قضايا و اراء

تعقيب‏:‏ السيد المسيح هو منشئ المسيحية وليس بولس 

طالعتنا جريدة الأهرام في عددها الصادر يوم‏2009/1/31‏ بتحقيق السبت للأستاذ عزت السعدني وكان عنوانه شهد تذهب‏..‏ والكراسة تبقي‏!)‏ في نقد وطني قوي لما فعلته إسرائيل بغزة‏,‏ وتضمن التحقيق اقتباسات انتقائية لبعض نصوص التوراة منزوعة من سياقها التاريخي والحضاري واللغوي مختلطة باقتباسات من بن جوريون‏,‏ وجولدا مائير‏,‏ وغيرهما‏..‏

إلا أن الأستاذ السعدني خرج عن سياق الموضوع تماما بما أطلق عليه ملحوظة من عندي ليتجني علي المسيحية فكتب ما نصه‏:‏

يعد بولس الرسول أعظم شخصية محورية في الديانة المسيحية وهو المنشئ الحقيقي لهذه الديانة رغم عدم صلته بالمسيح ـ بل وعدائه له‏,‏ ولقد كانت المسيحية في عهد المسيح مجرد مواعظ وردت علي لسانه وذهبت عبر الزمن ولم تدون في حينها‏..‏ ثم ظهر بولس فأوحي إلي بعض كتاب الأناجيل نظريته ـ وهي أن المسيح هو الله وابن الله في ذات الوقت وأنه نزل إلي الأرض ليراق دمه علي الصليب للتكفير عن خطيئة آدم بعصيان الله وأنه قام من الأموات بعد ثلاثة أيام من صلبه وموته‏.‏

وتعليقا علي هذه العبارة الدخيلة علي موضوع التحقيق لنا بعض الملاحظات‏:‏

أولا‏:‏ من المهم أن نفرق بين النصوص الدينية وتصرفات البشر‏,‏ فالنصوص الدينية في جوهرها تدعو للحب والتسامح والرحمة‏.‏ ونحن وإن كنا ندين بشدة تصرفات إسرائيل وقتلهم للأبرياء والمدنيين والأطفال والنساء كما حدث أخيرا في غزة‏,‏ إلا أن ما تفعله إسرائيل لا يمكن أن ننسبه للتوراة بناء علي اقتباسات انتقائية منه‏,‏ فهنالك في التوراة أيضا تعبيرات تدعو للمساواة الكاملة بين جميع الشعوب فهو يقول في سفر عاموس ـ أحد أسفار العهد القديم ـ ألستم لي كبني الكوشيين‏(‏ الحبش‏)‏ يا بني إسرائيل يقول الرب ألم أصعد إسرائيل من أرض مصر والفلسطينيين من كفتور والأراميين من قير‏(‏ عاموس الفصل‏9‏ الآية‏7)‏ هذا فضلا عن أن النصوص الدينية يجب أن تفسر في ضوء سياقها التاريخي والحضاري‏,‏ وفي ضوء القرينة للنص دون انتزاع أو انتقائية لنصوص بعينها بغية أن تخدم فكرة معينة‏,‏ ولذا فنحن لا نقبل أن نعطي ذريعة لدولة إسرائيل بأنها في هجمتها البربرية علي غزة كانت تنفذ نصوصا توراتية‏!‏

ثانيا‏:‏ نحن نتفق مع الأستاذ عزت السعدني في قوله يعد بولس الرسول أعظم شخصية محورية في الديانة المسيحية ولكننا نختلف معه في قوله إن بولس هو المنشئ الحقيقي لهذه الديانة رغم عدم صلته بالمسيح فالسيد المسيح هو جوهر وأساس المسيحية وليس بولس‏,‏ وقد نقل لنا حياة السيد المسيح وتعاليمه ومعجزاته البينات مجموعة من حوارييه الذين عايشوه ورأوه وتعاملوا معه عن قرب حتي إن أحد حوارييه كتب يقول عنه الذي كان من البدء الذي سمعناه‏,‏ الذي رأيناه بعيوننا الذي شاهدناه ولمسته أيدينا‏...‏ الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به‏...(‏ رسالة يوحنا الرسول الأولي الفصل‏1‏ الآيات‏3,1)‏ وكاتب هذه الكلمات هو يوحنا الإنجيلي أحد تلاميذ المسيح‏(‏ الحواريين‏)‏ الاثني عشر‏,‏ وهو كاتب إنجيل يوحنا‏,‏ وكاتب لثلاث رسائل اقتبسنا من إحداها الآيات السابقة‏.‏ هذا فضلا عن أن تلميذا آخر من تلاميذ السيد المسيح يدعي متي هو الذي كتب بشارة خاصة تتضمن تفاصيل كثيرة عن حياة السيد المسيح وتعاليمه السامية الراقية‏,‏ وصلبه وموته وقيامته‏.‏

