواب، وأكد الشوبكي أن الوثيقة تجاهلت تناول أي شكل آخر للخروج عن الحاكم مثل تداول السلطة علميا عبر الاحزاب وفقاً لقواعد ديمقراطية وليس وفقاً لمفاسد الحاكم فقط، كما لم يربط »امام« بين فكرة الجهاد والعنف المجتمعي السائد حالياً مثل الحركات الاحتجاجية والشعبية، وتمركزت فكرة الجهاد حول الخير والشر فقط. وعلق الشوبكي علي فكرة المواطنة المذكورة في الوثيقة، واعتبرها غير واضحة في أذهان الجماعة، لارتباطها في النهاية بأهل الذمة، وعالجت الوثيقة قضية الاقباط بشكل معتاد، دون النظر الي فقه الواقع. واعتبر الشوبكي أن الوثيقة لم تؤسس فكراً جديداً ينطلق من الواقع، وتحتاج لمراجعة أخري، وأشار الشوبكي الي عدم امكانية مطالبة الجماعة بتبني الفكر المستحدث مثل فكرة الديمقراطية.

 

واكد الدكتور والشيخ مثير جمعة انتهاء قضية التكفير في كل أفكار الجماعات الاسلامية، ورفض جمعة »علمنة الفكر الاسلامي« حتي يرتضيه العلمانيون، وهو مخالف للديمقراطية للاحتفاظ بفكره مع التطوير دون الحجر علي الآخر، وأكد أن قضية المواطنة التي طرحتها الوثيقة واعتبرتها مخالفة للشريعة الاسلامية، ويمكن استبدالها بالشريعة مؤقتاً، لأن الاخيرة سقطت وغائبة الان، وأكد جمعة أن هذا التأويل غير صحيح والشريعة الاسلامية لم تسقط لأنها منصوص عليها في المادة الثانية من الدستور، بالاضافة الي المادة التي تضمنت علي مبدأ المواطنة في أعلي تصوراته، فلا تناقض بين الشريعة والمواطنة. وأوضح أبوالعز الحريري عضو مجلس الشعب السابق أنه ليس علي الجماعات الاسلامية مراجعة أفكارها، بل إنه أمر واجب علي الاحزاب والقوي السياسية والحكومة أن تراجع نفسها، وعقد حوار بين الجماعات الاسلامية وكل التيارات السياسية والاجتماعية حتي تستنير أفكار كل الاطراف.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com