تأملات واقعية فى المسألة القبطية

بقلم /منير بشاى – لوس أنجلوس

                            

كانت الهجمة قاسية ضارية وكانت مقاومتى لها شجاعة باسلة ، ولكن يبدو أنها لم تكن كافية لصد هذا العدو الذى هزم الكثيرين من حولى ، وجاء الوقت لأعترف أننى أخيرا أصبحت واحدا من ضحاياه . كنت أظن أننى محصن بما فيه الكفاية فقد أخذت التطعيم المطلوب وكنت أواظب على الفيتامينات والمقويات وأحرص على مراعاة الأحتياطات الطبية  -  ومع ذلك –  سقطت صريعا أمام دور البرد بأعراضه المقرفه من زكام وعطس وسعال وأرتفاع فى الحرارة والتهاب فى الزور وتكسير فى العظام وألم فى المفاصل ....

ووجدت نفسى سجينا فى المنزل اعانى الملل وأقلب ما حولى من أوراق عسى أن أنسى ما أنا فيه وأخيرا عثرت على مجموعة من المنشورات والمجلات القديمة التى أصدرناها فى الشأن القبطى وبعضها يرجع الى نحو ثلاثين عاما أو يزيد .

قادنى حب الأستطلاع أن أنبش فى هذه الأوراق لأرى  ماذا كنا نعانى منه وما كنا نطالب به فى ذلك الوقت . هذا منشور يعلن عن قائمة من مئات الأسماء عينت فى وظائف رجال النيابة والقضاء والأسماء القبطية  فيه لا تزيد عن أثنين أو ثلاثة . ومنشور عن هجوم على المسيحيين فى أحدى قرى صعيد مصر مع قتل وجرح وترويع المسيحيين وحرق منازلهم ومتاجرهم ومزارعهم . وبيان يتكلم عن الخط الهمايونى وضرورة الذهاب الى رئيس الجمهورية للموافقة على تصليح تواليت فى دورة مياه فى كنيسة.  ومقال فى مجلة يذكر أسماء بعض المتنصرين الذين وضعوا فى السجون ويجرى تعذيبهم لمجرد أنهم يريدوا أن يصبحوا مسيحيين .

ووجدت نفسى افكر..  بعد هذه العقود الكثيرة من الزمن ، وصرخات أقباط الداخل والمجهود الذى يبذله نشطاء المهجر ، ومع التأييد العالمى لقيم حقوق الإنسان ؛  ماذا أنجزنا ؟

 قد يقول قائل : لقد تم انجاز الكثير فلأول مرة هناك محافظ قبطى . وهناك تعديلات على أجراءات بناء الكنائس بمقتضاها تم تحويل جزء من هذه الإجراءات الى حكام الأقاليم .  ولا ننسى أن الأقباط  لهم الأن عطلة قومية وهى عيد الميلاد فى السابع من يناير.  فماذا يريد الاقباط اكثر من هذا ؟

 ولكن بفحص هذه الأمور سنكتشف انها جميعها مجرد تغييرات على السطح ولكن الجوهر باق كما هو . فأهل قنا يشكون من قسوة محافظهم المسيحى  فى القضايا التى تتعلق بالاقباط لأنه لا يريد ان يظهر بانه يحابى للاقباط . والخط الهمايونى مازال حيا يرزق والذى حدث هو أستبدال بيروقراطية واحدة بعدة بيروقراطيات بينما الملف بأكمله ما يزال تحت سلطة الأمن القومى بكل ما فيه من تعقيدات . وحوادث العنف ضد الأقباط  لم تقل بل تصاعدت بدرجه مخيفة . واصبح المسيحى يخشى ليس فقط الأرهابى بل جاره المسلم الذى يعمل ويأكل معه ويشاركه أفراحه وأحزانه . وتمثيل الأقباط فى المجالس المنتخبة  فضيحة كبيرة لأن العامل فى الأختيار فى الأنتخابات الان ليس الكفائة ولكن الإنتماء الدينى .

الواقع يقول أننا لم نتقدم خطوة واحدة كل هذه السنين ، بل وحتى لا نقف فى مكاننا ، بل نتراجع للوراء بخطوات سريعة ..