كل هذه الدلائل وغيرها تؤكد أن رسل السيد المسيح وحوارييه الذين رافقوه‏,‏ هم الذين كتبوا ودونوا بكل تدقيق ما سمعوه من السيد المسيح من تعاليم سامية وأعمال معجزية كفتح أعين العميان‏,‏ وإقامة الموتي‏,‏ ومن إخبارهم عن موته وقيامته وما رأوه بعيونهم من صلب وقيامة‏,‏ وهذا يدحض ما وصل إليه الأستاذ السعدني من قول ولقد كانت المسيحية في عيد المسيح مجرد مواعظ وردت علي لسانه وذهبت عبر الزمن ولم تدون في حينها‏,‏ وأن بوليس أوحي إلي بعض كتاب الإنجيل نظريته‏....‏

ثالثا‏:‏ أما فيما يتعلق بالرسول بولس فهو في بداية حياته لم يكن يعرف السيد المسيح‏,‏ ولم يكن ضمن حوارييه‏,‏ وكان اسمه عند الولادة شاول وترعرع في كنف أسرة يهودية كما أنه كان أيضا مواطنا رومانيا مهتما بدراسة الشريعة اليهودية‏,‏ ومن المؤكد أنه لم يلتق خلال تلك الفترة بالسيد المسيح‏,‏ ولأن شاول كان يهوديا ذا ميول متطرفة عمل علي محاربة المسيحية الناشئة علي اعتبار أنها فرقة يهودية ضالة تهدد الديانة اليهودية الرسمية‏,‏ يسطو علي الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالا ونساء ويسلمهم إلي السجن‏(‏ أعمال الرسل الفصل‏8‏ الآية‏3).‏

وفي رؤيا خاصة ظهر له السيد المسيح فآمن بالمسيح وهكذا حاول أن يلتصق بتلاميذ المسيح ولكن الجميع كانوا يخافونه غير مصدقين أنه أصبح من أتباع المسيح‏(‏ أعمال الرسل الفصل‏9‏ الآية‏26)‏ وهذا الموقف يؤكد أن بولس آمن بالسيد المسيح بعد الحواريين ومن ثم فهو تعلم منهم المبادئ المسيحية‏,‏ وهذا يدحض ما ذهب إليه الأستاذ السعدني أن بولس أوحي إلي بعض كتاب الأناجيل نظريته ـ وهي أن المسيح هو الله وابن الله في الوقت نفسه‏,‏ وأنه نزل إلي الأرض ليراق دمه علي الصليب للتكفير عن خطيئة آدم بعصيان الله‏,‏ وأنه قام من الأموات بعد ثلاثة أيام من صلبه وموته‏.‏

وختاما‏..‏ إن الموضوعية تحتم علينا أن ندين أفعال الإسرائيليين دون أن نهاجم اليهودية كديانة‏,‏ أو نخرج علي سياق موضوع نتناوله بغمز أو لمز إلي المسيحية‏,‏ فاحترام أصحاب الأديان لبعضهم البعض أمر أصبح مهما في وسط عالم مليء بالصراعات والمشاحنات الطائفية‏,‏ فما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضي إلي احترام الآخر الديني المغاير دون الإساءة إلي معتقداته‏,‏ حرصا علي السلام الاجتماعي ومنعا للقلاقل والاضطرابات‏,‏ والفتن الطائفية‏,‏ إننا اليوم في مسيس الحاجة إلي دعاة السلام النابذين للتعصب‏,‏ الرافضين للعنف وإراقة الدماء علي كل المستويات‏,‏ الناشرين لثقافة التسامح وقبول الآخر‏,‏ وقد نبه الرئيس حسني مبارك علي ذلك كثيرا‏,‏ كما نادي به فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر‏,‏ فهل لصحافتنا القومية تعميق هذه المفاهيم؟‏!!‏

مجلس الإعلام والنشر للكنيسة الإنجيلية بمصر

رئيس المجلس‏:‏
د‏.‏ القس إكرام لمعي
سكرتير المجلس‏:‏
القس رفعت فكري


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com