لا تقطعوا الأشجار بل أصلحوها

 

                                       بقلم هانى مراد      مات المسيح  و انتصر

بقلم هانى مراد

توجد دائماً طريقتين لحل أي مشكلة..إذا وجدت شجرة غير مثمرة وسط حقلك فأمامك أمر من اثنين، إما أن تقطعها حتى لا تأخذ حيزاً إضافياً بدون فائدة وبدون عائد أو أن تهتم بها وتعالجها حتى تأتي بثمر مرة أخرى.إذا وُجد سارق يتعدى على أموال الغير .. يسطو عليهم ويسلب ممتلكاتهم، أمامك أحد طريقين إما قطع يده أو تأهيله ليكون مواطناً شريفاً نافعاً لوطنه ولنفسه وللآخرين.

بين هذين الطريقين اختلافات كثيرة في المنهج والدوافع والأهداف المرجوة من اتباع أي من الأسلوبين.ولكل واحد من أصحاب الطريقتين رؤيته الخاصة ومبرراته ودوافعه لتبني أي من الطريقتين.

جاءت حادثة التحرش بعدة فتيات في ميدان التحرير وتجريدهم من ملابسهم وسط بعض ما تردد أن بعضهن تعرض بالفعل للإغتصاب أو قد تم هتك عرض البعض الآخر، ليثير لدى الشارع المصري بشكل عام ردة فعل بالغة الغضب تجاه هذه الأفعال الخسيسة ومطالبة الدولة بمواجهة هذه الظاهرة بمنتهى الحسم وليوجد رادع قوي يمنع تكرار هذه الظاهرة في المستقبل.

علينا النظر بهدوء لنتائج هذه الحادثة. ما الذي ترتب عليها وفي هذا التوقيت بالذات؟

نتج عنها غضب عارم وسط معظم ان لم يكن جميع فئات الشعب المصري ومطالبة الدولة ممثلة في أجهزتها التنفيذية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، التحرك وبقوة لمواجهة هذه الظاهرة التي تمس ضمير وأخلاق الشخصية المصرية.فنحن نقف أمام فوضى أمنية متمثلة في إرهاب جماعات الإسلام السياسي وفوضى أخلاقية متمثلة في انتشار ظاهرة التحرش بفتيات مصر في الشوارع.

وكلا من الظاهرتين تستوجبان إعطاء دعماً وتفويضاً من جميع فئات الشعب لجهاز الشرطة وجميع الأجهزة الأمنية لتعود لفرض قبضتها الحديدية على المجتمع حتى تعيد إليه الهدوء والإستقرار وتجتث جميع ظواهر الإرهاب والعنف والتسيب الأخلاقي.

ولا يوجد اليوم بين صفوف المصريين من يمانع في منح صلاحيات لا محدودة للأجهزة الأمنية في مقابل التخلص من هذا الكابوس الذي لا يتماشى مع طبيعة المصريين المحافظة والمسالمة واللافظة للعنف والتحرش وكل أشكال البلطجة المتفشية اليوم بشكل واسع في كل جوانب المجتمع.ولكن نحن نعود دون أن ندري لقبضة الأجهزة الأمنية مرة أخرى لتحكم سيطرتها مرة أخرى على جميع مناحي الحياة.

إن كان الأقباط على سبيل المثال أكثر المتضررين من إرهاب الإخوان مما تعرضوا له من حرق كنائسهم واختطاف أولادهم وحرق متاجرهم واستحلال أموالهم.وإن كان الأقباط كغيرهم من باقي المصريين يحتاجون لحماية الدولة كما يحتاجون للأمان والإستقرار الذي يتطلع إليهما مصر وكل المصريين.فإننا لا نريد أن نتجاهل أن الصلاحيات الواسعة والمطلقة الممنوحة للأجهزة الأمنية هي التي كانت تمنع بناء الكنائس أو حتى إصلاح دورة مياة داخل أي كنيسة في مصر وباقي ممارسات أمن الدولة في النظام السابق في جميع مناحي المجتمع المصري والذي من أجله قامت الثورة ضد مبارك حتى يستعيد المصريين كرامتهم والتي لا نريد التفريط فيها سواء كنا أقباط أو مسلمين، رجال أو نساء، تحت تهديد الإرهاب أو التحرش أو أي نوع آخر من الفوضى.