لماذا هذا كله ؟ وما أسبابه ودوافعه ؟

هل حقا هناك عداء من النظام للمواطن المسيحى ورغبة مبيتة للنيل من المسيحيين لمجرد أنهم مسيحيين ؟

 قد تجد من  بين الأقباط من يؤمنون بنظرية المؤامرة التى يعتقدون أنها تحاك ضد الأقباط ويقدمون لك البراهين الكثيرة لاثبات صدق ما يقولون . أنا شخصيا لا أعتقد أن الأمر يهذه البساطة . ومع التسليم بأن هناك غبن واضح للأقباط فى معظم مناحى حياتهم إلا أن هذا لا يمكن تبريره بأن هناك نزعة سادية من قبل الدولة هدفها ظلم الاقباط  . على الأقل ليست الأمور هكذا فى الفترة الأخيرة للحكومة الحالية .

إتسمت سياسة  الدولة فى الأونة الأخيرة بعزوفها عن التصدى أو المواجهة مع التيارات المضادة وأظهرت فى نفس الوقت تفضيلها لأستعمال أسلوب الموائمة والموازنة والمصالحة حتى مع التيارات المتطرفة . وكانت الدولة تضع لهولاء خطوطا حمراء للحد الأدنى مما تتوقع منهم ، ومنها  عدم المساس بهيبة الدولة أو الاضرار بالمصالح الإقتصادية الجوهرية كالأعنداء على السياح أو أحباط اتفاقية السلام مع أسرائيل . غير ذلك من القضايا ومنها الأعتداء ات ضد الأقباط لم تكن تمثل لدى الدولة أى نوع من القلق ولم تعطيه أى أولوية من الأهتمام .

هل هذا لأن الدولة تكره الأقباط وتريد من التيار المسلم المتشدد أن يعتدى عليهم ؟  لا أظن ذلك . إن اساس المشاكل التى تعانيها مصر هو ازدياد الجرعة الد ينية الأسلامية الغريبة على الشعب المصرى والوافدة اليه عبر الصحراء الشرقية . وقد نما هذا التيار المتطرف فى غفلة من الدولة وأصبح يهدد النظام ذاته خاصة بعد أن حقق نجاحا كبيرا فى مجلس الشعب وكاد أن يحصل على غالبية المقاعد لولا تدخل الحكومة لصده .

والدولة المذعورة من هذا الخطر قد وجدت نفسها مضطره ألى تغير أسلوبها فى التعامل مع التيار الأسلامى بعد ثبوت شعبيته . ولم تكن تجروء على توجيه ضربة قاضية عليهم خوفا من ردود فعل الشارع المصرى . عوضا عن ذلك رأت الدولة أن السياسة تقتضى أن تتظاهر أنها لا تقل اسلاما عن التطرفين . ودخلت مع الأسلاميين فى سباق تريد أن تبرهن أنها اكثر اسلاما من المتطرفين وأكثر تشددا منهم  ضد الكفار .

ووجد الأقباط  أنفسهم فجأه فى موقف لا يحسد عليه ، إذ أصبحوا محصورين بين سندان الدولة ومطرقة الاسلاميين . كل يتبارى فى أظهار غيرته على الاسلام وغلاظته على الكفار والضحية هم الأقباط .

وأزاء الضغوط الدولية وصرخات الأقباط لجأت الدولة إلى محاولة التظاهر بالحل دون تقديم أى تغييرات جوهرية كما لجأت الدولة الى حيلة شغل الناس بالأمال الكاذبة وتضييع وقتهم فى الكلام والنقاش وتشجيعهم على عقد مؤتمرات ومزيد من المؤتمرات على شرط أن تكون فى الداخل  ،  ولكن دون نتائج أيجابية . ولا مانع من خلق مواقف لأدخال الأقباط فى متاهات ونزاعات وخلافات تهدف الى نفس الغرض وهو كسب الوقت وتأجيل الحلول إلى أجل غير مسمى .

وما يزال السبب الرئيسى الغير معلن وراء مشكلات الاقباط قائما .. وهو السباق القائم بين الدولة والأسلاميين لأسلمة مصر .  وسيستمر الوضع إلى أن تغير الدولة مسارها .

العلم يحقق أنتصارات جديدة فى كل يوم .وإن كان الإنسان  ما يزال ضحية لمرض يبدو بسيطا مثل البرد لمدى مئات بل ربما ألاف من السنين . فالطب لم يكتشف علاج للمرض حتى الأن  وكل ما قدمه للإنسان هو وسائل لتخفيف حدته والتعايش معه . وما أشبه هذا بالقضية القبطية فالحل يبدو بسيطا ومع ذلك فكل ماهو متوفر من حلول  مجرد مسكنات ومهدئات وليس علاجا جذريا .

 فهل يا ترى سيصل الطب إلى علاج للبرد قبل أن تقرر الحكومة المصرية أنه قد حان الوقت لعلاج المشكلة القبطية ؟

This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com