al masri alyom

 د. سعيد اللاوندي يكتب: البرلمان الأوروبي بريء.. والمخطئ هو: سرور وأبوالغيط

ليس من شك في أن رد الفعل المصري، من موقف البرلمان الأوروبي بشأن ملف حقوق الإنسان في مصر، اتسم بالانفعال وعدم النضج، وبدا لنا أشبه بحال من يقف علي جذع شجرة،ويقوم بقطعها ناسياً أنه في حال وقوع الشجرة فسوف يقع معها، فالتهديد الذي لوحت به الدبلوماسية المصرية بالانسحاب من الاجتماعات وإلغاء قاءات التفاوض هو أمر يضر بمصر، لأنها والحالة هذه إنما تعزل نفسها عن الحوار مع ٢٧ دولة «الأعضاء في الاتحاد الأوروبي».

كما يعكس رد الفعل المصري أيضا «تناقضا لافتا للنظر» بالمقارنة مع الهزات الكثيرة التي تحدث في العلاقات المصرية الإسرائيلية، ففي مرات كثيرة ورداً علي الصلف والغرور الإسرائيلي، كانت ترتفع أصوات تطالب بقطع العلاقات وتجميدها أو استدعاء السفير الإسرائيلي لإبلاغه بالضيق والتذمر المصري، إلا أن صناع السياسة الخارجية المصرية كانوا لا يتحمسون لذلك، بدعوي أن وقف التعامل مع إسرائيل يضر بالقضايا الخلافية في المنطقة ومن ثم يتعين أن تكون المياه في حالة «جريان» وحتي لا تتحول إلي بركة آسنة تحوي الثعابين والزواحف الضارة.

ولابد أن نعترف في شجاعة بأخطائنا الكثيرة، التي كان من نتائجها صدور هذا التقرير الذي أزعج الساسة والبرلمانيين، وجعلنا نبدو أشبه بمجموعة من «الندابين» الذين يقفون علي محطة القطار، في حالة «انتظار»، فإذا ما هبط «جثمان» أو «نعش» صرخوا وولولوا ولطموا الخدود قبل أن يسألوا عن سبب الوفاة! فالتقرير الأوروبي الذي يسجل علي مصر مجموعة من النقاط بشأن ملف حقوق الإنسان لم يصدر بين عشية وضحاها، وإنما أخذ وقتا طويلا مر فيه بمراحل الرصد والتجميع والتسجيل والمراجعة وصولا إلي مرحلة الصدور.

وسؤالي هو: أين كانت مصر طوال المراحل الكثيرة التي سبقت مرحلة الصدور والإعلان، ولماذا نترك مثل هذه القرارات التي تزعجنا يتم «طبخها» علي مهل، دون أن نتدخل بإعطاء معطيات وبيانات وشرح وجهات نظر، كانت بالقطع ستؤدي إلي تغيير النتائج وتجعلنا كما هو حالنا اليوم نهدم معبد العلاقات الأوروبية- المصرية علي رؤوسنا، ونسينا أننا لطالما أقمنا الأفراح والأهازيج طربا بأوروبا الصديقة، والقريبة «جغرافيا» والأليفة «ثقافيا».

وامتداد لهذا السؤال أقول: لقد شغل الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري موقع رئيس البرلمانات الأورومتوسطية لعدة سنوات فماذا فعل؟ لماذا لم ينشيء جسورا مع هذه البرلمانات ويبني صروحا من الثقة المتبادلة؟! ولماذا اكتفي بالبريق الإعلامي بأن مصر تترأس اتحاد البرلمانات الأورومتوسطية ثم ينتهي كل شيء.

معلوم أن عددا كبيرا من الدول الأورومتوسطية، خصوصا الشاطئة للمتوسط شمالا أعضاء في الاتحاد الأوروبي، وكان بالإمكان التأثير عليها عبر هذه الجسور.. لكن الدكتور سرور أدار الأزمة بنفس الطريقة التي يدير بها جلسات مجلس الشعب، وغاب عن باله أن القمع والصراخ والمصادرة لا تحرك ساكنا مع الدول الأوروبية التي أدمنت لغة الحوار والتفاوض والديمقراطية، ثم هناك خطأ ثالث ارتكبته بوعي أو عن غير وعي وزارة الخارجية المصرية، فمصر لها سفير واحد في بروكسل يرتدي ثلاث قبعات: القبعة الأولي أنه سفير لمصر لدي بلجيكا، والقبعة الثانية أنه سفير لمصر لدي الاتحاد الأوروبي، والقبعة الثالثة أنه سفير لمصر لدي دوقية لوكسمبورج وبالقطع لأنه يتوزع بين هذه المواقع الثلاثة فحصاده السياسي والدبلوماسي سيكون هشا وضعيفا.

والحال مع إسرائيل يختلف «وهنا المقارنة واجبة فضلا عن دلالاتها القوية» فلها ثلاثة سفراء يعملون بتناغم وتحت مظلة الخارجية، ولدي كل منهم الوقت الكافي للتخطيط والتأثير واجتذاب الأنصار والمؤيدين لسياسة إسرائيل.

أريد أن أقول إن «الآخرين» برعوا في إدارة أزماتهم بمد لغة الحوار والمصالح المتبادلة، بينما نصر نحن علي أن نظل أسري الكسل «فلا نعمل» والنظرة الرومانسية للأمور، مع أن السياسة قديما وحديثا هي لغة المصلحة.

وأحسب أن هذه الأزمة يجب ألا تمر مرور الكرام فنحن في حاجة إلي استخلاص العبر منها، وأهمها أننا أخطأنا مرتين، مرة في إهمال ملف العلاقات الأوروبية المصرية الذي تركناه يعبث به الآخرون وارتحنا إلي صيغة كريهة وهي أن أوروبا صديقة لنا مع أن السياسة لا تعرف صداقات أو عداوات وإنما مصالح، والمرة الثانية عندما أدرنا الأزمة بالتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور..

 ولابد أن نعترف بأن الدكتور فتحي سرور الذي يشغل مقعده منذ ما يقرب من عشرين عاما فشل في معالجة الأزمة مع أنه أحد المتسببين فيها، عندما لم يفكر في وضع «طوبة» واحدة في بنيان الثقة مع دول الشمال في حوض البحر المتوسط.. كما لابد أن نملك الشجاعة بوضع الخارجية المصرية وراء القضبان، لأنها تتعاطي مع أوروبا «دبلوماسيا» بالاستخفاف الذي لا يليق.. فكان أن شربنا معهما كأس المر والحنظل!


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com