نحن مع جهاز أمن وطني شريف ومنضبط يقوم بأداء مهامه إنطلاقاً من ثوابت وطنية محددة وهي حماية الأرواح والممتلكات وحفظ كرامة المواطنين وحقوقهم. وليست لفرض سيطرة بأي شكل من الأشكال واستخدام صلاحياته فيما بعد للتحكم في مصير أبناء مصر وإهدار كرامتهم.نعم نريد الأمن ولكن ليس بأي ثمن.

نعم نريد عصم دماء المسلمين والأقباط ونريد حماية عِرض بناتنا وحمايتهن من التحرش ونريد عودة الهدوء والأمان لشوارعنا المصرية كما عهدناها وكما هي طبيعة مصر والمصريين، ولكن دون تفريط في كرامتنا ودون عودة الأجهزة الأمنية لسابق ممارساتها الكريهة بحجة فرض النظام ومحاربة الإرهاب والتحرش لأن جميع أجهزة الأمن في العالم تحارب هذه الظواهر دون إنتهاك كرامة مواطنيها أو الإنتقاص من حقوق أبنائها.ونعود لأساس وجذور مشكلة التحرش..

هل الحل قطع الشجرة أم إعادة تأهيل الشجرة.

ذكر المسيح في الإنجيل مثلاً عن صاحب حقل جاء يطلب ثمراً في شجرة ولم يجد، فلم يقرر أن يقطعها في الحال بل أعطاها فرصة ونقب حولها ووضع لها أسمدة مناسبة لتتجاوب مع العلاج وتتحول إلى شجرة مثمرة.

هذا هو طريق المسيح وهذا هو قلبه نحو الخطاة.فهو لديه رجاء في أسوأ إنسان ويريد أن يعطيه فرصة للتوبة والتغيير وليس الحل عند المسيح هو التخلص منه أو قطع يده.

وأنا مثل سيدي أتوق أن أرى طريقه تفكيرنا لدى مواجهتنا لأي مشكلة في مصر وقد تحولت من الصراخ في وجة المخطئين والمطالبة بتغليظ العقوبة وإستئصال المتسببين في المشكلة من المجتمع.علينا مواجهة أنفسنا بجذور وأسباب المشكلة. 

فالمتحرش لم يهبط علينا من السماء، بل هو نبتة هذا المجتمع الذي لم يجد الاهتمام به والذي أغلق في وجهه فرص العمل والزواج والتدين السليم فلم يجد أماه سوى أن يتحول لوحش ينهش أخوته وأقرب الناس إليه.نحن جميعاً مسئولين عن هذه الجريمة..

 المجتمع كله مسئول عن التحرش. أجهزة الدولة متمثلة في وزارة التعليم والإعلام والشباب، المفكرين وأساتذة الجامعات، المعلمين، الأطباء ورجال الدين.ونحن مسئولين عن التخلص من ظاهرة التحرش وليس أن نتخلص من المتحرشين الذين هم في النهاية شباب هذا البلد وضحية هذا المجتمع الذي لم يوفر لهم لا العيش ولا الكرامة ولا الحرية ولا العدالة الاجتماعية.

لنحاسب أنفسنا قبل أن نحاسبهم..ولنواجه أسباب وجذور مشاكلنا بدلاً من استسهال الحلول..

فلا تقطعوا الأشجار بل اجتهدوا في إصلاحها أولاً !


© 2014 united copts .org
 
Copyright © 2023 United Copts. All Rights Reserved.
Website Maintenance by: WeDevlops.com